الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالغَمامِ ونُزِّلَ المَلائِكَةُ تَنْزِيلا﴾ هَذا مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ﴾، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ: " تَشَّقَّقُ " بِالتَّشْدِيدِ، فَأدْغَمُوا التّاءَ في الشِّينِ، لِأنَّ الأصْلَ: تَتَشَقَّقُ. قالَ الفَرّاءُ: المَعْنى: تَتَشَقَّقُ السَّماءُ عَنِ الغَمامِ، وتَنْزِلُ فِيهِ المَلائِكَةُ، و " عَلى " و " عَنْ " و " الباءُ " في هَذا المَوْضِعِ بِمَعْنًى واحِدٍ، لِأنَّ العَرَبَ تَقُولُ: رَمَيْتُ عَنِ القَوْسِ، وبِالقَوْسِ، وعَلى القَوْسِ؛ والمَعْنى واحِدٌ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: المَعْنى: تَتَشَقَّقُ السَّماءُ وعَلَيْها غَمامٌ، كَما تَقُولُ: رَكِبَ الأمِيرُ بِسِلاحِهِ، وخَرَجَ بِثِيابِهِ، وإنَّما تَتَشَقَّقُ السَّماءُ لِنُزُولِ المَلائِكَةِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: تَتَشَقَّقُ السَّماءُ عَنِ الغَمامِ، وهو الغَيْمُ الأبْيَضُ، وتَنْزِلُ المَلائِكَةُ في الغَمامِ. وقالَ مُقاتِلٌ: المُرادُ بِالسَّماءِ: السَّماواتُ، تَتَشَقَّقُ عَنِ الغَمامِ، وهو غَمامٌ أبْيَضُ كَهَيْئَةِ الضَّبابِ، فَتَنْزِلُ المَلائِكَةُ عِنْدَ انْشِقاقِها. وَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: " ونُنْزِلُ " بِنُونَيْنِ: الأُولى مَضْمُومَةٌ، والثّانِيَةُ ساكِنَةٌ، (p-٨٥)واللّامُ مَضْمُومَةٌ، و " المَلائِكَةَ " نَصْبًا. وقَرَأ عاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ، وأبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ: " ونَزَّلَ " بِنُونٍ واحِدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ونَصْبِ الزّايِ وتَشْدِيدِها وفَتْحِ اللّامِ ونَصْبِ " المَلائِكَةَ " . وقَرَأ ابْنُ يَعْمُرَ: " ونَزَلَ " بِفَتْحِ النُّونِ واللّامِ والزّايِ والتَّخْفِيفِ " المَلائِكَةُ " بِالرَّفْعِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: المُلْكُ الَّذِي هو المُلْكُ حَقًّا لِلرَّحْمَنِ. فَأمّا العَسِيرُ، فَهو العَصَبُ الشَّدِيدُ يَشْتَدُّ عَلى الكُفّارِ، ويَهُونُ عَلى المُؤْمِنِينَ فَيَكُونُ كَمِقْدارِ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ كانَ يَحْضُرُ [عِنْدَ] رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ويُجالِسُهُ مِن غَيْرِ أنْ يُؤْمِنَ بِهِ، فَزَجَرَهُ عُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ عَنْ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، رَواهُ عَطاءٌ الخُراسانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: «أنَّ عُقْبَةَ دَعا قَوْمًا فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِطَعامٍ فَأكَلُوا، وأبى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يَأْكُلَ، وقالَ: " لا آكُلُ حَتّى تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنِّي رَسُولُ اللَّهِ "، فَشَهِدَ بِذَلِكَ عُقْبَةُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، وكانَ خَلِيلًا لَهُ، فَقالَ: صَبَوْتَ يا عُقْبَةُ؟! فَقالَ: لا واللَّهِ، ولَكِنَّهُ أبى أنْ يَأْكُلَ حَتّى قُلْتُ ذَلِكَ، ولَيْسَ مِن نَفْسِي، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ»، قالَهُ مُجاهِدٌ. (p-٨٦)والثّالِثُ: أنَّ عُقْبَةَ كانَ خَلِيلًا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَأسْلَمَ عُقْبَةُ، فَقالَ أُمَيَّةُ: وجْهِي مِن وجْهِكَ حَرامٌ إنْ تابَعْتَ مُحَمَّدًا، فَكَفَرَ وارْتَدَّ لِرِضا أُمَيَّةَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، قالَهُ الشَّعْبِيُّ. فَأمّا الظّالِمُ [المَذْكُورُ] هاهُنا، فَهو الكافِرُ، وفِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ أبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: عُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ. قالَ عَطاءٌ: يَأْكُلُ يَدَيْهِ حَتّى تَذْهَبا إلى المِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ تَنْبُتانِ، فَلا يَزالُ هَكَذا كُلَّما نَبَتَتْ يَدُهُ أكَلَها نَدامَةً عَلى ما فَعَلَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ﴾ الأكْثَرُونَ يُسَكِّنُونَ " يا لَيْتَنِي " وأبُو عَمْرٍو يُحَرِّكُها؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: والأصْلُ التَّحْرِيكُ، لِأنَّها بِإزاءِ الكافِ الَّتِي لِلْخِطابِ، إلّا أنَّ حَرْفَ اللِّينِ تُكْرَهُ فِيهِ الحَرَكَةُ، ولِذَلِكَ أسْكَنَ مَن أسْكَنَ؛ والمَعْنى: لَيْتَنِي اتَّبَعْتُهُ فاتَّخَذْتُ مَعَهُ طَرِيقًا إلى الهُدى. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيْتَنِي لَمْ أتَّخِذْ فُلانًا﴾ في المُشارِ إلَيْهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ عَنى أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: عُقْبَةَ بْنَ أبِي مُعَيْطٍ، قالَهُ أبُو مالِكٍ. والثّالِثُ: الشَّيْطانَ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والرّابِعُ: أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، قالَهُ السُّدِّيُّ. فَإنْ قِيلَ: إنَّما يُكْنى مَن يُخافُ المُبادَأةُ أوْ يَحْتاجُ إلى المُداجاةِ، فَما وجْهُ الكِنايَةِ؟ فالجَوابُ: أنَّهُ أرادَ بِالظّالِمِ: كُلَّ ظالِمٍ، وأرادَ بِفُلانٍ: كُلَّ مَن أُطِيعَ في مَعْصِيَةٍ وأُرْضِيَ بِسَخَطِ اللَّهِ، وإنْ كانَتِ الآيَةُ نَزَلَتْ في شَخْصٍ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. (p-٨٧)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقَدْ أضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ﴾ أيْ: صَرَفَنِي عَنِ القُرْآنِ والإيمانِ بِهِ ﴿بَعْدَ إذْ جاءَنِي﴾ مَعَ الرَّسُولِ، وهاهُنا تَمَّ الكَلامُ. ثُمَّ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَكانَ الشَّيْطانُ لِلإنْسانِ﴾ يَعْنِي: الكافِرَ ﴿خَذُولا﴾ يَتَبَرَّأُ [مِنهُ] في الآخِرَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب