الباحث القرآني
ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلْكُفّارِ فَقالَ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهم كَسَرابٍ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: السَّرابُ: ما رَأيْتَهُ مِنَ الشَّمْسِ كالماءِ نِصْفَ النَّهارِ، والآلُ: ما رَأيْتَهُ في أوَّلِ النَّهارِ وآخِرِهِ، وهو يَرْفَعُ كُلَّ شَيْءٍ، والقِيعَةُ والقاعُ واحِدٌ. وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ: " بِقِيعاتٍ " . وقالَ الزَّجّاجُ: القِيعَةُ جَمْعُ قاعٍ، مِثْلُ جارٍ وجِيرَةٍ، والقِيعَةُ والقاعُ: ما انْبَسَطَ مِنَ الأرْضِ ولَمْ يَكُنْ فِيهِ نَباتٌ، فالَّذِي يَسِيرُ فِيهِ يَرى كَأنَّ فِيهِ ماءً يَجْرِي، وذَلِكَ هو السَّرابُ، والآلُ مِثْلُ السَّرابِ، إلّا أنَّهُ يَرْتَفِعُ وقْتَ الضُّحى- كالماءِ- بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ- وهو الشَّدِيدُ العَطَشِ- ماءً، حَتّى إذا جاءَ إلى مَوْضِعِ السَّرابِ رَأى أرْضًا لا ماءَ فِيها، فَأعْلَمَ اللَّهُ أنَّ الكافِرَ الَّذِي يَظُنُّ أنَّ عَمَلَهُ قَدْ نَفَعَهُ عِنْدَ اللَّهِ- كَظَنِّ الَّذِي يَظُنُّ السَّرابَ ماءً- وعَمَلُهُ قَدْ حَبِطَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ﴾ أيْ: قَدِمَ عَلى اللَّهِ ﴿فَوَفّاهُ حِسابَهُ﴾ أيْ: جازاهُ بِعَمَلِهِ؛ وهَذا في الظّاهِرِ خَبَرٌ عَنِ الظَّمْآنِ، والمُرادُ بِهِ الخَبَرُ عَنِ الكافِرِ.
(p-٥٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ مُفَسَّرٌ في (البَقَرَةِ: ٢٠٢) .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ كَظُلُماتٍ﴾ في هَذا المَثَلِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ لِعَمَلِ الكافِرِ، قالَهُ الجُمْهُورُ، واخْتارَهُ الزَّجّاجُ.
والثّانِي: أنَّهُ مَثَلٌ لِقَلْبِ الكافِرِ في أنَّهُ لا يَعْقِلُ ولا يُبْصِرُ، قالَهُ الفَرّاءُ. فَأمّا اللُّجِّيُّ، فَهو العَظِيمُ اللُّجَّةِ، وهو العَمِيقُ (يَغْشاهُ) أيْ: يَعْلُو ذَلِكَ البَحْرَ ﴿مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ﴾ أيْ: مِن فَوْقِ المَوْجِ مَوْجٌ، والمَعْنى: يَتْبَعُ المَوْجَ مَوْجٌ، حَتّى كانَ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ، ﴿مِن فَوْقِهِ﴾ أيْ: مِن فَوْقِ ذَلِكَ المَوْجِ ﴿سَحابٌ﴾ .
ثُمَّ ابْتَدَأ فَقالَ: ﴿ظُلُماتٌ﴾ يَعْنِي: ظُلْمَةَ البَحْرِ، وظُلْمَةَ المَوْجِ [الأوَّلِ، وظُلْمَةَ المَوْجِ] الَّذِي فَوْقَ المَوْجِ، وظُلْمَةَ السَّحابِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: " سَحابُ ظُلُماتٍ " مُضافًا ﴿إذا أخْرَجَ يَدَهُ﴾ يَعْنِي: إذا أخْرَجَها مُخْرِجٌ، ﴿لَمْ يَكَدْ يَراها﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ لَمْ يَرَها، قالَهُ الحَسَنُ، واخْتارَهُ الزَّجّاجُ. قالَ: لِأنَّ في دُونِ هَذِهِ الظُّلُماتِ لا يُرى الكَفُّ؛ وكَذَلِكَ قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: مَعْناهُ: لَمْ يَرَها البَتَّةَ، لِأنَّهُ قَدْ قامَ الدَّلِيلُ عِنْدَ وصْفِ تَكاثُفِ الظُّلُماتِ عَلى أنَّ الرُّؤْيَةَ مَعْدُومَةٌ، فَبانَ بِهَذا الكَلامِ أنَّ ﴿يَكَدْ﴾ زائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، بِمَنزِلَةِ ما في قَوْلِهِ: ﴿عَمّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ﴾ [المُؤْمِنُونَ: ٤٠] .
والثّانِي: أنَّهُ لَمْ يَرَها إلّا بَعْدَ الجُهْدِ، قالَهُ المُبَرِّدُ. قالَ الفَرّاءُ: وهَذا كَما تَقُولُ: ما كِدْتُ أبْلُغُ إلَيْكَ، وقَدْ بَلَغْتَ، قالَ الفَرّاءُ: وهَذا وجْهُ العَرَبِيَّةِ.
* فَصْلٌ
فَأمّا وجْهُ المَثَلِ، فَقالَ المُفَسِّرُونَ: لَمّا ضَرَبَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ مَثَلًا بِالنُّورِ، (p-٥١)ضَرَبَ لِلْكافِرِ هَذا المَثَلَ بِالظُّلُماتِ؛ والمَعْنى: أنَّ الكافِرَ في حَيْرَةٍ لا يَهْتَدِي لِرُشْدٍ. وقِيلَ: الظُّلُماتُ: ظُلْمَةُ الشِّرْكِ وظُلْمَةُ المَعاصِي. وقالَ بَعْضُهم: ضَرَبَ الظُّلُماتِ مَثَلًا لِعَمَلِهِ، والبَحْرَ اللُّجِّيُّ لِقَلْبِهِ، والمَوْجَ لِما يَغْشى قَلْبَهُ مِنَ الشِّرْكِ والجَهْلِ والحَيْرَةِ، والسَّحابَ لِلرَّيْنِ والخَتْمِ عَلى قَلْبِهِ، فَكَلامُهُ ظُلْمَةٌ، وعَمَلُهُ ظُلْمَةٌ، ومَدْخَلُهُ ظُلْمَةٌ، ومَخْرَجُهُ ظُلْمَةٌ، ومَصِيرُهُ إلى الظُّلُماتِ يَوْمَ القِيامَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: دِينًا وإيمانًا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والسُّدِّيُّ. والثّانِي: هِدايَةً، قالَهُ الزَّجّاجُ.
{"ayahs_start":39,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَعۡمَـٰلُهُمۡ كَسَرَابِۭ بِقِیعَةࣲ یَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡـَٔانُ مَاۤءً حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَهُۥ لَمۡ یَجِدۡهُ شَیۡـࣰٔا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ","أَوۡ كَظُلُمَـٰتࣲ فِی بَحۡرࣲ لُّجِّیࣲّ یَغۡشَىٰهُ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابࣱۚ ظُلُمَـٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَاۤ أَخۡرَجَ یَدَهُۥ لَمۡ یَكَدۡ یَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ یَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورࣰا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ"],"ayah":"أَوۡ كَظُلُمَـٰتࣲ فِی بَحۡرࣲ لُّجِّیࣲّ یَغۡشَىٰهُ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابࣱۚ ظُلُمَـٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَاۤ أَخۡرَجَ یَدَهُۥ لَمۡ یَكَدۡ یَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ یَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورࣰا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق