الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ﴾ شَرائِطُ الإحْصانِ في الزِّنا المُوجِبِ لِلرَّجْمِ عِنْدَنا أرْبَعَةٌ: البُلُوغُ، والحُرِّيَّةُ، والعَقْلُ، والوَطْءُ في نِكاحٍ صَحِيحٍ. فَأمّا الإسْلامُ، فَلَيْسَ بِشَرْطٍ في الإحْصانِ، خِلافًا لِأبِي حَنِيفَةَ، ومالِكٍ. وأمّا شَرائِطُ إحْصانِ القَذْفِ فَأرْبَعٌ: الحُرِّيَّةُ، والإسْلامُ، والعِفَّةُ، وأنْ يَكُونَ المَقْذُوفُ مِمَّنْ يُجامَعُ مِثْلُهُ. ومَعْنى الآيَةِ: يَرْمُونَ المُحْصَناتِ بِالزِّنا، فاكْتَفى بِذِكْرِهِ المُتَقَدِّمِ عَنْ إعادَتِهِ. ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا﴾ عَلى ما رَمَوْهُنَّ بِهِ ﴿بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ﴾ عُدُولٍ يَشْهَدُونَ أنَّهم رَأوْهُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ ﴿فاجْلِدُوهُمْ﴾ يَعْنِي القاذِفِينَ.
* فَصْلٌ
وَقَدْ أفادَتْ هَذِهِ الآيَةُ أنَّ عَلى القاذِفِ إذا لَمْ يُقِمِ البَيِّنَةَ الحَدُّ ورَدُّ الشَّهادَةِ وثُبُوتُ الفِسْقِ. واخْتَلَفُوا هَلْ يُحْكَمُ بِفِسْقِهِ ورَدِّ شَهادَتِهِ بِنَفْسِ القَذْفِ، أمْ بِالحَدِّ؟ فَعَلى قَوْلِ أصْحابِنا: إنَّهُ يُحْكَمُ بِفِسْقِهِ ورَدِّ شَهادَتِهِ إذا لَمْ يُقِمِ البَيِّنَةَ، وهو قَوْلُ (p-١١)الشّافِعِيِّ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ، وماِلِكٌ: لا يُحْكَمُ بِفِسْقِهِ، وتُقْبَلُ شَهادَتَهُ ما لَمْ يُقَمُ الحَدُّ عَلَيْهِ.
* فَصْلٌ
والتَّعْرِيضُ بِالقَذْفِ- كَقَوْلِهِ لِمَن يُخاصِمُهُ: ما أنْتَ بِزانٍ، ولا أُمُّكَ زانِيَةٌ- يُوجِبُ الحَدَّ في المَشْهُورِ مِن مَذْهَبِنا. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: لا يُوجِبُ الحَدَّ. وحَدُّ العَبْدِ في القَذْفِ نِصْفُ حَدِّ الحُرِّ، وهو أرْبَعُونَ، قالَهُ الجَماعَةُ، إلّا الأوْزاعِيُّ فَإنَّهُ قالَ: ثَمانُونَ. فَأمّا قاذِفُ المَجْنُونِ، فَقالَ الجَماعَةُ: لا يُحَدُّ. وقالَ اللَّيْثُ: يُحَدُّ.
فَأمّا الصَّبِيُّ، فَإنْ كانَ مِثْلُهُ يُجامِعُ أوْ كانَتْ صَبِيَّةً مِثْلُها يُجامِعُ، فَعَلى القاذِفِ الحَدُّ.
وَقالَ مالِكٌ: يُحَدُّ قاذِفُ الصَّبِيَّةِ الَّتِي يُجامَعُ مِثْلُها، ويُحَدُّ قاذِفُ الصَّبِيِّ.
وَقالَ أبُو حَنِيفَةَ، والشّافِعِيُّ: لا يُحَدُّ قاذِفُهُما. فَإنْ قَذَفَ رَجُلٌ جَماعَةً بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ، فَعَلَيْهِ حَدٌّ واحِدٌ، وإنْ أفْرَدَ كُلَّ واحِدٍ بِكَلِمَةٍ، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ حَدٌّ، وهو قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وابْنِ أبِي لَيْلى؛ وقالَ أبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ: عَلَيْهِ حَدٌّ واحِدٌ، سَواءً قَذَفَهم بِكَلِمَةٍ أوْ بِكَلِماتٍ.
* فَصْلٌ
وَحَدُّ القَذْفِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، يَصِحُّ أنْ يُبَرَّأ مِنهُ، ويُعْفى عَنْهُ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: هو حَقٌّ لِلَّهِ. وعِنْدَنا [أنَّهُ] لا يُسْتَوْفى إلّا بِمُطالَبَةِ المَقْذُوفِ، وهو قَوْلُ الأكْثَرِينَ. وقالَ ابْنُ أبِي لَيْلى: يَحُدُّهُ الإمامُ وإنْ لَمْ يُطالِبِ المَقْذُوفُ.
(p-١٢)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا الَّذِينَ تابُوا﴾ أيْ: مِنَ القَذْفِ ﴿وَأصْلَحُوا﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أظْهَرُوا التَّوْبَةَ؛ وقالَ غَيْرُهُ: لَمْ يَعُودُوا إلى قَذْفِ المُحْصَناتِ.
وَفِي هَذا الِاسْتِثْناءِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما أنَّهُ نَسْخُ حَدِّ القَذْفِ وإسْقاطُ الشَّهادَةِ مَعًا، وهَذا قَوْلُ عِكْرِمَةَ، والشَّعْبِيِّ، وطاوُوسَ، ومُجاهِدٍ، والقاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، والزُّهْرِيِّ، والشّافِعِيِّ، وأحْمَدَ.
والثّانِي: أنَّهُ يَعُودُ إلى الفِسْقِ فَقَطْ، وأمّا الشَّهادَةُ، فَلا تُقْبَلُ أبَدًا، قالَهُ الحَسَنُ، وشُرَيْحٌ، وإبْراهِيمُ، وقَتادَةُ. فَعَلى هَذا القَوْلِ انْقَطَعَ الكَلامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿أبَدًا﴾؛ وعَلى القَوْلِ الأوَّلِ وقَعَ الِاسْتِثْناءُ عَلى جَمِيعِ الكَلامِ، وهَذا أصَحُّ، لِأنَّ المُتَكَلِّمَ بِالفاحِشَةِ لا يَكُونُ أعْظَمَ جُرْمًا مِن راكِبِها، فَإذا قُبِلَتْ شَهادَةُ المَقْذُوفِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فالرّامِي أيْسَرُ جُرْمًا، ولَيْسَ القاذِفُ بِأشَدَّ جُرْمًا مِنَ الكافِرِ، فَإنَّهُ إذا أسْلَمَ قُبِلَتْ شَهادَتُهُ.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ یَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمۡ یَأۡتُوا۟ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَاۤءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَـٰنِینَ جَلۡدَةࣰ وَلَا تَقۡبَلُوا۟ لَهُمۡ شَهَـٰدَةً أَبَدࣰاۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ","إِلَّا ٱلَّذِینَ تَابُوا۟ مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ وَأَصۡلَحُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ یَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمۡ یَأۡتُوا۟ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَاۤءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَـٰنِینَ جَلۡدَةࣰ وَلَا تَقۡبَلُوا۟ لَهُمۡ شَهَـٰدَةً أَبَدࣰاۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق