الباحث القرآني

(p-٤٥٨)سُورَةُ المُؤْمِنُونَ سُورَةُ المُؤْمِنُونَ مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الجَمِيعِ. رَوى عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: " «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْنا عَشْرُ آياتٍ مَن أقامَهُنَّ دَخَلَ الجَنَّةَ، ثُمَّ قَرَأ: ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ إلى عَشْرِ آياتٍ "»، رَواهُ الحاكِمُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ في " صَحِيحِهِ " . ورَوى أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ (p-٤٥٩)عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: " «إنَّ اللَّهَ تَعالى حاطَ حائِطَ الجَنَّةِ لَبِنَةً مِن ذَهَبٍ ولَبِنَةٍ مِن فِضَّةٍ، وغَرَسَ غَرْسَها بِيَدِهِ، فَقالَ لَها: تَكَلَّمِي، فَقالَتْ: قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ، فَقالَ لَها: طُوبى لَكِ مَنزِلَ المُلُوكِ» " . قالَ الفَرّاءُ: " قَدْ " هاهُنا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ تَأْكِيدًا لِفَلاحِ المُؤْمِنِينَ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ تَقْرِيبًا لِلْماضِي مِنَ الحالِ؛ لِأنَّ " قَدْ " تُقَرِّبُ الماضِيَ مِنَ الحالِ حَتّى تُلْحِقَهُ بِحُكْمِهِ، ألا تَراهم يَقُولُونَ: قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ، قَبْلَ حالِ قِيامِها، فَيَكُونُ مَعْنى الآيَةِ: إنَّ الفَلّاحَ قَدْ حَصَلَ لَهم، وإنَّهم عَلَيْهِ في الحالِ. وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وعِكْرِمَةُ، وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ، وطِلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: ( قَدْ أُفْلِحَ ) بِضَمِّ الألْفِ وكَسْرِ اللّامِ وفَتْحِ الحاءِ، عَلى ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ. قالَ الزَّجّاجُ: ومَعْنى الآيَةِ: قَدْ نالَ المُؤْمِنُونَ البَقاءَ الدّائِمَ في الخَيْرِ. ومَن قَرَأ: ( قَدْ أُفْلِحَ ) بِضَمِّ الألْفِ، كانَ مَعْناهُ: قَدْ أُصِيرُوا إلى الفَلاحِ. وأصِلُ الخُشُوعِ في اللُّغَةِ: الخُضُوعُ والتَّواضُعُ. وَفِي المُرادِ بِالخُشُوعِ في الصَّلاةِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ النَّظَرُ إلى مَوْضِعِ السُّجُودِ. رَوى أبُو هُرَيْرَةَ، قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ (p-٤٦٠)ﷺ إذا صَلّى رَفَعَ بَصَرَهُ إلى السَّماءِ، فَنَزَلَتِ: " الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ " فَنَكَّسَ رَأْسَهُ» . وإلى هَذا المَعْنى ذَهَبَ مُسْلِمُ بْنُ يَسارٍ وقَتادَةُ. والثّانِي: أنَّهُ تَرْكُ الِالتِفاتِ في الصَّلاةِ، وأنْ تُلِينَ كَنَفَكَ لِلرَّجُلِ المُسْلِمِ، قالَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. والثّالِثُ: أنَّهُ السُّكُونُ في الصَّلاةِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وإبْراهِيمُ، والزُّهْرِيُّ. والرّابِعُ: أنَّهُ الخَوْفُ، قالَهُ الحَسَنُ. وَفِي المُرادِ بِاللَّغْوِ هاهُنا خَمْسَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: الشِّرْكُ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: الباطِلُ، رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: المَعاصِي، قالَهُ الحَسَنُ. والرّابِعُ: الكَذِبُ، قالَهُ السُّدِّيُّ. والخامِسُ: الشَّتْمُ والأذى الَّذِي كانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الكُفّارِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. قالَ الزَّجّاجُ: واللَّغْوُ: كُلُّ لَعِبٍ ولَهْوٍ، وكُلُّ مَعْصِيَةٍ فَهي مُطَّرَحَةٌ مُلْغاةٌ؛ فالمَعْنى: شَغَلَهُمُ الجِدُّ فِيما أمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ عَنِ اللَّغْوِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ﴾؛ أيْ: مُؤَدُّونَ، فَعَبَّرَ عَنِ التَّأْدِيَةِ بِالفِعْلِ؛ لِأنَّهُ فَعَلَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا عَلى أزْواجِهِمْ﴾ قالَ الفَرّاءُ: " عَلى " بِمَعْنى " مِن " . وقالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: أنَّهم يُلامُونَ في إطْلاقِ ما حُظِرَ عَلَيْهِمْ وأُمِرُوا بِحِفْظِهِ، إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فَإنَّهم لا يُلامُونَ. (p-٤٦١) قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَنِ ابْتَغى﴾؛ أيْ: طَلَبَ، ﴿وَراءَ ذَلِكَ﴾؛ أيْ: سِوى الأزْواجِ والمَمْلُوكاتِ، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ يَعْنِي: الجائِرِينَ الظّالِمِينَ؛ لِأنَّهم قَدْ تَجاوَزُوا إلى ما لا يَحِلُّ. ﴿والَّذِينَ هم لأماناتِهِمْ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: ( لِأمانَتِهِمْ ) وهو اسْمُ جِنْسٍ، والمَعْنى: لِلْأماناتِ الَّتِي ائْتُمِنُوا عَلَيْها، فَتارَةً تَكُونُ الأمانَةُ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ رَبِّهِ، وتارَةً تَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَ جِنْسِهِ، فَعَلَيْهِ مُراعاةُ الكُلِّ، وكَذَلِكَ العَهْدُ. ومَعْنى ﴿راعُونَ﴾: حافِظُونَ. قالَ الزَّجّاجُ: وأصِلُ الرَّعْيِ في اللُّغَةِ: القِيامُ عَلى إصْلاحِ ما يَتَوَلّاهُ الرّاعِي مِن كُلِّ شَيْءٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى صَلَواتِهِمْ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وعاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: ( صَلَواتِهِمْ ) عَلى الجَمْعِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: ( صَلاتِهِمْ ) عَلى التَّوْحِيدِ، وهو اسْمُ جِنْسٍ. والمُحافَظَةُ عَلى الصَّلَواتِ: أداؤُها في أوْقاتِها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الوارِثُونَ﴾ ذَكَرَ السُّدِّيُّ عَنْ أشْياخِهِ أنَّ اللَّهَ تَعالى يَرْفَعُ لِلْكُفّارِ الجَنَّةَ، فَيَنْظُرُونَ إلى بُيُوتِهِمْ فِيها لَوْ أنَّهم أطاعُوا، ثُمَّ تُقَسَّمُ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ فَيَرِثُونَهم، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الوارِثُونَ﴾ . وقَدْ شَرَحْنا هَذا في ( الأعْرافِ: ٤٣ ) عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿أُورِثْتُمُوها﴾، وشَرَحْنا مَعْنى الفِرْدَوْسِ في ( الكَهْفِ: ١٠٧ ) .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب