الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَذانِ خَصْمانِ﴾ اخْتَلَفُوا فِيمَن نَزَلَتْ عَلى أرْبَعَةِ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّها نَزَلَتْ في النَّفَرِ الَّذِينَ تَبارَزُوا لِلْقِتالِ يَوْمَ بَدْرٍ، حَمْزَةَ، وعَلِيٍّ، وعُبَيْدِ بْنِ الحارِثِ، وعَتَبَةَ وشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، والوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، هَذا قَوْلُ أبِي ذَرٍّ. والثّانِي: أنَّها نَزَلَتْ في أهْلِ الكِتابِ، قالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ: نَحْنُ أوْلى بِاللَّهِ، وأقْدَمُ مِنكم كِتابًا، ونَبِيُّنا قَبْلَ نَبِيِّكم، وقالَ المُؤْمِنُونَ: نَحْنُ أحَقُّ بِاللَّهِ، آمَنّا بِمُحَمَّدٍ، وآمَنّا بِنَبِيِّكم، وبِما أنْزَلَ اللَّهُ مِن كِتابٍ، وأنْتُمْ تَعْرِفُونَ نَبِيَّنا، ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ حَسَدًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ. والثّالِثُ: أنَّها في جَمِيعِ المُؤْمِنِينَ والكُفّارِ، وإلى هَذا المَعْنى ذَهَب الحَسَنُ، وعَطاءٌ، ومُجاهِدٌ. (p-٤١٧) والرّابِعُ: أنَّها نَزَلَتْ في اخْتِصامِ الجَنَّةِ والنّارِ، فَقالَتْ النّارُ: خَلَقَنِي اللَّهُ لِعُقُوبَتِهِ، وقالَتِ الجَنَّةُ: خَلَقَنِي اللَّهُ لِرَحْمَتِهِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. فَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَذانِ﴾ وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، وابْنُ كَثِيرٍ: ( هاذّانِ ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ ( خَصْمانِ )، فَمَعْناهُ: جَمْعانِ، ولَيْسا بِرَجُلَيْنِ، ولِهَذا قالَ تَعالى: ﴿اخْتَصَمُوا﴾، ولَمْ يَقُلِ: اخْتَصَما، عَلى أنَّهُ قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: ( اخْتَصَما ) . وَفِي خُصُومَتِهِمْ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: في دِينِ رَبِّهِمْ، وهَذا عَلى القَوْلَيْنِ الأوَّلَيْنِ. والثّانِي: في البَعْثِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: أنَّهُ خِصامُ مُفاخِرَةٍ، عَلى قَوْلِ عِكْرِمَةَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُطِّعَتْ لَهم ثِيابٌ﴾؛ أيْ: سُوِّيْتْ وجُعِلَتْ لِباسًا. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: قُمُصٌ مِن نارٍ. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: المُرادُ بِالنّارِ هاهُنا: النُّحاسُ. فَأمّا ﴿الحَمِيمُ﴾ فَهو الماءُ الحارُّ ﴿يُصْهَرُ بِهِ﴾، قالَ الفَرّاءُ: يُذابُ بِهِ، يُقالُ: صَهَرْتُ الشَّحْمَ بِالنّارِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: يُذابُ بِالماءِ الحارِّ ما في بُطُونِهِمْ مِن شَحْمٍ أوْ مِعًى حَتّى يَخْرُجَ مِن أدْبارِهِمْ، وتَنْضَجُ الجُلُودُ فَتَتَساقَطُ مِن حَرِّهِ. ﴿وَلَهم مَقامِعُ﴾ قالَ الضَّحّاكُ: هي المَطارِقُ. وقالَ الحَسَنُ: إنَّ النّارَ تَرْمِيهِمْ بِلَهَبِها، حَتّى إذا كانُوا في أعْلاها ضُرِبُوا بِمَقامِعَ، فَهَوَوْا فِيها سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَإذا انْتَهَوْا إلى أسْفَلِها ضَرَبَهُمُ زَفِيرُ لَهَبِها، فَلا يَسْتَقِرُّونَ ساعَةً. قالَ مُقاتِلٌ: إذا جاشَتْ جَهَنَّمُ ألْقَتْهم في أعْلاها، فَيُرِيدُونَ الخُرُوجَ، فَتَتَلَقّاهم خَزَنَةُ جَهَنَّمَ بِالمَقامِعِ فَيَضْرِبُونَهم، (p-٤١٨)فَيَهْوِي أحَدُهم مِن تِلْكَ الضَّرْبَةِ إلى قَعْرِها. وقالَ غَيْرُهُ: إذا دَفَعَتْهُمُ النّارُ ظَنُّوا أنَّها سَتَقْذِفُهم خارِجًا مِنها، فَتُعِيدُهم الزَّبانِيَةُ بِمَقامِعِ الحَدِيدِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب