الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ﴾؛ أيْ: بِتَحْرِيقِهِ؛ لِأنَّهُ يَعِيبُها، ﴿إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ﴾؛ أيْ: ناصِرِيها. الإشارَةُ إلى القِصَّةِ ذَكَرَ أهْلُ التَّفْسِيرِ أنَّهم حَبَسُوا إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ في بَيْتٍ، ثُمَّ بَنَوْا لَهُ حَيْرًا طُولَ جِدارِهِ سِتُّونَ ذِراعًا إلى سَفْحِ جَبَلٍ مُنِيفٍ، ونادى مُنادِي المَلِكِ: أيُّها النّاسُ احْتَطِبُوا لِإبْراهِيمَ، ولا يَتَخَلَّفَنَّ عَنْ ذَلِكَ صَغِيرٌ ولا كَبِيرٌ، فَمِن تَخَلَّفَ أُلْقِيَ في تِلْكَ النّارِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ أرْبَعِينَ لَيْلَةً، حَتّى إنْ كانَتِ المَرْأةُ لَتَقُولُ: إنْ ظَفِرْتَ بِكَذا لِأحْتَطِبَنَّ لِنارِ إبْراهِيمَ، حَتّى إذا كانَ الحَطَبُ يُساوِي رَأْسَ الجِدارِ سَدُّوا أبْوابَ الحَيْرِ وقَذَفُوا فِيهِ النّارَ، فارْتَفَعَ لَهَبُها، حَتّى إنْ كانَ الطّائِرُ لَيَمُرُّ بِها فَيَحْتَرِقُ مِن شِدَّةِ حَرِّها، ثُمَّ بَنَوْا بُنْيانًا شامِخًا، وبَنَوْا فَوْقَهُ مَنجَنِيقًا، ثُمَّ رَفَعُوا إبْراهِيمَ عَلى رَأْسِ البُنْيانِ، فَرَفَعَ إبْراهِيمُ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ أنْتَ الواحِدُ في السَّماءِ، وأنا الواحِدُ في الأرْضِ، لَيْسَ في الأرْضِ أحَدٌ يَعْبُدُكَ غَيْرِي، حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلِ، فَقالَتِ السَّماءُ، والأرْضُ، والجِبالُ، والمَلائِكَةُ: رَبَّنا إبْراهِيمُ يُحْرَقُ فِيكَ، فائْذَنْ لَنا في نُصْرَتِهِ، فَقالَ: أنا أعْلَمُ بِهِ، وإنْ دَعاكم فَأغِيثُوهُ؛ فَقَذَفُوهُ في النّارِ وهو ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةٍ، وقِيلَ: سِتٍّ وعِشْرِينَ، فَقالَ: حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، فاسْتَقْبَلَهُ جِبْرِيلُ، فَقالَ: يا إبْراهِيمُ ألَكَ حاجَةٌ ؟ قالَ: أمّا إلَيْكَ (p-٣٦٧)فَلا، قالَ جِبْرِيلُ: فَسَلْ رَبَّكَ، فَقالَ: حَسْبِي مِن سُؤالِي عِلْمُهُ بِحالِي، فَقالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا نارُ كُونِي بَرْدًا وسَلامًا عَلى إبْراهِيمَ﴾، فَلَمْ تَبْقَ نارٌ عَلى وجْهِ الأرْضِ يَوْمَئِذٍ إلّا طُفِئَتْ وظَنَّتْ أنَّها عُنِيَتْ. وزَعَمَ السُّدِّيُّ أنَّ جِبْرِيلَ هو الَّذِي ناداها. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَوْ لَمْ يُتْبِعْ بَرْدَها سَلامًا لَماتَ إبْراهِيمُ مِن بَرْدِها. قالَ السُّدِّيُّ: فَأخَذَتِ المَلائِكَةُ بِضَبْعَيْ إبْراهِيمَ، فَأجْلَسُوهُ عَلى الأرْضِ، فَإذا عَيْنٌ مِن ماءٍ عَذْبٍ، ووَرْدٌ أحْمَرُ ونَرْجِسٌ. قالَ كَعْبٌ ووَهْبٌ: فَما أحْرَقَتِ النّارُ مِن إبْراهِيمَ إلّا وثاقَهُ، وأقامَ في ذَلِكَ المَوْضِعِ سَبْعَةَ أيّامٍ، وقالَ غَيْرُهُما: أرْبَعِينَ أوْ خَمْسِينَ يَوْمًا، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِقَمِيصٍ مِنَ الجَنَّةِ وطَنْفَسَةٍ مِنَ الجَنَّةِ، فَألْبَسَهُ القَمِيصَ وأجْلَسَهُ عَلى الطَّنْفَسَةِ، وقَعَدَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ. وإنَّ آزَرَ أتى نَمْرُودَ فَقالَ: ائْذَنْ لِي أنْ أُخْرِجَ عِظامَ إبْراهِيمَ فَأدْفِنَها، فانْطَلَقَ نَمْرُودُ ومَعَهُ النّاسُ، فَأمَرَ بِالحائِطِ فَنُقِبَ، فَإذا إبْراهِيمُ في رَوْضَةٍ تَهْتَزُّ وثِيابُهُ تَنْدى، وعَلَيْهِ القَمِيصُ وتَحْتَهُ الطَّنْفَسَةُ، والمَلَكُ إلى جَنْبِهِ، فَناداهُ نَمْرُودُ: يا إبْراهِيمُ؛ إنَّ إلَهَكَ الَّذِي بَلَغَتْ قُدْرَتُهُ هَذا لِكَبِيرٌ، هَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَخْرُجَ ؟ قالَ: نَعِمَ، فَقامَ إبْراهِيمُ يَمْشِي حَتّى خَرَجَ. فَقالَ: مَنِ الَّذِي رَأيْتُ مَعَكَ ؟ قالَ: مَلَكٌ أرْسَلَهُ إلَيَّ رَبِّي لِيُؤْنِسَنِي، فَقالَ نَمْرُودُ: إنِّي مُقَرِّبٌ (p-٣٦٨)لِإلَهِكَ قُرْبانًا؛ لِما رَأيْتُ مِن قُدْرَتِهِ. فَقالَ: إذَنْ لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنكَ ما كُنْتَ عَلى دِينِكَ، فَقالَ: يا إبْراهِيمُ؛ لا أسْتَطِيعُ تَرْكَ مُلْكِي، ولَكِنْ سَوْفَ أذْبَحُ لَهُ، فَذَبَحَ القُرْبانَ وكَفَّ عَنْ إبْراهِيمَ. قالَ المُفَسِّرُونَ: ومَعْنى ﴿كُونِي بَرْدًا﴾؛ أيْ: ذاتَ بَرْدٍ وسَلامًا؛ أيْ: سَلامَةً. ﴿وَأرادُوا بِهِ كَيْدًا﴾ وهو التَّحْرِيقُ بِالنّارِ. ﴿فَجَعَلْناهُمُ الأخْسَرِينَ﴾ وهو أنَّ اللَّهَ تَعالى سَلَّطَ البَعُوضَ عَلَيْهِمْ، حَتّى أكَلَ لُحُومَهم وشَرِبَ دِماءَهم، ودَخَلَتْ واحِدَةٌ في دِماغِ نَمْرُودَ حَتّى أهْلَكَتْهُ، والمَعْنى: أنَّهم كادُوهُ بِسُوءٍ، فانْقَلَبَ السُّوءُ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنَجَّيْناهُ﴾؛ أيْ: مِن نَمْرُودَ وكَيْدِهِ، ﴿وَلُوطًا﴾ وهو ابْنُ أخِي إبْراهِيمَ، وهو لُوطُ بْنُ هارانَ بْنِ تارِحَ، وكانَ قَدْ آمَنَ بِهِ، فَهاجَرا مِن أرْضِ العِراقِ إلى الشّامِ، وكانَتْ سارَّةُ مَعَ إبْراهِيمَ في قَوْلِ وهْبٍ. وقالَ السُّدِّيُّ: إنَّما هي ابْنَةُ مَلِكِ حَرّانَ، لَقِيَها إبْراهِيمُ فَتَزَوَّجَها عَلى أنْ لا يُغَيِّرُها، وكانَتْ قَدْ طَعَنَتْ عَلى قَوْمِها في دِينِهِمْ. فَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلى الأرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها﴾، فَفِيها قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها أرْضُ الشّامِ، وهَذا قَوْلُ الأكْثَرِينَ. وبَرَكَتُها: أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ بَعَثَ أكْثَرَ الأنْبِياءِ مِنها، وأكْثَرَ فِيها الخِصْبَ والثِّمارَ والأنْهارَ. والثّانِي: أنَّها مَكَّةُ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، والأوَّلُ أصَحُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَوَهَبْنا لَهُ﴾ يَعْنِي: إبْراهِيمَ، ﴿إسْحاقَ ويَعْقُوبَ نافِلَةً﴾، وفي مَعْنى النّافِلَةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها بِمَعْنى الزِّيادَةِ، والمُرادُ بِها: يَعْقُوبُ خاصَّةً، فَكَأنَّهُ سَألَ واحِدًا، فَأُعْطِيَ اثْنَيْنِ، وهَذا مَذْهَبُ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ، والفَرّاءُ. والثّانِي: أنَّ النّافِلَةَ بِمَعْنى العَطِيَّةِ، والمُرادُ بِها: إسْحاقُ ويَعْقُوبُ، وهَذا مَذْهَبُ مُجاهِدٍ وعَطاءٍ. (p-٣٦٩) قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكُلا جَعَلْنا صالِحِينَ﴾ يَعْنِي: إبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: " كُلُّ " يَقَعُ خَبَرُهُ عَلى لَفْظِ الواحِدِ؛ لِأنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الواحِدِ، ويَقَعُ خَبَرُهُ عَلى لَفْظِ الجَمِيعِ؛ لِأنَّ مَعْناهُ مَعْنى الجَمِيعِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْناهم أئِمَّةً﴾؛ أيْ: رُؤُوسًا يُقْتَدى بِهِمْ في الخَيْرِ، ﴿يَهْدُونَ بِأمْرِنا﴾؛ أيْ: يَدْعُونَ النّاسَ إلى دِينِنا بِأمْرِنا إيّاهم بِذَلِكَ، ﴿وَأوْحَيْنا إلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْراتِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: شَرائِعُ النُّبُوَّةِ. وقالَ مُقاتِلٌ: الأعْمالُ الصّالِحَةُ. ﴿وَإقامَ الصَّلاةِ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: حَذْفُ الهاءِ مِن ( إقامَةِ الصَّلاةِ )قَلِيلٌ في اللُّغَةِ، تَقُولُ: أقامَ إقامَةً، والحَذْفَ جائِزٌ؛ لِأنَّ الإضافَةَ عِوَضٌ مِنَ الهاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب