الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا إبْراهِيمَ رُشْدَهُ﴾؛ أيْ: هُداهُ، ﴿مِن قَبْلُ﴾ وفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: مِن قَبْلِ بُلُوغِهِ، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: آتَيْناهُ ذَلِكَ في العِلْمِ السّابِقِ، قالَهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. (p-٣٥٧) والثّالِثُ: مِن قَبْلِ مُوسى وهارُونَ، قالَهُ الضَّحّاكُ. وقَدْ أشَرْنا إلى قِصَّةِ إبْراهِيمَ في ( الأنْعامِ: ٧٥ ) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكُنّا بِهِ عالِمِينَ﴾؛ أيْ: عَلِمْنا أنَّهُ مَوْضِعٌ لِإيتاءِ الرُّشْدِ. ثُمَّ بَيَّنَ مَتى آتاهُ، فَقالَ: ﴿إذْ قالَ لأبِيهِ وقَوْمِهِ ما هَذِهِ التَّماثِيلُ﴾ يَعْنِي: الأصْنامُ. والتِّمْثالُ: اسْمٌ لِلشَّيْءِ المَصْنُوعِ مُشَبَّهًا بِخَلْقٍ مِن خَلْقِ اللَّهِ تَعالى، وأصْلُهُ مَن مَثَّلْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ: إذا شَبَّهْتُهُ بِهِ. وقَوْلُهُ: ﴿الَّتِي أنْتُمْ لَها﴾؛ أيْ: عَلى عِبادَتِها، ﴿عاكِفُونَ﴾؛ أيْ: مُقِيمُونَ، فَأجابُوهُ أنَّهم رَأوْا آباءَهم يَعْبُدُونَها فاقْتَدَوْا بِهِمْ، فَأجابَهم بِأنَّهم فِيما فَعَلُوا وآباءَهم في ضَلالٍ مُبِينٍ. ﴿قالُوا أجِئْتَنا بِالحَقِّ أمْ أنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ﴾ يَعْنُونَ: أجادٌّ أنْتَ أمْ لاعِبٌ ؟ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لأكِيدَنَّ أصْنامَكُمْ﴾ الكَيْدُ: احْتِيالُ الكائِدِ في ضُرِّ المَكِيدِ. والمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ: لَأكِيدَنَّها بِالكَسْرِ. ﴿بَعْدَ أنْ تُوَلُّوا﴾؛ أيْ: تَذْهَبُوا عَنْها، وكانَ لَهم عِيدٌ في كُلِّ سَنَةٍ يَخْرُجُونَ إلَيْهِ، ولا يَخْلُفُونَ بِالمَدِينَةِ أحَدًا، فَقالُوا لِإبْراهِيمَ: لَوْ خَرَجْتَ مَعَنا إلى عِيدِنا أعْجَبَكَ دِينُنا، فَخَرَجَ مَعَهم، فَلَمّا كانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قالَ: إنِّي سَقِيمٌ، وألْقى نَفْسَهُ، وقالَ سِرًّا مِنهم: ﴿وَتاللَّهِ لأكِيدَنَّ أصْنامَكُمْ﴾، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنهم فَأفْشاهُ عَلَيْهِ، فَرَجَعَ إلى بَيْتِ الأصْنامِ، وكانَتْ - فِيما ذَكَرَهُ مُقاتِلُ بْنُ سُلَيْمانَ - اثْنَيْنِ وسَبْعِينَ صَنَمًا مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ، ونُحاسٍ وحَدِيدٍ، وخَشَبٍ، فَكَسَرَها، ثُمَّ وضَعَ الفَأْسَ في عُنُقِ الصَّنَمِ الكَبِيرِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَجَعَلَهم جُذاذًا﴾ قَرَأ الأكْثَرُونَ: ( جُذاذًا ) بِضَمِّ الجِيمِ. وقَرَأ أبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو رَزِينٍ، وقَتادَةُ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، والأعْمَشُ، والكِسائِيُّ: ( جِذاذًا ) بِكَسْرِ الجِيمِ. وقَرَأ أبُو رَجاءٍ العُطارِدِيُّ، وأيُّوبُ السِّخْتِيانِيُّ، وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ: ( جِذاذًا ) بِفَتْحِ الجِيمِ. وقَرَأ الضَّحّاكُ وابْنُ يَعْمُرَ: ( جَذَذًا ) (p-٣٥٨)بِفَتْحِ الجِيمِ مِن غَيْرِ ألِفٍ. وقَرَأ مُعاذٌ القارِئُ، وأبُو حَيَوَةَ، وابْنُ وثّابٍ: ( جُذَذًا ) بِضَمِّ الجِيمِ مِن غَيْرِ ألِفٍ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: أيْ: مُسْتَأْصَلِينَ، قالَ جَرِيرٌ: ؎ بَنُو المُهَلَّبِ جَذَّ اللَّهُ دابِرَهم أمْسَوْا رَمادًا فَلا أصْلٌ ولا طَرَفُ أيْ: لَمْ يَبْقَ مِنهم شَيْءٌ، ولَفْظُ " جُذاذٍ " يَقَعُ عَلى الواحِدِ والِاثْنَيْنِ والجَمِيعِ، مِنَ المُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: ﴿جُذاذًا﴾؛ أيْ: فُتاتًا، وكُلُّ شَيْءٍ كَسَرْتَهُ فَقَدْ جَذَذْتَهُ، ومِنهُ قِيلَ لِلسَّوِيقِ: الجَذِيذُ. وقَرَأ الكِسائِيُّ: ( جِذاذًا ) بِكَسْرِ الجِيمِ عَلى أنَّهُ جَمْعُ جَذِيذٍ، مِثْلَ: ثَقِيلٍ وثِقالٍ، وخَفِيفٍ وخِفافٍ، والجَذِيذُ بِمَعْنى المَجْذُوذِ، وهو المَكْسُورُ. ﴿إلا كَبِيرًا لَهُمْ﴾؛ أيْ: كَسَرَ الأصْنامَ إلّا أكْبَرَها. قالَ الزَّجّاجُ: جائِزٌ أنْ يَكُونَ أكْبَرُها في ذاتِهِ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ أكْبَرُها عِنْدَهم في تَعْظِيمِهِمْ إيّاهُ. ﴿لَعَلَّهم إلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ في هاءِ الكِنايَةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها تَرْجِعُ إلى الصَّنَمِ، ثُمَّ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فَيُشاهِدُونَهُ، هَذا قَوْلُ مُقاتِلٍ. والثّانِي: لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ إلَيْهِ بِالتُّهْمَةِ، حَكاهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. والثّانِي: أنَّها تَرْجِعُ إلى إبْراهِيمَ. والمَعْنى: لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ إلى دِينِ إبْراهِيمَ بِوُجُوبِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، قالَهُ الزَّجّاجُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب