الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: لَمّا نَجّى اللَّهُ تَعالى بَنِي إسْرائِيلَ وأغْرَقَ فِرْعَوْنَ، قالُوا: يا مُوسى؛ لَوْ أتَيْتَنا بِكِتابٍ مِن (p-٣١٣)عِنْدَ اللَّهِ، فِيهِ الحَلالُ والحَرامُ والفَرائِضُ، فَأوْحى اللَّهُ [ إلَيْهِ يَعِدُهُ ] أنَّهُ يُنَزِّلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ في المَوْضِعِ الَّذِي كَلَّمَهُ فِيهِ، فاخْتارَ سَبْعِينَ، فَذَهَبُوا مَعَهُ إلى الطُّورِ لِأخْذِ التَّوْراةِ، فَعَجَّلَ مُوسى مِن بَيْنِهِمْ شَوْقًا إلى رَبِّهِ وأمَرَهم بِلَحاقِهِ، فَقالَ اللَّهُ تَعالى لَهُ: ما الَّذِي حَمَلَكَ عَلى العَجَلَةِ عَنْ قَوْمِكَ، ﴿قالَ هم أُولاءِ﴾؛ أيْ: هَؤُلاءِ، ﴿عَلى أثَرِي﴾ وقَرَأ أبُو رَزِينٍ العُقَيْلِيُّ وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ: ( عَلى إثْرِي ) بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الثّاءِ. وقَرَأ عِكْرِمَةُ، وأبُو المُتَوَكِّلِ، وابْنُ يَعْمُرَ بِرَفْعِ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الثّاءِ. وقَرَأ أبُو رَجاءٍ وأبُو العالِيَةِ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الثّاءِ. والمَعْنى: هم بِالقُرْبِ مِنِّي يَأْتُونَ بَعْدِي. ﴿وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾؛ أيْ: لِتَزْدادَ رِضًا، ﴿قالَ فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: ألْقَيْناهم في فِتْنَةٍ ومِحْنَةٍ واخْتَبَرْناهم. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِكَ﴾؛ أيْ: مِن بَعْدِ انْطِلاقِكَ مِن بَيْنِهِمْ، ﴿وَأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾؛ أيْ: كانَ سَبَبًا لِإضْلالِهِمْ. وقَرَأ مُعاذٌ القارِئُ، وأبُو المُتَوَكِّلِ، وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ: ( وأضَلُّهم ) بِرَفْعِ اللّامِ. وقَدْ شَرَحْنا في ( البَقَرَةِ: ٥٢ ) سَبَبَ اتِّخاذِ السّامِرِيِّ العِجْلَ، وشَرَحْنا في ( الأعْرافِ: ١٥٠ ) مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿غَضْبانَ أسِفًا﴾ . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ يَعِدْكم رَبُّكم وعْدًا حَسَنًا﴾؛ أيْ: صِدْقًا، وفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: إعْطاءُ التَّوْراةِ. والثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿لَئِنْ أقَمْتُمُ الصَّلاةَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿لأُكَفِّرَنَّ عَنْكم سَيِّئاتِكم. . .﴾ الآيَةِ [ المائِدَة: ١٣ ]، وقَوْلُهُ: ﴿وَإنِّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ﴾ [ طَه: ٨٢ ] . والثّالِثُ: النَّصْرُ والظَّفَرُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَطالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ﴾؛ أيْ: مُدَّةُ مُفارَقَتِي إيّاكم، ﴿أمْ أرَدْتُمْ أنْ يَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ أنْ تَصْنَعُوا صَنِيعًا يَكُونُ سَبَبًا لِغَضَبِ رَبِّكم، ﴿فَأخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾؛ أيْ: عَهْدِي، وكانُوا قَدْ عاهَدُوهُ أنَّهُ إنْ فَكَّهُمُ اللَّهُ مِن مَلَكَةِ آلِ فِرْعَوْنَ أنْ يَعْبُدُوا (p-٣١٤)اللَّهَ ولا يُشْرِكُوا بِهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، ويَنْصُرُوا اللَّهَ ورُسُلَهُ. ﴿قالُوا ما أخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ بِكَسْرِ المِيمِ. وقَرَأ نافِعٌ وعاصِمٌ بِفَتْحِ المِيمِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِضَمِّ المِيمِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: وهَذِهِ لُغاتٌ. وقالَ الزَّجّاجُ: ( المُلْكُ ) بِالضَّمِّ: السُّلْطانُ والقُدْرَةُ، و( المِلْكُ ) بِالكَسْرِ: ما حَوَتْهُ اليَدُ، و( المَلْكُ ) بِالفَتْحِ: المَصْدَرُ، يُقالُ: مَلَكْتُ الشَّيْءَ أمْلِكُهُ مَلْكًا. وَلِلْمُفَسِّرِينَ في مَعْنى الكَلامِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: ما كُنّا نَمْلِكُ الَّذِي اتُّخِذَ مِنهُ العِجْلُ، ولَكِنَّها كانَتْ زِينَةَ آلِ فِرْعَوْنَ فَقَذَفْناها، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: بِطاقَتِنا، قالَهُ قَتادَةُ والسُّدِّيُّ. والثّالِثُ: لَمْ نَمْلِكْ أنْفُسَنا عِنْدَ الوُقُوعِ في البَلِيَّةِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. والرّابِعُ: لَمْ يَمْلِكْ مُؤْمِنُونا سُفَهاءَنا، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. فَيَخْرُجُ فِيمَن قالَ هَذا لِمُوسى قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوا العِجْلَ. والثّانِي: عابِدُوهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَكِنّا حُمِّلْنا أوْزارًا﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: ( حُمِّلْنا ) بِضَمِّ الحاءِ وتَشْدِيدِ المِيمِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: ( حُمِلْنا ) خَفِيفَةً. والأوْزارُ: الأثْقالُ، والمُرادُ بِها: حَلِيُّ آلِ فِرْعَوْنَ الَّذِي كانُوا اسْتَعارُوهُ مِنهم قَبْلَ خُرُوجِهِمْ مِن مِصْرَ. فَمَن قَرَأ: ( حُمِّلْنا ) بِالتَّشْدِيدِ، فالمَعْنى: حَمَّلَناها مُوسى؛ أمَرَنا بِاسْتِعارَتِها مِن آلِ فِرْعَوْنَ فَقَذَفْناها؛ أيْ: طَرَحْناها في الحُفَيْرَةِ. وقَدْ ذَكَرْنا سَبَبَ قَذْفِهِمْ إيّاها في سُورَةِ ( البَقَرَةِ: ٥٢ ) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكَذَلِكَ ألْقى السّامِرِيُّ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: (p-٣١٥) أحَدُهُما: أنَّهُ ألْقى حُلِيًّا كَما ألْقَوْا. والثّانِي: ألْقى ما كانَ مَعَهُ مِن تُرابِ حافِرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ. وقَدْ سَبَقَ شَرْحُ القِصَّةِ في ( البَقَرَةِ: ٥٢ )، وذَكَرْنا في ( الأعْرافِ: ١٤٨ ) مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ﴾ . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقالُوا هَذا إلَهُكُمْ﴾ هَذا قَوْلُ السّامِرِيِّ ومَن وافَقَهُ مِنَ الَّذِينَ افْتَتَنُوا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَنَسِيَ﴾ في المُشارِ إلَيْهِ بِالنِّسْيانِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ مُوسى، ثُمَّ في المَعْنى ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى، فَنَسِيَ مُوسى أنَّ يُخْبِرَكم أنَّ هَذا إلَهُهُ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: فَنَسِيَ مُوسى الطَّرِيقَ إلى رَبِّهِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا. والثّالِثُ: فَنَسِيَ مُوسى إلَهَهُ عِنْدَكم، وخالَفَهُ في طَرِيقٍ آخَرَ، قالَهُ قَتادَةُ. والثّانِي: أنَّهُ السّامِرِيُّ، والمَعْنى: فَنَسِيَ السّامِرِيُّ إيمانَهُ وإسْلامَهُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وقالَ مَكْحُولٌ: فَنَسِيَ؛ أيْ: فَتَرَكَ السّامِرِيُّ ما كانَ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ. وقِيلَ: فَنَسِيَ أنَّ العِجْلَ لا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلًا، ولا يَمْلِكُ لَهم ضَرًّا ولا نَفْعًا. فَعَلى هَذا القَوْلِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَنَسِيَ﴾ مِن إخْبارِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَنِ السّامِرِيِّ. وعَلى ما قَبْلَهُ فِيمَن قالَهُ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ السّامِرِيُّ. والثّانِي: بَنُو إسْرائِيلَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَلا يَرَوْنَ ألا يَرْجِعُ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: أفَلا يَرَوْنَ أنَّهُ لا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب