الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اذْهَبا إلى فِرْعَوْنَ﴾ فائِدَةُ تَكْرارِ الأمْرِ بِالذَّهابِ التَّوْكِيدُ. وقَدْ فَسَّرْنا قَوْلَهُ: ﴿إنَّهُ طَغى﴾ [ طَه: ٢٤ ] .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا﴾ وقَرَأ أبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ: ( لَيْنًا ) بِإسْكانِ الياءِ؛ أيْ: لَطِيفًا رَفِيقًا.
وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ خَمْسَةُ أقْوالٍ:
أحَدُها: قُولا لَهُ: قُلْ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، رَواهُ خالِدُ بْنُ مَعْدانَ عَنْ مُعاذٍ، والضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أنَّهُ قَوْلُهُ: ﴿هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزَكّى﴾ ﴿وَأهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فَتَخْشى﴾ [ النّازِعات: ١٨، ١٩ ]، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ مُقاتِلٌ. (p-٢٨٨)
والثّالِثُ: كَنَّياهُ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ السُّدِّيُّ. فَأمّا اسْمُهُ فَقَدْ ذَكَرْناهُ في ( البَقَرَةِ: ٤٩ )، وفي كُنْيَتِهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أبُو مُرَّةَ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أبُو مُصْعَبٍ، ذَكَرَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. والثّالِثُ: أبُو العَبّاسِ. والرّابِعُ: أبُو الوَلِيدِ، حَكاهُما الثَّعْلَبِيُّ.
والقَوْلُ الرّابِعُ: قُولا لَهُ: إنَّ لَكَ رَبًّا وإنَّ لَكَ مَعادًا، وإنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ جَنَّةً ونارًا، قالَهُ الحَسَنُ.
والخامِسُ: أنَّ القَوْلَ اللَّيِّنَ: أنَّ مُوسى أتاهُ فَقالَ لَهُ: تُؤْمِنُ بِما جِئْتُ بِهِ وتَعْبُدُ رَبَّ العالَمِينَ عَلى أنَّ لَكَ شَبابَكَ فَلا تَهْرَمُ، وتَكُونُ مَلِكًا لا يُنْزَعُ مِنكَ حَتّى تَمُوتَ، فَإذا مُتَّ دَخَلْتَ الجَنَّةَ، فَأعْجَبَهُ ذَلِكَ؛ فَلَمّا جاءَ هامانُ أخْبَرَهُ بِما قالَ مُوسى، فَقالَ: قَدْ كُنْتُ أرى أنَّ لَكَ رَأْيًا، أنْتَ رَبٌّ أرَدْتَ أنْ تَكُونَ مَرْبُوبًا ؟ فَقَلَبَهُ عَنْ رَأْيِهِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. وحُكِيَ عَنْ يَحْيى بْنِ مُعاذٍ أنَّهُ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ، فَقالَ: إلَهِي هَذا رِفْقُكَ بِمَن يَقُولُ: أنا إلَهٌ، فَكَيْفَ رِفْقُكَ بِمَن يَقُولُ: أنْتَ إلَهٌ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشى﴾ قالَ الزَّجّاجُ: " لَعَلَّ " في اللُّغَةِ: تَرَجٍّ وطَمَعٌ، تَقُولُ: لَعَلِّي أصِيرُ إلى خَيْرٍ، فَخاطَبَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ العِبادَ بِما يَعْقِلُونَ. والمَعْنى عِنْدَ سِيبَوَيْهِ: اذْهَبا عَلى رَجائِكُما وطَمَعِكُما. والعِلْمُ مِنَ اللَّهِ تَعالى مِن وراءِ ما يَكُونُ، وقَدْ عَلِمَ أنَّهُ لا يَتَذَكَّرُ ولا يَخْشى، إلّا أنَّ الحُجَّةَ إنَّما تَجِبُ عَلَيْهِ بِالآيَةِ والبُرْهانِ، وإنَّما تُبْعَثُ الرُّسُلُ وهي لا تَعْلَمُ الغَيْبَ، ولا تَدْرِي أيُقْبِلُ مِنها أمْ لا، وهم يَرْجُونَ ويَطْمَعُونَ أنْ يُقْبَلَ مِنهم، ومَعْنى " لَعَلَّ " مُتَصَوِّرٌ في أنْفُسِهِمْ، وعَلى تَصَوُّرِ ذَلِكَ تَقُومُ الحُجَّةُ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: ومَذْهَبُ الفَرّاءِ في هَذا: كَيْ يَتَذَكَّرَ. ورَوى خالِدُ بْنُ مَعْدانَ عَنْ مُعاذٍ، قالَ: واللَّهِ ما كانَ فِرْعَوْنُ لِيَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيا حَتّى (p-٢٨٩)يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشى لِهَذِهِ الآيَةِ، وإنَّهُ تَذَكَّرَ وخَشِيَ لَمّا أدْرَكَهُ الغَرَقُ. وقالَ كَعْبٌ: والَّذِي يَحْلِفُ بِهِ كَعْبٌ، إنَّهُ لِمَكْتُوبٌ في التَّوْراةِ: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا وسَأُقْسِّي قَلْبَهُ فَلا يُؤْمِنُ. قالَ المُفَسِّرُونَ: كانَ هارُونُ يَوْمَئِذٍ غائِبًا بِمِصْرَ، فَأوْحى اللَّهُ تَعالى إلى هارُونَ أنْ يَتَلَقّى مُوسى، فَتَلَقّاهُ عَلى مَرْحَلَةٍ، فَقالَ لَهُ مُوسى: إنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَنِي أنْ آتِيَ فِرْعَوْنَ، فَسَألْتُهُ أنْ يَجْعَلَكَ مَعِي؛ فَعَلى هَذا يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونا حِينَ التَقَيا قالا: رَبَّنا إنَّنا نَخافُ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ القائِلُ لِذَلِكَ مُوسى وحْدَهُ، وأخَبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِالتَّثْنِيَةِ لَمّا ضَمَّ إلَيْهِ هارُونَ، فَإنَّ العَرَبَ قَدْ تُوقِعُ التَّثْنِيَةَ عَلى الواحِدِ، فَتَقُولُ: يا زَيْدُ قُوما، يا حَرَسِيُّ اضْرِبا عُنُقَهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا﴾ وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وابْنُ السَّمَيْفَعِ، وابْنُ يَعْمُرَ، وأبُو العالِيَةِ: ( أنْ يُفْرِطَ ) بِرَفْعِ الياءِ وكَسْرِ الرّاءِ. وقَرَأ عِكْرِمَةُ وإبْراهِيمُ النَّخَعِيُّ: ( أنْ يَفْرَطَ ) بِفَتْحِ الياءِ والرّاءِ. وقَرَأ أبُو رَجاءٍ العُطارِدِيُّ وابْنُ مُحَيْصِنٍ: ( أنْ يُفْرَطَ ) بِرَفْعِ الياءِ وفَتْحِ الرّاءِ. قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: أنْ يُبادِرَ بِعُقُوبَتِنا، يُقالُ: قَدْ فَرَطَ مِنهُ أمْرٌ؛ أيْ: قَدْ بَدَرَ، وقَدْ أفْرَطَ في الشَّيْءِ: إذا اشْتَطَّ فِيهِ، وفَرَّطَ في الشَّيْءِ: إذا قَصَرَ، ومَعْناهُ كُلُّهُ: التَّقَدُّمُ في الشَّيْءِ؛ لِأنَّ الفَرْطَ في اللُّغَةِ: المُتَقَدِّمُ، ومِنهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " «أنا فَرَطُكم عَلى الحَوْضِ» " (p-٢٩٠)
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ أنْ يَطْغى﴾ فِيهِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: يَسْتَعْصِي، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّانِي: يُجاوِزُ الحَدَّ في الإساءَةِ إلَيْنا. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَخافُ أنْ يُعَجِّلَ عَلَيْنا قَبْلَ أنْ نُبَلِّغَهُ كَلامَكَ وأمْرَكَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّنِي مَعَكُما﴾؛ أيْ: بِالنُّصْرَةِ والعَوْنِ، ﴿أسْمَعُ﴾ أقْوالَكم، ﴿وَأرى﴾ أفْعالَكم. قالَ الكَلْبِيُّ: أسْمَعُ جَوابَهُ لَكُما، وأرى ما يُفْعَلُ بِكُما.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ﴾؛ أيْ: خَلِّ عَنْهم، ﴿وَلا تُعَذِّبْهُمْ﴾ وكانَ يَسْتَعْمِلُهم في الأعْمالِ الشّاقَّةِ، ﴿قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِن رَبِّكَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هي العَصا. قالَ مُقاتِلٌ: أظْهَرَ اليَدَ في مَقامٍ والعَصا في مَقامٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى﴾ قالَ مُقاتِلٌ: عَلى مَن آمَنَ بِاللَّهِ. قالَ الزَّجّاجُ: ولَيْسَ يَعْنِي بِهِ التَّحِيَّةَ، وإنَّما مَعْناهُ: أنَّ مَنِ اتَّبَعَ الهُدى سَلِمَ مِن عَذابِ اللَّهِ وسَخَطِهِ، والدَّلِيلُ عَلى أنَّهُ لَيْسَ بِسَلامٍ، أنَّهُ لَيْسَ بِابْتِداءِ لِقاءٍ وخِطابٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى مَن كَذَّبَ﴾؛ أيْ: بِما جِئْنا بِهِ وأعْرَضَ عَنْهُ.
{"ayahs_start":43,"ayahs":["ٱذۡهَبَاۤ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ","فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلࣰا لَّیِّنࣰا لَّعَلَّهُۥ یَتَذَكَّرُ أَوۡ یَخۡشَىٰ","قَالَا رَبَّنَاۤ إِنَّنَا نَخَافُ أَن یَفۡرُطَ عَلَیۡنَاۤ أَوۡ أَن یَطۡغَىٰ","قَالَ لَا تَخَافَاۤۖ إِنَّنِی مَعَكُمَاۤ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ","فَأۡتِیَاهُ فَقُولَاۤ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ وَلَا تُعَذِّبۡهُمۡۖ قَدۡ جِئۡنَـٰكَ بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكَۖ وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلۡهُدَىٰۤ","إِنَّا قَدۡ أُوحِیَ إِلَیۡنَاۤ أَنَّ ٱلۡعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ"],"ayah":"فَأۡتِیَاهُ فَقُولَاۤ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ وَلَا تُعَذِّبۡهُمۡۖ قَدۡ جِئۡنَـٰكَ بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكَۖ وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلۡهُدَىٰۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











