الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: " تِلْكَ " اسْمٌ مُبْهَمٌ يُجْرِي مَجْرى ( الَّتِي )، والمَعْنى: ما الَّتِي بِيَمِينِكَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أتَوَكَّأُ عَلَيْها﴾ التَّوَكُّؤُ: التَّحامُلُ عَلى الشَّيْءِ، ﴿وَأهُشُّ بِها﴾ قالَ الفَرّاءُ: أضْرِبُ بِها الشَّجَرَ اليابِسَ لِيُسْقِطَ ورَقَهُ فَتَرْعاهُ غَنَمِي. قالَ الزَّجّاجُ: واشْتِقاقُهُ مِن أنِّي أُحِيلُ الشَّيْءَ إلى الهَشاشَةِ والإمْكانِ. والمَآرِبُ: الحاجاتُ، واحِدُها: مَأْرَبَةٌ، ومَأْرُبَةٌ. ورَوى قُتَيْبَةُ ووَرْشٌ: ( مَآرِبُ ) بِإمالَةِ الهَمْزَةِ. (p-٢٧٨)
فَإنْ قِيلَ: ما الفائِدَةُ في سُؤالِ اللَّهِ تَعالى لَهُ: ﴿وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ﴾ وهو يَعْلَمُ ؟ فَعَنْهُ جَوابانِ:
أحَدُهُما: أنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهامِ، ومَجْراهُ مَجْرى السُّؤالِ، لِيُجِيبَ المُخاطَبُ بِالإقْرارِ بِهِ، فَتَثْبُتُ عَلَيْهِ الحُجَّةُ بِاعْتِرافِهِ، فَلا يُمْكِنُهُ الجَحْدُ، ومَثْلُهُ في الكَلامِ أنْ تَقُولَ لِمَن تُخاطِبُهُ وعِنْدَكَ ماءٌ: ما هَذا ؟ فَيَقُولُ: ماءٌ، فَتَضَعُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنِ الصَّبْغِ، فَإنْ قالَ: لَمْ يَزَلْ هَكَذا، قُلْتَ لَهُ: ألَسْتَ قَدِ اعْتَرَفَتْ بِأنَّهُ ماءٌ ؟ فَتُثْبِتُ عَلَيْهِ الحُجَّةَ، هَذا قَوْلُ الزَّجّاجِ. فَعَلى هَذا تَكُونُ الفائِدَةُ أنَّهُ قَرَّرَ مُوسى أنَّها عَصا، لَمّا أرادَ أنْ يُرِيَهُ مِن قُدْرَتِهِ في انْقِلابِها حَيَّةً، فَوَقَعَ المُعْجِزُ بِها بَعْدَ التَّثَبُّتِ في أمْرِها.
والثّانِي: أنَّهُ لَمّا اطَّلَعَ اللَّهُ تَعالى عَلى ما في قَلْبِ مُوسى مِنَ الهَيْبَةِ والإجْلالِ حِينَ التَّكْلِيمِ، أرادَ أنْ يُؤانِسَهُ ويُخَفِّفَ عَنْهُ ثِقَلُ ما كانَ فِيهِ مِنَ الخَوْفِ، فَأجْرى هَذا الكَلامَ لِلِاسْتِئْناسِ، حَكاهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ.
فَإنْ قِيلَ: قَدْ كانَ يَكْفِي في الجَوابِ أنْ يَقُولَ: ﴿هِيَ عَصايَ﴾، فَما الفائِدَةُ في قَوْلِهِ: ﴿أتَوَكَّأُ عَلَيْها﴾ إلى آخَرِ الكَلامِ، وإنَّما يُشْرَحُ هَذا لِمَن لا يُعْلَمُ فَوائِدَها ؟ فَعَنْهُ ثَلاثَةُ أجْوِبَةٍ:
أحَدُها: أنَّهُ أجابَ بِقَوْلِهِ: ﴿هِيَ عَصايَ﴾، فَقِيلَ لَهُ: ما تَصَنَعُ بِها ؟ فَذَكَرَ باقِي الكَلامِ جَوابًا عَنْ سُؤالٍ ثانٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ووَهْبٌ.
والثّانِي: أنَّهُ إنَّما أظْهَرَ فَوائِدَها وبَيَّنَ حاجَتَهُ إلَيْها؛ خَوْفًا [ مِن ] أنْ يَأْمُرَهُ بِإلْقائِها كالنَّعْلَيْنِ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
والثّالِثُ: أنَّهُ بَيَّنَ مَنافِعَها؛ لِئَلّا يَكُونَ عابِثًا بِحَمْلِها، قالَهُ الماوَرْدِيُّ.
فَإنْ قِيلَ: فَلِمَ اقْتَصَرَ عَلى ذِكْرِ بَعْضِ مَنافِعِها ولَمْ يُطِلِ الشَّرْحَ ؟ فَعَنْهُ [ ثَلاثَةُ ] أجْوِبَةٍ: (p-٢٧٩)
أحَدُها: أنَّهُ كَرِهَ أنْ يَشْتَغِلَ عَنْ كَلامِ اللَّهِ بِتَعْدادِ مَنافِعَها.
والثّانِي: اسْتَغْنى بِعِلْمِ اللَّهِ فِيها عَنْ كَثْرَةِ التَّعْدادِ.
والثّالِثُ: أنَّهُ اقْتَصَرَ عَلى اللّازِمِ دُونَ العارِضِ.
وَقِيلَ: كانَتْ تُضِيءُ لَهُ بِاللَّيْلِ، وتَدْفَعُ عَنْهُ الهَوامَّ، وتُثْمِرُ لَهُ إذا اشْتَهى الثِّمارَ، وفي جِنْسِها قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّها كانَتْ مِن آسِ الجَنَّةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: [ أنَّها ] كانَتْ مِن عَوْسَجٍ.
فَإنْ قِيلَ: المَآرِبُ جَمْعٌ، فَكَيْفَ قالَ: ﴿أُخْرى﴾، ولَمْ يَقُلْ: ( أُخَرُ ) ؟
فالجَوابُ: أنَّ المَآرِبَ في مَعْنى جَماعَةٍ، فَكَأنَّهُ قالَ: جَماعَةٌ مِنَ الحاجاتِ أُخْرى، قالَهُ الزَّجّاجُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ ألْقِها يا مُوسى﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: ألْقاها ظَنًّا مِنهُ أنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِرَفْضِها، فَسَمِعَ حِسًّا فالتَفَتَ، فَإذا هي كَأعْظَمِ ثُعْبانٍ، تَمُرُّ بِالصَّخْرَةِ العَظِيمَةِ فَتَبْتَلِعُها، فَهَرَبَ مِنها.
وَفِي وجْهِ الفائِدَةِ في إظْهارِ هَذِهِ الآيَةِ لَيْلَةَ المُخاطَبَةِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: لِئَلّا يَخافَ مِنها إذا ألْقاها بَيْنَ يَدَيْ فِرْعَوْنَ.
والثّانِي: لِيُرِيَهُ أنَّ الَّذِي أبْعَثُكَ إلَيْهِ دُونَ ما أرَيْتُكَ، فَكَما ذَلَّلْتُ لَكَ الأعْظَمَ وهو الحَيَّةُ، أُذَلِّلُ لَكَ الأدْنى. (p-٢٨٠)
ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَهُ بِأخْذِها وهي عَلى حالِها حَيَّةً، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْها فَعادَتْ عَصًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿سَنُعِيدُها سِيرَتَها الأُولى﴾، قالَ الفَرّاءُ: طَرِيقَتُها، يَقُولُ: نَرُدُّها عَصًا كَما كانَتْ. قالَ الزَّجّاجُ: و﴿سِيرَتَها﴾ مَنصُوبَةٌ عَلى إسْقاطِ الخافِضِ وإفْضاءِ الفِعْلِ إلَيْها، المَعْنى: سَنُعِيدُها إلى سِيرَتِها.
فَإنْ قِيلَ: إنَّما كانَتِ العَصا واحِدَةً، وكانَ إلْقاؤُها مَرَّةً، فَما وجْهُ اخْتِلافِ الأخْبارِ عَنْها، فَإنَّهُ يَقُولُ في ( الأعْرافِ: ١٠٧ ): ﴿فَإذا هي ثُعْبانٌ مُبِينٌ﴾، وهاهُنا: ﴿حَيَّةٌ﴾، وفي مَكانٍ آخَرَ: ﴿كَأنَّها جانٌّ﴾ [ النَّمْل: ١٠ ]، والجانُّ لَيْسَتْ بِالعَظِيمَةِ، والثُّعْبانُ أعْظَمُ الحَيّاتِ ؟
فالجَوابُ: أنَّ صِفَتَها بِالجانِّ عِبارَةٌ عَنِ ابْتِداءِ حالِها، وبِالثُّعْبانِ إخْبارٌ عَنِ انْتِهاءِ حالِها، والحَيَّةُ اسْمٌ يَقَعُ عَلى الصَّغِيرِ والكَبِيرِ، والذَّكَرِ والأُنْثى. وقالَ الزَّجّاجُ: خَلْقُها خُلُقُ الثُّعْبانِ العَظِيمِ، واهْتِزازُها، وحَرَكَتُها، وخِفَّتُها، كاهْتِزازِ الجانِّ وخِفَّتِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واضْمُمْ يَدَكَ إلى جَناحِكَ﴾ قالَ الفَرّاءُ: الجَناحُ: مِن أسْفَلِ العَضُدِ إلى الإبِطِ.
وَقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الجَناحُ: ناحِيَةُ الجَنْبِ، وأنْشَدَ:
؎ أضُمُّهُ لِلصَّدْرِ والجَناحِ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِن غَيْرِ سُوءٍ﴾؛ أيْ: مِن غَيْرِ بَرَصٍ، ﴿آيَةً أُخْرى﴾؛ أيْ: دَلالَةً عَلى صِدْقِكَ سِوى العَصا. قالَ الزَّجّاجُ: ونَصْبُ " آيَةً " عَلى مَعْنى: آتَيْناكَ آيَةً، أوْ نُؤْتِيكَ [ آيَةً ] .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِنُرِيَكَ مِن آياتِنا الكُبْرى﴾ . (p-٢٨١)
إنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقُلِ: الكُبَرِ ؟ فَعَنْهُ ثَلاثَةُ أجْوِبَةٍ:
أحَدُها: أنَّهُ كَقَوْلِهِ: ﴿مَآرِبُ أُخْرى﴾ وقَدْ شَرَحْناهُ، هَذا قَوْلُ الفَرّاءِ.
والثّانِي: أنَّ فِيهِ إضْمارًا تَقْدِيرُهُ: لِنُرِيَكَ مِن آياتِنا الآيَةَ الكُبْرى. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: لِنُرِيَكَ الكُبْرى مِن آياتِنا.
والثّالِثُ: إنَّما كانَ ذَلِكَ لِوِفاقِ رَأْسِ الآيِ، حَكى القَوْلَيْنِ الثَّعْلَبِيُّ.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["وَمَا تِلۡكَ بِیَمِینِكَ یَـٰمُوسَىٰ","قَالَ هِیَ عَصَایَ أَتَوَكَّؤُا۟ عَلَیۡهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِی وَلِیَ فِیهَا مَـَٔارِبُ أُخۡرَىٰ","قَالَ أَلۡقِهَا یَـٰمُوسَىٰ","فَأَلۡقَىٰهَا فَإِذَا هِیَ حَیَّةࣱ تَسۡعَىٰ","قَالَ خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡۖ سَنُعِیدُهَا سِیرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ","وَٱضۡمُمۡ یَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخۡرُجۡ بَیۡضَاۤءَ مِنۡ غَیۡرِ سُوۤءٍ ءَایَةً أُخۡرَىٰ","لِنُرِیَكَ مِنۡ ءَایَـٰتِنَا ٱلۡكُبۡرَى"],"ayah":"قَالَ خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡۖ سَنُعِیدُهَا سِیرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق