الباحث القرآني
أحَدُهُما: «أنَّ رَجُلًا يُقالُ لَهُ: مِرْثَدُ بْنُ أبِي مِرْثَدٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ، ﷺ، إلى مَكَّةَ لِيُخْرِجَ ناسًا مِنَ المُسْلِمِينَ بِها أسْرى، فَلَمّا قَدِمَها سَمِعَتْ بِهِ امْرَأةٌ يُقالُ لَها: عِناقُ، وكانَتْ خَلِيلَةً لَهُ في الجاهِلِيَّةِ، فَلَمّا أسْلَمَ أعْرَضَ عَنْها، فَأتَتْهُ فَقالَتْ: ويْحَكَ يا مِرْثَدُ: ألا تَخْلُو؟ فَقالَ: إنَّ الإسْلامَ قَدْ حالَ بَيْنِي وبَيْنَكَ، ولَكِنْ إنْ شِئْتَ تَزَوَّجْتُكَ، إذا رَجَعْتَ إلى رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، اسْتَأْذَنْتَهُ في ذَلِكَ، فَقالَتْ لَهُ: أبِي تَتَبَرَّمُ؟! واسْتَغاثَتْ عَلَيْهِ، فَضَرَبُوهُ ضَرْبًا شَدِيدًا، ثُمَّ خَلُّوا سَبِيلَهُ، فَلَمّا قَضى حاجَتَهُ بِمَكَّةَ رَجَعَ إلى النَّبِيِّ، ﷺ، فَسَألَهُ: أتُحِلُّ لِي أنْ أتَزَوَّجَها؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ.» هَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ. وذَكَرَ مُقاتِلُ بْنُ سُلَيْمانَ أنَّهُ أبُو مِرْثَدٍ الغَنَوِيُّ.
والثّانِي: «أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَواحَةَ كانَتْ لَهُ أمَةٌ سَوْداءُ، وأنَّهُ غَضِبَ عَلَيْها فَلَطَمَها، ثُمَّ فَزِعَ، فَأتى النَّبِيَّ، ﷺ، فَأُخْبَرَهُ خَبَرَها؛ [فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: "ما هي يا عَبْدَ اللَّهِ" ] فَقالَ: (p-٢٤٦)يا رَسُولَ اللَّهِ: هي تَصُومُ وتُصَلِّي وتُحْسِنُ الوُضُوءَ، وتَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وأنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقالَ: "يا عَبْدَ اللَّهِ: هَذِهِ مُؤْمِنَةٌ" . فَقالَ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَأُعْتِقَنَّها ولَأتَزَوَّجَنَّها فَفَعَلَ، فَعابَهُ ناسٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، وقالُوا: أنَكَحَ أمَةً، وكانُوا يَرْغَبُونَ في نِكاحِ المُشْرِكاتِ رَغْبَةً في أحْسابِهِنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ.» رَواهُ السُّدِّيُّ عَنْ أشْياخِهِ. وقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ أنَّ قِصَّةَ عِناقٍ وأبا مِرْثَدٍ كانَتْ سَبَبًا لِنُزُولِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا المُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ﴾ وقِصَّةُ ابْنِ رَواحَةَ كانَتْ سَبَبًا لِنُزُولِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكَةٍ﴾ .
فَأمّا التَّفْسِيرُ، فَقالَ المُفَضَّلُ: أصْلُ النِّكاحِ: الجِماعُ، ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حَتّى قِيلَ لِلْعَقْدِ: نِكاحٌ. وقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ نِكاحَ المُشْرِكاتِ عَقْدًا ووَطْءً.
وَفِي "المُشْرِكاتِ" هاهُنا قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ يَعُمُّ الكِتابِيّاتِ وغَيْرِهِنَّ، وهو قَوْلُ الأكْثَرِينَ. والثّانِي: أنَّهُ خاصٌّ في الوَثَنِيّاتِ، وهو قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، والنَّخَعِيِّ، وقَتادَةَ.
وَفِي المُرادِ بِالأمَةِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها المَمْلُوكَةُ، وهو قَوْلُ الأكْثَرِينَ، فَيَكُونُ المَعْنى: ولَنِكاحُ أمَةٍ مُؤْمِنَةٍ خَيْرٌ مِن نِكاحِ حُرَّةٍ مُشْرِكَةٍ. والثّانِي: أنَّها المَرْأةُ، وإنْ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً، كَما يُقالُ: هَذِهِ أمَةُ اللَّهِ، وهَذا قَوْلُ الضَّحّاكِ، والأوَّلُ أصَحُّ.
وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ أعْجَبَتْكُمْ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: بِجَمالِها وحُسْنِها. والثّانِي: بِحَسَبِها ونَسَبِها.
* فَصْلٌ
اخْتَلَفَ عُلَماءُ النّاسِخِ والمَنسُوخِ في هَذِهِ الآَيَةِ، فَقالَ القائِلُونَ بِأنَّ المُشْرِكاتِ الوَثَنِيّاتِ: هي مُحْكَمَةٌ، وزَعَمَ بَعْضُ مَن نَصَرَ هَذا القَوْلَ أنَّ اليَهُودَ والنَّصارى لَيْسُوا بِمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، وإنَّ جَحَدُوا بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنا. قالَ شَيْخُنا: وهو قَوْلٌ فاسِدٌ مِن وجْهَيْنِ. أحَدُهُما: أنَّ حَقِيقَةَ الشِّرْكِ ثابِتَةٌ في حَقِّهِمْ حَيْثُ قالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، والمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. والثّانِي: أنَّ كُفْرَهم بِمُحَمَّدٍ ﷺ، يُوجِبُ أنْ يَقُولُوا: إنَّ ما جاءَ بِهِ لَيْسَ مِن عِنْدِ اللَّهِ، وإضافَةُ ذَلِكَ إلى (p-٢٤٧)غَيْرِ اللَّهِ شِرْكٌ. فَأمّا القائِلُونَ بِأنَّها عامَّةٌ في جَمِيعِ المُشْرِكاتِ، فَلَهم في ذَلِكَ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّ بَعْضَ حُكْمِها مَنسُوخٌ بِقَوْلِهِ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنَ قَبْلِكُمْ﴾ [ المائِدَةِ: ٦ ] وبَقِيَ الحُكْمُ في غَيْرِ أهْلِ الكِتابِ مُحْكَمًا. والثّانِي: أنَّها لَيْسَتْ مَنسُوخَةً، ولا ناسِخَةً، بَلْ هي عامَّةٌ في جَمِيعِ المُشْرِكاتِ، وما أُخْرِجَ عَنْ عُمُومِها مِن إباحَةِ كافِرَةٍ؛ فَلِدَلِيلٍ خاصٍّ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنَ قَبْلِكُمْ﴾ [ المائِدَةِ: ٦ ]؛ فَهَذِهِ خَصَّصَتْ عُمُومَ تِلْكَ مِن غَيْرِ نَسْخٍ، وعَلى هَذا عامَّةُ الفُقَهاءِ. وقَدْ رُوِيَ مَعْناهُ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ، مِنهم عُثْمانُ، وطَلْحَةُ، وحُذَيْفَةُ، وجابِرٌ، وابْنُ عَبّاسٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ﴾ أيْ: لا تُزَوِّجُوهم بِمُسْلِمَةٍ حَتّى يُؤْمِنُوا؛ والكَلامُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ﴾ وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْ أعْجَبَكُمْ﴾ مِثْلُ الكَلامِ في أوَّلِ الآَيَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ يَدْعُو إلى الجَنَّةِ والمَغْفِرَةِ بِإذْنِهِ﴾؛ قَرَأ الجُمْهُورُ بِخَفْضِ "المَغْفِرَةِ" وقَرَأ الحَسَنُ، والقَزّازُ، عَنْ أبِي عَمْرٍو، بِرَفْعِها.
{"ayah":"وَلَا تَنكِحُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكَـٰتِ حَتَّىٰ یُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةࣱ مُّؤۡمِنَةٌ خَیۡرࣱ مِّن مُّشۡرِكَةࣲ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكِینَ حَتَّىٰ یُؤۡمِنُوا۟ۚ وَلَعَبۡدࣱ مُّؤۡمِنٌ خَیۡرࣱ مِّن مُّشۡرِكࣲ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ یَدۡعُوۤا۟ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَیُبَیِّنُ ءَایَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق