الباحث القرآني
(p-٢٣٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرامِ قِتالٍ فِيهِ﴾ رَوى جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، بَعَثَ رَهْطًا واسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ أبا عُبَيْدَةَ، فَلَمّا انْطَلَقَ لِيُتَوَجَّهَ بَكى صَبابَةُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَبَعَثَ مَكانَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ، وكَتَبَ لَهُ كِتابًا، وأمَرَهُ ألّا يَقْرَأهُ إلّا بِمَكانِ كَذا وكَذا، وقالَ: "لا تُكْرِهْنَّ أحَدًا مِن أصْحابِكَ عَلى المَسِيرِ مَعَكَ" فَلَمّا صارَ إلى المَكانِ، قَرَأ الكِتابَ واسْتَرْجَعَ، وقالَ: سَمْعًا [وَطاعَةً لِأمْرِ ] اللَّهِ ولِرَسُولِهِ [فَخَبَّرَهُمُ الخَبَرَ، وقَرَأ عَلَيْهِمُ الكِتابَ ]، فَرَجَعَ رَجُلانِ مِن أصْحابِهِ، ومَضى بَقِيَّتُهم، فَأتَوُا ابْنَ الحَضْرَمِيَّ فَقَتَلُوهُ، فَلَمْ يَدْرُوا ذَلِكَ اليَوْمَ، أمِن رَجَبٍ، أوْ مِن جُمادى الآَخِرَةَ؟ فَقالَ المُشْرِكُونَ [لِلْمُسْلِمِينَ ]: قَتَلْتُمْ في الشَّهْرِ الحَرامِ [فَأتَوُا النَّبِيَّ ﷺ فَحَدَّثُوهُ الحَدِيثَ ] فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، فَقالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: لَئِنْ كانَ أصابَهم خَيْرٌ فَما لَهم أجْرٌ، فَنَزَلَتْ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هاجَرُوا﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿رَحِيمٌ﴾ [ البَقَرَةِ: ٢١٨ ] .» قالَ الزُّهْرِيُّ: اسْمُ ابْنِ الحَضْرَمِيِّ: عَمْرٌو، واسْمُ الَّذِي قَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ واقَدٍ اللِّيثِيُّ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَ أصْحابُ النَّبِيِّ ﷺ، يَظُنُّونَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِن جُمادى، وكانَتْ أوَّلَ رَجَبٍ.
وَقَدْ رَوى عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها نَزَلَتْ في شَيْئَيْنِ. أحَدُهُما: هَذا. والثّانِي: (p-٢٣٧)دُخُولُ النَّبِيِّ، ﷺ، مَكَّةَ في شَهْرٍ حَرامٍ يَوْمَ الفَتْحِ، حِينَ عابَ المُشْرِكُونَ عَلَيْهِ القِتالَ في شَهْرٍ حَرامٍ.
وَفِي السّائِلِينَ النَّبِيَّ، ﷺ، عَنْ ذَلِكَ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُمُ المُسْلِمُونَ سَألُوهُ: هَلْ أخْطَؤُوا أمْ أصابُوا؟ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وعِكْرِمَةُ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: أنَّهُمُ المُشْرِكُونَ سَألُوهُ عَلى وجْهِ العَيْبِ عَلى المُسْلِمِينَ، قالَهُ الحَسَنُ، وعُرْوَةُ، ومُجاهِدٌ.
والشَّهْرُ الحَرامُ: شَهْرُ رَجَبٍ، وكانَ يُدْعى الأصَمَّ، لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْمَعُ فِيهِ لِلسِّلاحِ قَعْقَعَةٌ تَعْظِيمًا لَهُ ﴿قِتالٍ فِيهِ﴾ أيْ: يَسْألُونَكَ عَنْ قِتالٍ فِيهِ. ﴿قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ: لا يَحِلُّ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَ القِتالِ في هَذِهِ الأشْهُرِ، فَأعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ الآَيَةِ بِبَقاءِ التَّحْرِيمِ.
* فَصْلٌ
اخْتَلَفَ العُلَماءُ في تَحْرِيمِ القِتالِ في الأشْهُرِ الحُرُمِ: هَلْ هو باقٍ أمْ نُسِخَ؟ عَلى قَوْلَيْنِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ باقٍ. رَوى ابْنُ جُرَيْجٍ أنَّ عَطاءً كانَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ: ما يَحِلُّ لِلنّاسِ الآَنَ أنْ يَغْزُوا في الحَرَمِ، ولا في الأشْهُرِ الحُرُمِ، إلّا أنْ يُقاتِلُوا فِيهِ أوْ يَغْزُوا، وما نُسِخَتْ.
والثّانِي: أنَّهُ مَنسُوخٌ، قالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، وسُلَيْمانُ بْنُ يَسارٍ: القِتالُ جائِزٌ في الشَّهْرِ الحَرامِ، وهَذِهِ الآَيَةُ مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ [ التَّوْبَةِ: ٥ ] . وبِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولا بِاليَوْمِ الآخِرِ﴾ [ التَّوْبَةِ: ١٩ ] . وهَذا قَوْلُ فُقَهاءِ الأمْصارِ.
(p-٢٣٨)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ هو مَرْفُوعٌ بِالابْتِداءِ، وخَبَرُ هَذِهِ الأشْياءِ: ﴿أكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ وفي المُرادِ بِـ "سَبِيلِ اللَّهِ" هاهُنا قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ الحَجُّ، لِأنَّهم صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ، ﷺ، عَنْ مَكَّةَ. قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والسُّدِّيُّ عَنْ أشْياخِهِ.
والثّانِي: أنَّهُ الإسْلامُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. وفي هاءِ الكِنايَةِ في قَوْلِهِ: ﴿وَكُفْرٌ بِهِ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها تَرْجِعُ إلى اللَّهِ تَعالى، قالَهُ السُّدِّيُّ عَنْ أشْياخِهِ، وقَتادَةُ، ومُقاتِلٌ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّانِي: أنَّها تَعُودُ إلى السَّبِيلِ. قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وخَفْضٌ "المَسْجِدِ" الحَرامِ نَسَقًا عَلى قَوْلِهِ: (سَبِيلِ اللَّهِ) كَأنَّهُ قالَ: وصَدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وعَنَ المَسْجِدِ الحَرامِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإخْراجُ أهْلِهِ مِنهُ﴾ لَمّا آذَوْا رَسُولَ اللَّهِ وأصْحابَهُ؛ اضْطَرُّوهم إلى الخُرُوجِ فَكَأنَّهم أخْرَجُوهم، فَأعْلَمَهُمُ اللَّهُ أنَّ هَذِهِ الأفْعالَ أعْظَمُ مِن قَتْلِ كُلِّ كافِرٍ. "والفِتْنَةُ" هاهُنا بِمَعْنى الشِّرْكِ. قالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ، والجَماعَةُ. والفِتْنَةُ في القُرْآَنِ عَلى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، قَدْ ذَكَرْتُها في كِتابِ "النَّظائِرِ" ﴿وَلا يَزالُونَ﴾ يَعْنِي: الكُفّارَ، ﴿يُقاتِلُونَكُمْ﴾ يَعْنِي: المُسْلِمِينَ. و(حَبِطَتْ) بِمَعْنى: بَطَلَتْ.
{"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ قِتَالࣲ فِیهِۖ قُلۡ قِتَالࣱ فِیهِ كَبِیرࣱۚ وَصَدٌّ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ وَكُفۡرُۢ بِهِۦ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَإِخۡرَاجُ أَهۡلِهِۦ مِنۡهُ أَكۡبَرُ عِندَ ٱللَّهِۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَكۡبَرُ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۗ وَلَا یَزَالُونَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ یَرُدُّوكُمۡ عَن دِینِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَـٰعُوا۟ۚ وَمَن یَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِینِهِۦ فَیَمُتۡ وَهُوَ كَافِرࣱ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











