الباحث القرآني

(p-١٧٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ﴾ . قَرَأ أبُو جَعْفَرٍ "المَيِّتَةَ" هاهُنا، وفي المائِدَةِ، والنَّحْلِ: و(بَلْدَةً مَيِّتًا) [ ق: ١١ ] . بِالتَّشْدِيدِ، حَيْثُ وقَعَ. والمَيِّتَةُ في عُرْفِ الشَّرْعِ: اسْمٌ لِكُلِّ حَيَوانٍ خَرَجَتْ رُوحُهُ بِغَيْرِ ذَكاةٍ. وقِيلَ إنَّ الحِكْمَةَ في تَحْرِيمِ المَيِّتَةِ أنَّ جُمُودَ الدَّمِ فِيها بِالمَوْتِ يُحْدِثُ، أذًى لِلْآَكِلِ، وقَدْ يُسَمّى المَذْبُوحُ في بَعْضِ الأحْوالِ: مَيِّتَةً حُكْمًا، لِأنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ المَيِّتَةِ، كَذَبِيحَةِ المُرْتَدِّ. فَأمّا الدَّمُ؛ فالمُحَرَّمُ مِنهُ: المَسْفُوحُ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [ الأنْعامِ: ١٤٥ ] . قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: فَأمّا الدَّمُ الَّذِي يَبْقى في خَلَلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ، وما يَبْقى في العُرُوقِ؛ فَهو مُباحٌ. فَأمّا لَحْمُ الخِنْزِيرِ؛ فالمُرادُ: جُمْلَتُهُ، وإنَّما خَصَّ اللَّحْمَ، لِأنَّهُ مُعْظَمُ المَقْصُودِ. قالَ الزَّجّاجُ: الخِنْزِيرُ يَشْتَمِلُ عَلى الذَّكَرِ والأُنْثى. ومَعْنى ﴿وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ [ البَقَرَةِ: ١٧٣ ] . ما رُفِعَ فِيهِ الصَّوْتُ بِتَسْمِيَةِ غَيْرِ اللَّهِ، ومِثْلُهُ الإهْلالُ بِالحَجِّ، إنَّما هو رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ أيْ: أُلْجِئَ بِضَرُورَةٍ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ: (فَمَنِ اضْطِرَّ) بِكَسْرِ الطّاءِ حَيْثُ كانَ. وأدْغَمَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ الضّادَ في الطّاءِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿غَيْرَ باغٍ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: البَغْيُ: قَصْدُ الفَسادٍ، يُقالُ: بَغى الجُرْحُ: إذا تَرامى إلى الفَسادِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ﴾ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ مَعْناهُ غَيْرُ باغٍ عَلى الوُلاةِ، ولا عادٍ يَقْطَعُ السَّبِيلَ، هَذا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٍ. والثّانِي: غَيْرُ باغٍ في أكْلِهِ فَوْقَ حاجَتِهِ، ولا مُتَعَدٍّ بِأكْلِها وهو يَجِدُ غَيْرَها، هَذا قَوْلُ الحَسَنِ، وعِكْرِمَةَ، وقَتادَةَ، والرَّبِيعِ. والثّالِثُ: غَيْرُ باغٍ، أيْ: مُسْتَحِلٍّ، ولا عادٍ: غَيْرُ مُضْطَّرٍّ، رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ومُقاتِلٍ. والرّابِعُ: غَيْرُ باغٍ شَهْوَتَهُ بِذَلِكَ، ولا عادٍ بِالشِّبَعِ مِنهُ، قالَهُ السُّدِّيُّ. * فَصْلٌ مَعْنى الضَّرُورَةِ في إباحَةِ المَيِّتَةِ: أنْ يَخافَ عَلى نَفْسِهِ أوْ بَعْضِ أعْضائِهِ. سُئِلَ أحْمَدُ، (p-١٧٦)رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ المُضْطَّرِّ إذا لَمْ يَأْكُلِ المَيِّتَةَ، فَذَكَرَ عَنْ مَسْرُوقٍ أنَّهُ قالَ: مَنِ اضْطُّرَّ فَلَمْ يَأْكُلْ فَماتَ دَخَلَ النّارَ. فَأمّا مِقْدارُ ما يَأْكُلُ؛ فَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَأْكُلُ مِقْدارَ ما يُقِيمُهُ عَنِ المَوْتِ. ونَقَلَ ابْنُ مَنصُورٍ: يَأْكُلُ بِقَدْرِ ما يَسْتَغْنِي. فَظاهِرُ الأُولى: أنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ الشِّبَعُ، وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ والشّافِعِيِّ، وظاهِرُ الثّانِيَةِ: جَوازُ الشِّبَعِ، وهو قَوْلُ مالِكٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب