الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ﴾ (p-١٧٤)فِي مَعْنى هَذِهِ الآَيَةِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ مَعْناها: ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ البَهائِمِ الَّتِي يَنْعِقُ بِها الرّاعِي، وهَذا قَوْلُ الفَرّاءِ، وثَعْلَبٍ، قالا جَمِيعًا: أضافَ المَثَلَ إلى الَّذِينَ كَفَرُوا، ثُمَّ شَبَّهَهم بِالرّاعِي، ولَمْ يَقُلْ:كالغَنَمِ، والمَعْنى: ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ البَهائِمِ الَّتِي لا تَفْقَهُ ما يَقُولُ الرّاعِي أكْثَرُ مِنَ الصَّوْتِ، فَلَوْ قالَ لَها الرّاعِي: ارْعِي، أوِ اشْرَبِي؛ لَمْ تَدْرِ ما يَقُولُ لَها، فَكَذَلِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِيما يَأْتِيهِمْ مِنَ القُرْآَنِ، وإنْذارُ الرَّسُولِ، فَأُضِيفَ التَّشْبِيهُ إلى الرّاعِي، والمَعْنى في المَرْعِيِّ، وهو ظاهِرٌ في كَلامِ العَرَبِ، يَقُولُونَ: فَلانٌ يَخافُكَ كَخَوْفِ الأسَدِ، والمَعْنى: كَخَوْفِهِ الأسَدَ [لِأنَّ الأسَدَ هو المَعْرُوفُ بِأنَّهُ المُخَوِّفُ ] قالَ الشّاعِرُ: ؎ كانَتْ فَرِيضَةً ما تَقُولُ كَما كانَ الزِّناءُ فَرِيضَةَ الرَّجْمِ والمَعْنى: كَما كانَ الرَّجْمُ فَرِيضَةَ الزِّنى. والثّانِي: أنَّ مَعْناها: ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا، ومَثَلُنا في وعْظِهِمْ، كَمَثَلِ النّاعِقِ والمَنعُوقِ بِهِ، فَحَذَفَ: ومَثَّلْنا، اخْتِصارًا، إذْ كانَ في الكَلامِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجِ. والثّالِثُ: ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا في دُعائِهِمُ آَلِهَتَهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَ، كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ، هَذا قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ، والَّذِي يَنْعِقُ هو الرّاعِي، يُقالُ: نَعَقَ بِالغَنَمِ، يَنْعِقُ نَعَقًا ونَعِيقًا ونُعاقًا ونُعْقانًا. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: والفاشِي في كَلامِ العَرَبِ أنَّهُ لا يُقالُ: نَعَقَ، إلّا في الصِّياحِ بِالغَنَمِ وحْدَها، فالغَنَمُ تَسْمَعُ الصَّوْتَ ولا تَعْقِلُ المَعْنى. ﴿صُمٌّ بُكْمٌ﴾ إنَّما وصَفَهم بِالصُّمِّ والبُكْمِ، لِأنَّهم في تَرْكِهِمْ قَبُولُ ما يَسْمَعُونَ يِمَنزِلَةِ مَن لا يَسْمَعُ، وكَذَلِكَ في النُّطْقِ والنَّظَرِ، وقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذا المَعْنى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب