الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أمْ تُرِيدُونَ أنْ تَسْألُوا رَسُولَكُمْ﴾ .
فِي سَبَبِ نُزُولِها خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: «أنَّ رافِعَ بْنَ حُرَيْمِلَةَ، ووَهْبَ بْنَ زَيْدٍ، قالا لِرَسُولِ اللَّهِ: ائْتِنا بِكِتابٍ نَقْرَؤُهُ تُنْزِلُهُ مِنَ السَّماءِ عَلَيْنا، وفَجِّرْ لَنا أنْهارًا حَتّى نَتَّبِعَكَ، فَنَزَلَتِ الآَيَةُ،» قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
والثّانِي: «أنَّ قُرَيْشًا سَألَتِ النَّبِيَّ ﷺ أنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفا ذَهَبًا، فَقالَ: "هُوَ لَكم كالمائِدَةِ لِبَنِي إسْرائِيلَ [إنْ كَفَرْتُمْ ] فَأبَوْا"» قالَهُ مُجاهِدٌ.
(p-١٢٩). والثّالِثُ: «أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كانَتْ كَفّارَتُنا كَكَفّاراتِ بَنِي إسْرائِيلَ، فَقالَ النَّبِيُّ، ﷺ: "اللَّهُمَّ لا نَبْغِيها، ما أعْطاكُمُ اللَّهُ، خَيْرٌ مِمّا أعْطى بَنِي إسْرائِيلَ، كانُوا إذا أصابَ أحَدَهُمُ الخَطِيئَةُ؛ وجَدَها مَكْتُوبَةً عَلى بابِهِ وكَفّارَتَها، فَإنَّ كَفَّرَها كانَتْ لَهُ خِزْيًا في الدُّنْيا، وإنْ لَمْ يُكَفِّرْها كانَتْ لَهُ خِزْيًا في الآَخِرَةِ، فَقَدْ أعْطاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا مِمّا أعْطى بَنِي إسْرائِيلَ. فَقالَ: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ [ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ]﴾ [ النِّساءِ: ١١٠ ] . وقالَ: "الصَّلَواتُ الخَمْسُ، والجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ كَفّارَةٌ لِما بَيْنَهُنَّ" فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ.» قالَ أبُو العالِيَةِ.
والرّابِعُ: «أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أبِي أُمَيَّةَ المَخْزُومِيَّ أتى النَّبِيَّ، ﷺ، في رَهْطٍ مِن قُرَيْشٍ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ: واللَّهِ لا أُؤْمِنُ بِكَ حَتّى تَأْتِيَ بِاللَّهِ والمَلائِكَةِ قَبِيلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ.» ذَكَرَهُ ابْنُ السّائِبِ.
والخامِسُ: «أنَّ جَماعَةً مِنَ المُشْرِكِينَ جاؤُوا إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا. وقالَ آَخَرُ: لَنْ أُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَسِيرَ لَنا جِبالُ مَكَّةَ، وقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي أُمَيَّةَ: لَنْ أُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَأْتِيَ بِكِتابٍ مِنَ السَّماءِ، فِيهِ: مِنَ اللهِ رَبِّ العالَمِينَ إلى ابْنِ أبِي أُمَيَّةَ: اعْلَمْ أنِّي قَدْ أرْسَلْتُ مُحَمَّدًا إلى النّاسِ. وقالَ آَخَرُ: هَلّا جِئْتَ بِكِتابِكَ مُجْتَمِعًا، كَما جاءَ مُوسى بِالتَّوْراةِ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ.» ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ القاسِمِ الأنْبارِيِّ.
وَفِي المُخاطَبِينَ بِهَذِهِ الآَيَةِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهم قُرَيْشٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ. والثّانِي: اليَهُودُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّالِثُ: جَمِيعُ العَرَبِ، قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. (p-١٣٠)وَفِي "أمْ" قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّها بِمَعْنى: بَلْ، تَقُولُ العَرَبُ: هَلْ لَكَ عَلَيَّ حَقٌّ، أمْ أنْتَ مَعْرُوفٌ بِالظُّلْمِ. يُرِيدُونَ: بَلْ أنْتَ. وأنْشَدُوا:
؎ بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ في رَوْنَقِ الضُّحى وصُورَتَها أمْ أنْتَ في العَيْنِ أمْلَحُ
ذَكَرَهُ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ.
والثّانِي: بِمَعْنى الِاسْتِفْهامِ. فَإنِ اعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ، فَقالَ: إنَّما تَكُونُ لِلِاسْتِفْهامِ إذا كانَتْ مَرْدُودَةً عَلى اسْتِفْهامٍ قَبْلَها، فَأيْنَ الِاسْتِفْهامُ الَّذِي تَقَدَّمَها؟ فَعَنْهُ جَوابانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَها اسْتِفْهامٌ، وهو قَوْلُهُ: ﴿ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، ذَكَرَهُ الفَرّاءُ. وكَذَلِكَ قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي مَرْدُودَةٌ عَلى الألِفِ فِي: (ألَمْ تَعْلَمْ) فَإنِ اعْتَرَضَ عَلى هَذا الجَوابِ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ العَطْفُ ولَفْظُ: (ألَمْ تَعْلَمْ) يُنْبِئُ عَنِ الواحِدِ، و(تُرِيدُونَ) عَنْ جَماعَةٍ؟ فالجَوابُ: أنَّهُ إنَّما رَجَعَ الخِطابُ مِنَ التَّوْحِيدِ إلى الجَمْعِ، لِأنَّ ما خُوطِبَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقَدْ خُوطِبَتْ بِهِ أُمَّتُهُ، فاكْتَفى بِهِ مِن أُمَّتِهِ في المُخاطَبَةِ الأُولى، ثُمَّ أظْهَرَ المَعْنى في المُخاطَبَةِ الثّانِيَةِ. ومِثْلُ هَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [ الطَّلاقِ: ١ ] . ذَكَرَ هَذا الجَوابَ ابْنُ الأنْبارِيِّ. فَأمّا الجَوابُ الثّانِي عَنْ (أمْ)؛ فَهو أنَّها لِلِاسْتِفْهامِ، ولَيْسَتْ مَرْدُودَةً عَلى شَيْءٍ. قالَ الفَرّاءُ: إذا تَوَسَّطَ الِاسْتِفْهامُ الكَلامَ؛ ابْتُدِئَ بِالألِفِ وبِأمْ، وإذا لَمْ يَسْبِقْهُ كَلامٌ؛ لَمْ يَكُنْ إلّا بِالألِفِ أوْ بِ"هَلْ" وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: "أمْ" جارِيَةٌ مَجْرى "هَلْ" غَيْرَ أنَّ الفَرْقَ بَيْنَهُما: أنَّ "هَلْ" اسْتِفْهامٌ مُبْتَدَأٌ، لا يَتَوَسَّطُ ولا يَتَأخَّرُ، و"أمْ": اسْتِفْهامٌ مُتَوَسِّطٌ، لا يَكُونُ إلّا بَعْدَ كَلامٍ.
فَأمّا الرَّسُولُ هاهُنا؛ فَهُوَ: مُحَمَّدٌ ﷺ، والَّذِي سُئِلَ مُوسى مِن قَبْلِ قَوْلُهُمْ: ﴿أرِنا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [ النِّساءِ: ١٥٣ ] . وهَلْ سَألُوا ذَلِكَ نَبِيًّا أمْ لا؟ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهم سَألُوا ذَلِكَ، فَقالُوا: ( لَنْ نُؤْمِنَ لَك حَتّى تَأْتِيَ بِاللَّهِ والمَلائِكَةِ قُبَيْلًا ) [ الإسْراءِ: ٩٢ ] قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهم بِالَغُوا في المَسائِلِ، (p-١٣١)فَقِيلَ لَهم بِهَذِهِ الآَيَةِ: لَعَلَّكم تُرِيدُونَ أنْ تَسْألُوا مُحَمَّدًا أنْ يُرِيَكُمُ اللَّهُ جَهْرَةً، قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ.
والكُفْرُ: الجُحُودُ. والإيمانُ: التَّصْدِيقُ. وقالَ أبُو العالِيَةِ: المَعْنى: ومَن يَتَبَدَّلِ الشِّدَّةَ بِالرَّخاءِ. وسَواءَ السَّبِيلِ: وسْطُهُ.
{"ayah":"أَمۡ تُرِیدُونَ أَن تَسۡـَٔلُوا۟ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُىِٕلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۗ وَمَن یَتَبَدَّلِ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِیمَـٰنِ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











