الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ﴾ وقَرَأ حَمْزَةُ: ( نَقُولُ ) بِالنُّونِ، يَعْنِي: يَوْمَ القِيامَةِ، ﴿نادُوا شُرَكائِيَ﴾ أضافَ الشُّرَكاءَ إلَيْهِ عَلى زَعْمِهِمْ، والمُرادُ: نادَوْهم لِدَفْعِ العَذابِ عَنْكم أوِ الشَّفاعَةِ لَكُمْ، ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾؛ أيْ: زَعَمْتُمُوهم شُرَكاءَ، ﴿فَدَعَوْهم فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾؛ أيْ: لَمْ يُجِيبُوهُمْ، ﴿وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ﴾ في المُشارِ إلَيْهِمْ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُمُ المُشْرِكُونَ والشُّرَكاءُ. والثّانِي: أهْلُ الهُدى وأهْلُ الضَّلالَةِ. وَفِي مَعْنى ﴿مَوْبِقًا﴾ سِتَّةُ أقْوالٍ: أحَدُها: مُهْلِكًا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، والضَّحّاكُ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: (p-١٥٦)مَهْلِكًا بَيْنَهم وبَيْنَ آَلِهَتِهِمْ في جَهَنَّمَ، ومِنهُ يُقالُ: أوْبَقَتْهُ ذُنُوبُهُ؛ [ أيْ: أهْلَكَتْهُ ] . قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: جَعَلْنا بَيْنَهم مِنَ العَذابِ ما يُوبِقُهم؛ أيْ: يُهْلِكُهُمْ، فالمَوْبِقُ: المَهْلِكُ، يُقالُ: وبَقَ، يَيْبَقُ، ويابَقَ، وبَقًا، ووَبَقَ، يَبِقُ، وُبُوقًا، فَهو وابِقٌ. وقالَ الفَرّاءُ: جَعَلْنا تَواصُلَهم في الدُّنْيا مَوْبِقًا؛ أيْ: مَهْلِكًا لَهم في الآَخِرَةِ، فالبَيْنُ عَلى هَذا القَوْلِ بِمَعْنى التَّواصُلِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [ الأنْعامِ: ٩٤ ] عَلى قِراءَةِ مَن ضَمَّ النُّونَ. والثّانِي: أنَّ المَوْبِقَ: وادٍ عَمِيقٌ يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ أهْلِ الضَّلالَةِ وأهْلِ الهُدى، قالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو. والثّالِثُ: أنَّهُ وادٍ في جَهَنَّمَ، قالَهُ أنَسُ بْنُ مالِكٍ ومُجاهِدٌ. والرّابِعُ: أنَّ مَعْنى المَوْبِقَ: العَدَواةُ، قالَهُ الحَسَنُ. والخامِسُ: أنَّهُ المَحْبِسُ، قالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ. والسّادِسُ: أنَّهُ المَوْعِدُ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: إنْ قِيلَ: لِمَ قالَ: " مَوْبِقًا "، ولَمْ يُقَلْ: ( مُوبِقًا ) بِضَمِّ المِيمِ؛ إذْ كانَ مَعْناهُ: عَذابًا مُوبِقًا ؟ فالجَوابُ: أنَّهُ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَحْبِسٍ في النّارِ، والأسْماءُ لا تُؤْخَذُ بِالقِياسِ، فَيَعْلَمُ أنَّ ( مَوْبِقًا ) مَفْعِلَ، مِن أوْبَقَهُ اللَّهُ: إذا أهْلَكَهُ، فَتَنْفَتِحُ المِيمُ كَما تَنْفَتِحُ في ( مَوْعِدٍ، ومَوْلِدٍ، ومَحْتَدٍ )، إذا سَمَّيْتَ الشُّخُوصَ بِهِنَّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَرَأى المُجْرِمُونَ النّارَ﴾؛ أيْ: عايَنُوها وهي تَتَغَيَّظُ حَنَقًا عَلَيْهِمْ، والمُرادُ بِالمُجْرِمِينَ: الكُفّارُ. ﴿فَظَنُّوا﴾؛ أيْ: أيْقَنُوا ﴿أنَّهم مُواقِعُوها﴾؛ أيْ: (p-١٥٧)داخِلُوها، ومَعْنى المُواقَعَةِ: مُلابَسَةُ الشَّيْءِ بِشِدَّةٍ. ﴿وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفًا﴾؛ أيْ: مَعْدِلًا، والمَصْرِفُ: المَوْضِعُ الَّذِي يُصَرَفُ إلَيْهِ، وذَلِكَ أنَّها أحاطَتْ بِهِمْ مِن كُلِّ جانِبٍ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلى الهَرَبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب