الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُمْ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: وقُلِ الَّذِي أتَيْتُكم بِهِ: الحَقُّ مِن رَبِّكم. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن شاءَ فَلْيُؤْمِن ومَن شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: فَمَن شاءَ اللَّهُ فَلْيُؤْمِن، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ وعِيدٌ وإنْذارٌ ولَيْسَ بِأمْرٍ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والثّالِثُ: أنَّ مَعْناهُ: لا تَنْفَعُونَ اللَّهَ بِإيمانِكم ولا تَضُرُّونَهُ بِكُفْرِكُمْ، قالَهُ الماوَرْدِيُّ. وقالَ بَعْضُهُمْ: هَذا إظْهارٌ لِلْغِنى لا إطْلاقَ في الكُفْرِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا أعْتَدْنا﴾؛ أيْ: هَيَّأْنا وأعْدَدْنا، وقَدْ شَرَحْناهُ في قَوْلِهِ: ﴿وَأعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ [ يُوسُفَ: ٣١ ] . فَأمّا الظّالِمُونَ، فَقالَ المُفَسِّرُونَ: هُمُ الكافِرُونَ. وأمّا السُّرادِقُ، فَقالَ الزَّجّاجُ: السُّرادِقُ: كُلُّ ما أحاطَ بِشَيْءٍ، نَحْوُ: الشُّقَّةُ في المِضْرَبِ، أوِ الحائِطِ المُشْتَمِلِ عَلى الشَّيْءِ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: السُّرادِقُ: الحُجْرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الفُسْطاطِ. وقَرَأْتُ عَلى شَيْخِنا أبِي مَنصُورٍ اللُّغَوِيِّ، قالَ: السُّرادِقُ فارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وأصْلُهُ بِالفارِسِيَّةِ: سَرادارُ، وهو الدِّهْلِيزُ، قالَ الفَرَزْدَقُ: ؎ تَمَنَّيْتُهم حَتّى إذا ما لَقِيتُهم تَرَكْتُ لَهم قَبْلَ الضِّرابِ السُّرادِقا وَفِي المُرادِ بِهَذا السُّرادِقِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ سُرادِقٌ مِن نارٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. رَوى أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: " «لِسُرادِقِ النّارِ أرْبَعَةُ جُدُرٍ كُثُفٌ، كُلُّ جِدارٍ مِنها مَسِيرَةُ أرْبَعِينَ سَنَةً» " . وفي رِوايَةِ أبِي صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: (p-١٣٥)السُّرادِقُ: لِسانٌ مِنَ النّارِ، يَخْرُجُ مِنَ النّارِ فَيُحِيطُ بِهِمْ حَتّى يَفْرَغَ مِن حِسابِهِمْ. والثّانِي: أنَّهُ دُخانٌ يُحِيطُ بِالكُفّارِ يَوْمَ القِيامَةِ، وهو الظِّلُّ ذُو ثَلاثِ شُعَبٍ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى في ( المُرْسَلاتِ: ٣٠ )، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ يَسْتَغِيثُوا﴾؛ أيْ: مِمّا هم فِيهِ مِنَ العَذابِ وشِدَّةِ العَطَشِ، ﴿يُغاثُوا بِماءٍ كالمُهْلِ﴾ وفِيهِ سَبْعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ ماءٌ غَلِيظٌ كَدُرْدِيِّ الزَّيْتِ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ كُلُّ شَيْءٍ أُذِيبَ حَتّى انْماعَ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ والزَّجّاجُ: كُلُّ شَيْءٍ أذَبْتَهُ مِن نُحاسٍ أوْ رَصاصٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَهَوْل مُهْلٌ. والثّالِثُ: قَيْحٌ ودَمٌ أسْوَدٌ كَعَكِرِ الزَّيْتِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والرّابِعُ: أنَّهُ الفِضَّةُ والرَّصاصُ يُذابانِ، رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ أيْضًا. والخامِسُ: أنَّهُ الَّذِي انْتَهى حَرُّهُ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. والسّادِسُ: [ أنَّهُ ] الصَّدِيدُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قالَ مُغِيثُ بْنُ سُمَيِّ: هَذا الماءُ هو ما يَسِيلُ مِن عَرَقِ أهْلِ المَوْقِفِ في الآَخِرَةِ وبُكائِهِمْ، وما يَجْرِي مِنهم مِن دَمٍ وقَيْحٍ، يَسِيلُ ذَلِكَ إلى وادٍ في جَهَنَّمَ فَتَطْبُخُهُ جَهَنَّمُ، فَيَكُونُ أوَّلَ ما يُغاثُ بِهِ أهْلُ النّارِ. والسّابِعُ: أنَّهُ الرَّمادُ الَّذِي يُنْفَضُ عَنِ الخُبْزَةِ إذا خَرَجَتْ مِنَ التَّنُّورِ، حَكاهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. (p-١٣٦) قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَشْوِي الوُجُوهَ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: إذا قَرَّبَهُ إلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وجْهِهِ فِيهِ، ثُمَّ ذَمَّهُ فَقالَ: " ﴿بِئْسَ الشَّرابُ وساءَتْ﴾ النّارُ ﴿مُرْتَفَقًا﴾ وفِيهِ خَمْسَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: مَنزِلًا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: مُجْتَمَعًا، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: مُتَّكَأً، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، وأنْشَدَ لِأبِي ذُؤَيْبٍ: ؎ إنِّي أرِقْتُ فَبِتُّ اللَّيْلَ مُرْتَفِقًا ∗∗∗ كَأنَّ عَيْنِي فِيها الصّابُ مَذْبُوحُ وَذَبْحُهُ: انْفِجارُهُ. قالَ الزَّجّاجُ: " مُرْتَفِقًا " مَنصُوبٌ عَلى التَّمْيِيزِ، ومَعْنى مُرْتَفِقًا: مُتَّكَأً عَلى المِرْفَقِ. والرّابِعُ: ساءَتْ مَجْلِسًا، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. والخامِسُ: ساءَتْ مَطْلَبًا لِلرِّفْقِ؛ لِأنَّ مَن طَلَبَ رِفْقًا مِن جِهَتِها عَدِمَهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. ومَعانِي هَذِهِ الأقْوالِ تَتَقارَبُ، وأصْلُ المِرْفَقِ في اللُّغَةِ: ما يُرْتَفَقُ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب