الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واتْلُ ما أُوحِيَ إلَيْكَ﴾ في هَذِهِ التِّلاوَةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها بِمَعْنى القِراءَةِ. والثّانِي: بِمَعْنى الِاتِّباعِ. فَيَكُونُ المَعْنى عَلى الأوَّلِ: اقْرَإ القُرْآَنَ، وعَلى الثّانِي: اتَّبِعْهُ واعْمَلْ بِهِ. وقَدْ شَرَحْنا في ( الأنْعامِ: ١١٥ ) مَعْنى ﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ﴾ . قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَنْ تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ قالَ مُجاهِدٌ والفَرّاءُ: مَلْجَأً. وقالَ الزَّجّاجُ: مَعْدِلًا عَنْ أمْرِهِ ونَهْيِهِ. وقالَ غَيْرُهُمْ: مَوْضِعًا تَمِيلُ إلَيْهِ في الِالتِجاءِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ﴾ سَبَبُ نُزُولِها «أنَّ المُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهم جاؤُوا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ: عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، والأقْرَعُ بْنُ حابِسٍ، وذَوُوهُمْ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ؛ لَوْ أنَّكَ جَلَسْتَ في صَدْرِ المَجْلِسِ ونَحَّيْتَ هَؤُلاءِ عَنّا - يَعْنُونَ: سَلْمانَ، وأبا ذَرٍّ، وفُقَراءَ المُسْلِمِينَ، وكانَتْ عَلَيْهِمْ جِبابُ الصُّوفِ - جَلَسْنا إلَيْكَ وأخَذْنا عَنْكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ إلى قَوْلِهِ: ﴿إنّا أعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ نارًا﴾، فَقامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَلْتَمِسُهُمْ، حَتّى إذا أصابَهم في مُؤَخَّرِ المَسْجِدِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ، قالَ: " الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتّى أمَرَنِي أنْ أُصَبِّرَ نَفْسِي مَعَ رِجالٍ مِن أُمَّتِي، مَعَكُمُ المَحْيا ومَعَكُمُ المَماتُ "»، هَذا قَوْلُ سَلْمانَ الفارِسِيِّ. ومَعْنى قَوْلِهِ: (p-١٣٣)﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾؛ أيِ: احْبِسْها مَعَهم عَلى أداءِ الصَّلَواتِ ﴿بِالغَداةِ والعَشِيِّ﴾ . وقَدْ فَسَّرْنا هَذِهِ الآَيَةَ في ( الأنْعامِ: ٥٢ ) إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ﴾؛ أيْ: لا تَصْرِفْ بَصَرَكَ إلى غَيْرِهِمْ مِن ذَوِي الغِنى والشَّرَفِ، وكانَ عَلَيْهِ السَّلامُ حَرِيصًا عَلى إيمانِ الرُّؤَساءِ لِيُؤْمِنَ أتْباعُهُمْ، ولَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لِزِينَةِ الدُّنْيا قَطُّ، فَأمَرَ أنْ يَجْعَلَ إقْبالَهُ عَلى فُقَراءِ المُؤْمِنِينَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مَن أغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا﴾ سَبَبُ نُزُولِها أنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ الجُمَحِيَّ دَعا رَسُولَ اللهِ ﷺ إلى طَرْدِ الفُقَراءِ عَنْهُ، وتَقْرِيبِ صَنادِيدِ أهْلِ مَكَّةَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، رَواهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّهُ قالَ: هو عُيَيْنَةُ وأشْباهُهُ. ومَعْنى ﴿أغْفَلْنا قَلْبَهُ﴾: جَعَلْناهُ غافِلًا. وقَرَأ أبُو مِجْلَزٍ: ( مَن أغْفَلْنا ) بِفَتْحِ اللّامِ ورَفْعِ باءِ القَلْبِ. ﴿عَنْ ذِكْرِنا﴾: عَنِ التَّوْحِيدِ والقُرْآَنِ والإسْلامِ، ﴿واتَّبَعَ هَواهُ﴾ في الشِّرْكِ. ﴿وَكانَ أمْرُهُ فُرُطًا﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ أفْرَطَ في قَوْلِهِ؛ لِأنَّهُ قالَ: إنّا رُؤُوسُ مُضَرٍ، وإنْ نُسْلِمْ يُسْلِمِ النّاسُ بَعْدَنا، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: ضَياعًا، قالَهُ مُجاهِدٌ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: سَرَفًا وتَضْيِيعًا. والثّالِثُ: نَدَمًا، حَكاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ. والرّابِعُ: كانَ أمْرُهُ التَّفْرِيطُ، والتَّفْرِيطُ: تَقْدِيمُ العَجْزِ، قالَهُ الزَّجّاجُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب