الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا أرَدْنا أنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً﴾ في سَبَبِ إرادَتِهِ لِذَلِكَ قَوْلانِ: أحَدُهُما: ما سَبَقَ لَهم في قَضائِهِ مِنَ الشَّقاءِ. والثّانِي: عِنادُهُمُ الأنْبِياءَ وتَكْذِيبُهم إيّاهم. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أمَرْنا مُتْرَفِيها﴾ قَرَأ الأكْثَرُونَ: ( أمَرْنا ) مُخَفِّفَةً عَلى وزْنِ ( فَعَلْنا )، وفِيها ثَلاثَةُ أقْوالٍ: (p-١٩) أحَدُها: أنَّهُ مِنَ الأمْرِ، وفي الكَلامِ إضْمارٌ، تَقْدِيرُهُ: أمَرْنا مُتْرَفِيها بِالطّاعَةِ فَفَسَقُوا، هَذا مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قالَ الزَّجّاجُ: ومِثْلُهُ في الكَلامِ: أمَرْتُكَ فَعَصَيْتَنِي، فَقَدْ عَلِمَ أنَّ المَعْصِيَةَ مُخالَفَةُ الأمْرِ. والثّانِي: ( كَثَّرْنا ) يُقالُ: أمَرْتُ الشَّيْءَ وآَمَرْتُهُ؛ أيْ: كَثَّرْتُهُ، ومِنهُ قَوْلُهُمْ: مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ؛ أيْ: كَثِيرَةُ النِّتاجِ، يُقالُ: أمِرَ بَنُو فُلانٍ يَأْمَرُونَ أمْرًا: إذا كَثُرُوا، هَذا قَوْلُ أبِي عُبَيْدَةَ وابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّالِثُ: أنَّ مَعْنى ﴿أمَرْنا﴾: أمْرُنا، يُقالُ: أمَرْتُ الرَّجُلَ، بِمَعْنى: أمَرْتُهُ، والمَعْنى: سَلَّطْنا مُتْرَفِيها بِالإمارَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. ورَوى خارِجَةُ عَنْ نافِعٍ: ( آَمَرْنا ) مَمْدُودَةً، مِثْلَ: ( آَمَنّا )، وكَذَلِكَ رَوى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وهي قِراءَةُ ابْنِ عَبّاسٍ، وأبِي الدَّرْداءِ، وأبِي رَزِينٍ، والحَسَنُ، والضَّحّاكُ، ويَعْقُوبُ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وهي اللُّغَةُ العالِيَةُ المَشْهُورَةُ، ومَعْناهُ: كَثَّرْنا أيْضًا. ورَوى ابْنُ مُجاهِدٍ أنَّ أبا عَمْرٍو قَرَأ: ( أمَّرْنا ) مُشَدَّدَةَ المِيمِ، وهي رِوايَةُ أبانَ عَنْ عاصِمٍ، وهي قِراءَةُ أبِي العالِيَةِ، والنَّخَعِيِّ، والجَحْدَرَيِّ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: المَعْنى: جَعَلْناهم أُمَراءَ. وقَرَأ أبُو المُتَوَكِّلِ، وأبُو الجَوْزاءِ، وابْنُ يَعْمُرَ: ( أمِرْنا ) بِفَتْحِ الهَمْزَةِ مَكْسُورَةَ المِيمِ مُخَفَّفَةً. فَأمّا المُتْرَفُونَ فَهُمُ المُتَنَعِّمُونَ الَّذِينَ قَدْ أبْطَرَتْهُمُ النِّعْمَةُ وسَعَةُ العَيْشِ، والمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ: هُمُ الجَبّارُونَ والمُسَلَّطُونَ والمُلُوكُ، وإنَّما خَصَّ المُتْرَفِينَ بِالذِّكْرِ؛ لِأنَّهُمُ الرُّؤَساءُ، ومَن عَداهم تَبَعٌ لَهم. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَفَسَقُوا فِيها﴾؛ أيْ: تَمَرَّدُوا في كُفْرِهِمْ؛ لِأنَّ الفِسْقَ في الكُفْرِ: الخُرُوجُ إلى أفْحَشِهِ. وقَدْ شَرَحْنا مَعْنى الفِسْقِ في ( البَقَرَةِ: ٢٦، ١٩٧ ) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَحَقَّ عَلَيْها القَوْلُ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: وجَبَ عَلَيْها العَذابُ. وقَدْ ذَكَرْنا مَعْنى " التَّدْمِيرِ " في ( الأعْرافِ: ١٣٧ ) (p-٢٠) قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَمْ أهْلَكْنا مِنَ القُرُونِ﴾ وهو جَمْعُ قَرْنٍ. وقَدْ ذَكَرْنا اخْتِلافَ النّاسِ فِيهِ في ( الأنْعامِ: ٦ )، وشَرَحْنا مَعْنى " الخَبِيرِ " و " البَصِيرِ " في ( البَقَرَةِ ) . قالَ مُقاتِلٌ: وهَذِهِ الآَيَةُ تَخْوِيفٌ لِأهْلِ مَكَّةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب