الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَبِالحَقِّ أنْزَلْناهُ﴾ الهاءُ كِنايَةٌ عَنِ القُرْآَنِ، والمَعْنى: أنْزَلْنا القُرْآَنَ بِالأمْرِ الثّابِتِ والدِّينِ المُسْتَقِيمِ، فَهو حَقٌّ، ونُزُولُهُ حَقٌّ، وما تَضَمَّنَهُ حَقٌّ. وقالَ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ: ﴿وَبِالحَقِّ أنْزَلْناهُ﴾؛ أيْ: بِالتَّوْحِيدِ، ﴿وَبِالحَقِّ نَزَلَ﴾ يَعْنِي: بِالوَعْدِ والوَعِيدِ، والأمْرِ والنَّهْيِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْناهُ﴾ قَرَأ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وسَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ، وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو رَزِينٍ، ومُجاهِدٌ، والشَّعْبِيُّ، وقَتادَةُ، والأعْرَجُ، وأبُو رَجاءٍ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: ( فَرَّقْناهُ ) بِالتَّشْدِيدِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ بِالتَّخْفِيفِ. فَأمّا قِراءَةُ التَّخْفِيفِ فَفي مَعْناها ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: بَيَّنّا حَلالَهُ وحَرامَهُ، رَواهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: فَرَّقْنا فِيهِ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، [ قالَهُ الحَسَنُ ] . والثّالِثُ: أحْكَمْناهُ وفَصَّلْناهُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [ الدُّخانِ: ٤ ]، قالَهُ الفَرّاءُ. وأمّا المُشَدَّدَةُ فَمَعْناها: أنَّهُ أُنْزِلَ مُتَفَرِّقًا ولَمْ يَنْزِلْ جُمْلَةً واحِدَةً. وقَدْ بَيَّنّا في أوَّلِ كِتابِنا هَذا مِقْدارُ المُدَّةِ الَّتِي نَزَلَ فِيها. (p-٩٧) قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِتَقْرَأهُ عَلى النّاسِ عَلى مُكْثٍ﴾ قَرَأ أنَسٌ، والشَّعْبِيُّ، والضَّحّاكُ، وقَتادَةُ، وأبُو رَجاءٍ، وأبانُ عَنْ عاصِمٍ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ بِفَتْحِ المِيمِ، والمَعْنى: عَلى تُؤَدَةٍ وتَرَسُّلٍ لِيَتَدَبَّرُوا مَعْناهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أوْ لا تُؤْمِنُوا﴾ هَذا تَهْدِيدٌ لِكُفّارِ [ أهْلِ ] مَكَّةَ، والهاءُ كِنايَةٌ عَنِ القُرْآَنِ. ﴿إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ﴾ وفِيهِمْ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهم ناسٌ مِن أهْلِ الكِتابِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي: أنَّهُمُ الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. والثّالِثُ: طُلّابُ الدِّينِ، كَأبِي ذَرٍّ، وسَلْمانَ، ووَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، قالَهُ الواحِدِيُّ. وَفِي هاءِ الكِنايَةِ في قَوْلِهِ: ﴿مِن قَبْلِهِ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها تَرْجِعُ إلى القُرْآَنِ، والمَعْنى: مِن قَبْلِ نُزُولِهِ. والثّانِي: تَرْجِعُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. فَعَلى الأوَّلِ ﴿إذا يُتْلى عَلَيْهِمْ﴾: القُرْآَنُ، وعَلى قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ ﴿إذا يُتْلى عَلَيْهِمْ﴾: ما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ مِن عِنْدِ اللَّهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَخِرُّونَ لِلأذْقانِ﴾ اللّامُ هاهُنا بِمَعْنى ( عَلى ) . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: قَوْلُهُ: ﴿لِلأذْقانِ﴾؛ أيْ: لِلْوُجُوهِ. قالَ الزَّجّاجُ: الَّذِي يَخِرُّ وهو قائِمٌ، إنَّما يَخِرُّ لِوَجْهِهِ، والذَّقْنُ مُجْتَمَعُ اللِّحْيَيْنِ، وهو عُضْوٌ مِن أعْضاءِ الوَجْهِ، فَإذا ابْتَدَأ يَخِرُّ، فَأقْرَبُ الأشْياءِ مِن وجْهِهِ إلى الأرْضِ الذَّقْنُ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: أوَّلُ ما يَلْقى الأرْضَ مَنِ الَّذِي يَخِرُّ قَبْلَ أنْ يُصَوِّبَ جَبْهَتَهُ ذَقْنُهُ؛ فَلِذَلِكَ قالَ: (p-٩٨)" لِلْأذْقانِ " . ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: يَخِرُّونَ لِلْوُجُوهِ، فاكْتَفى بِالذَّقَنِ مِنَ الوَجْهِ كَما يُكْتَفى بِالبَعْضِ مِنَ الكُلِّ، وبِالنَّوْعِ مِنَ الجِنْسِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا﴾ نَزَّهُوا اللَّهَ تَعالى عَنْ تَكْذِيبِ المُكَذِّبِينَ بِالقُرْآَنِ، وقالُوا: ﴿إنْ كانَ وعْدُ رَبِّنا﴾ بِإنْزالِ القُرْآَنِ وبَعْثِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿لَمَفْعُولا﴾، واللّامُ دَخَلَتْ لِلتَّوْكِيدِ. وهَؤُلاءِ قَوْمٌ كانُوا يَسْمَعُونَ أنَّ اللَّهَ باعِثٌ نَبِيًّا مِنَ العَرَبِ، ومُنْزِلٌ عَلَيْهِ كِتابًا، فَلَمّا عايَنُوا ذَلِكَ حَمِدُوا اللَّهَ تَعالى عَلى إنْجازِ الوَعْدِ. ﴿وَيَخِرُّونَ لِلأذْقانِ﴾ كَرَّرَ القَوْلَ لِيَدُلَّ عَلى تَكْرارِ الفِعْلِ مِنهم. ﴿وَيَزِيدُهم خُشُوعًا﴾؛ أيْ: يَزِيدُهُمُ القُرْآَنُ تَواضُعًا. وكانَ عَبْدُ الأعْلى التَّيْمِيُّ يَقُولُ: مَن أُوتِيَ مِنَ العِلْمِ ما لا يُبْكِيهِ، لَخَلِيقٌ أنْ لا يَكُونُ أُوتِيَ عِلْمًا يَنْفَعُهُ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى نَعَتَ العُلَماءَ فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ. . .﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿يَبْكُونَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب