الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ يَعْنِي: يَوْمَ القِيامَةِ، وشاهِدُ كُلِّ أُمَّةٍ نَبِيُّها يَشْهَدُ عَلَيْها بِتَصْدِيقِها وتَكْذِيبِها، ﴿ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ في الِاعْتِذارِ ﴿وَلا هم يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أيْ: لا يُطْلَبُ مِنهم أنْ يَرْجِعُوا إلى ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ، لِأنَّ الآخِرَةَ لَيْسَتْ بِدار تَكْلِيفٍ. (p-٤٨٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أيْ: أشْرَكُوا ﴿العَذابَ﴾ يَعْنِي: النّارَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ " العَذابُ ﴿وَلا هم يُنْظَرُونَ﴾ لا يُؤَخَّرُونَ، ولا يُمْهَلُونَ. " وإذا رَأى الَّذِينَ أشْرَكُوا شُرَكاءَهم " يَعْنِي: الأصْنامَ الَّتِي جَعَلُوها شُرَكاءَ لِلَّهِ في العِبادَةِ، وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ كُلَّ مَعْبُودٍ مِن دُونِهِ، فَيَقُولُ المُشْرِكُونَ: ﴿رَبَّنا هَؤُلاءِ شُرَكاؤُنا الَّذِينَ كُنّا نَدْعُوا﴾ أيْ: نَعْبُدُ مِن دُونِكَ. فَإنْ قِيلَ: فَهَذا مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، فَما فائِدَةُ قَوْلِهِمْ: ﴿هَؤُلاءِ شُرَكاؤُنا﴾ ؟ فَعَنْهُ جَوابانِ: أحَدُهُما: أنَّهم لَمّا كَتَمُوا الشِّرْكَ في قَوْلِهِمْ: واللَّهِ ما كُنّا مُشْرِكِينَ، عاقَبَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِإصْماتِ ألْسِنَتِهِمْ، وإنْطاقِ جَوارِحِهِمْ، فَقالُوا عِنْدَ مُعايَنَةِ آلِهَتِهِمْ: ﴿رَبَّنا هَؤُلاءِ شُرَكاؤُنا﴾ أيْ: قَدْ أقْرَرْنا بَعْدَ الجَحْدِ، وصَدَّقْنا بَعْدَ الكَذِبِ، التِماسًا لِلرَّحْمَةِ، وفِرارًا مِنَ الغَضَبِ، وكَأنَّ هَذا القَوْلَ مِنهم عَلى وجْهِ الِاعْتِرافِ بِالذَّنْبِ، لا عَلى وجْهِ إعْلامِ مَن لا يَعْلَمُ. والثّانِي: أنَّهم لَمّا عايَنُوا عِظَمَ غَضَبِ اللَّهِ تَعالى قالُوا: هَؤُلاءِ شُرَكاؤُنا، تَقْدِيرَ أنْ يَعُودَ عَلَيْهِمْ مِن هَذا القَوْلِ رَوْحٌ، وأنْ تَلْزَمَ الأصْنامُ إجْرامَهم، أوْ بَعْضَ ذُنُوبِهِمْ إذْ كانُوا يَدْعُونَ لَها العَقْلَ والتَّمْيِيزَ، فَأجابَتْهُمُ الأصْنامُ بِما حَسَمَ طَمَعَهم. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَألْقَوْا إلَيْهِمُ القَوْلَ﴾ أيْ: أجابُوهم وقالُوا لَهم " إنَّكم لَكاذِبُونَ " قالَ الفَرّاءُ: رَدَّتْ عَلَيْهِمْ آلِهَتُهم قَوْلَهم. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: " فَألْقَوْا "، أيْ: قالُوا لَهم. يُقالُ: ألْقَيْتُ إلى فُلانٍ كَذا، أيْ: قُلْتُ لَهُ. قالَ العُلَماءُ: كَذَّبُوهم في عِبادَتِهِمْ إيّاهم، وذَلِكَ أنَّ الأصْنامَ كانَتْ جَمادًا لا تَعْرِفُ عابِدِيها، فَظَهَرَتْ فَضِيحَتُهم يَوْمَئِذٍ إذْ عَبَدُوا مَن لَمْ يَعْلَمْ بِعِبادَتِهِمْ، وذَلِكَ كَقَوْلِهِ: ﴿سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ﴾ [مَرْيَمَ:٨٣] . (p-٤٨١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَألْقَوْا إلى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ﴾ المَعْنى: أنَّهم اسْتَسْلَمُوا لَهُ. وفي المُشارِ إلَيْهِمْ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُمُ المُشْرِكُونَ، قالَهُ الأكْثَرُونَ. ثُمَّ في مَعْنى اسْتِسْلامِهِمْ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُمُ اسْتَسْلَمُوا [لَهُ] بِالإقْرارِ بِتَوْحِيدِهِ ورُبُوبِيَّتِهِ. والثّانِي: أنَّهُمُ اسْتَسْلَمُوا لِعَذابِهِ. والثّانِي: أنَّهُمُ المُشْرِكُونَ والأصْنامُ كُلُّهم. قالَ الكَلْبِيُّ: والمَعْنى: أنَّهُمُ اسْتَسْلَمُوا لِلَّهِ مُنْقادِينَ لِحُكْمِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: بَطَلَ قَوْلُهم أنَّها تَشْفَعُ لَهم. والثّانِي: ذَهَبَ عَنْهم ما زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا ووَلَدًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب