الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِن بُيُوتِكم سَكَنًا﴾ أيْ: مَوْضِعًا تَسْكُنُونَ فِيهِ، وهي المَساكِنُ المُتَّخَذَةُ مِنَ الحَجَرِ والمُدَرِ تَسْتُرُ العَوْراتِ والحُرَمِ، وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ الخَشَبَ والمُدَرَ والآلَةَ الَّتِي بِها يُمْكِنُ بِناءُ البَيْتِ وتَسْقِيفُهُ، ﴿وَجَعَلَ لَكم مِن جُلُودِ الأنْعامِ بُيُوتًا﴾ وهي القِبابُ والخِيَمُ المُتَّخَذَةُ مِنَ الأدَمِ ﴿تَسْتَخِفُّونَها﴾ أيْ: يَخِفُّ عَلَيْكم حَمْلُها ﴿يَوْمَ ظَعْنِكُمْ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو " ظَعَنِكم " بِفَتْحِ العَيْنِ. وقَرَأ عاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ (p-٤٧٧)بِتَسْكِينِ العَيْنِ، وهُما لُغَتانِ، كالشَّعَرِ والشَّعْرِ، والنَّهَرِ والنَّهْرِ، والمَعْنى: إذا سافَرْتُمْ، " ويَوْمَ إقامَتِكم " أيْ: لا تَثْقُلُ عَلَيْكم في الحالَيْنِ. ﴿وَمِن أصْوافِها﴾ يَعْنِي: الضَّأْنَ ﴿وَأوْبارِها﴾ يَعْنِي: الإبِلَ ﴿وَأشْعارِها﴾ يَعْنِي: المَعْزَ ﴿أثاثًا﴾ قالَ الفَرّاءُ: الأثاثُ: المَتاعُ، لا واحِدَ لَهُ، كَما أنَّ المَتاعَ لا واحِدَ لَهُ. والعَرَبُ تَقُولُ: جَمْعُ المَتاعِ أمْتِعَةٌ، ولَوْ جَمَعْتَ الأثاثَ، لَقُلْتَ: ثَلاثَةُ أإثَّةٍ وأثُثٍ، مِثْلُ: أعِثَّةٍ وعُثُثٍ لا غَيْرُ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الأثاثُ: مَتاعُ البَيْتِ مِنَ الفَرْشِ والأكْسِيَةِ. قالَ أبُو زَيْدٍ: واحِدُ الأثاثِ: أثاثَةٌ. وقالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ: قَدْ أثَّ يَأثُّ أثًّا: إذا صارَ ذا أثاثٍ. ورُوِيَ عَنِ الخَلِيلِ أنَّهُ قالَ: أصْلُهُ الكَثْرَةُ واجْتِماعُ بَعْضِ المَتاعِ إلى بَعْضٍ، ومِنهُ: شَعَرٌ أثِيثٌ. فَأمّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَتاعًا﴾ فَقِيلَ: إنَّما جُمِعَ بَينَهُ وبَيْنَ الأثاثِ، لِاخْتِلافِ اللَّفْظَيْنِ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿إلى حِينٍ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ المَوْتُ، والمَعْنى: يَنْتَفِعُونَ بِهِ إلى حِينِ المَوْتِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ. والثّانِي: أنَّهُ إلى حِينِ البِلى، فالمَعْنى: إلى أنْ يَبْلى ذَلِكَ الشَّيْءُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِمّا خَلَقَ ظِلالا﴾ أيْ: ما يَقِيكم حَرَّ الشَّمْسِ، وفِيهِ خَمْسَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ ظِلالُ الغَمامِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: ظِلالُ البُيُوتِ، [قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. والثّالِثُ: ظِلالُ الشَّجَرِ، قالَهُ قَتادَةُ، والزَّجّاجُ. والرّابِعُ: ظِلالُ الشَّجَرِ والجِبالِ]، وقالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. والخامِسُ: أنَّهُ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ ظِلٌّ مِن حائِطٍ، وسَقْفٍ، وشَجَرٍ وجَبَلٍ، وغَيْرِ ذَلِكَ، قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. (p-٤٧٨)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكم مِنَ الجِبالِ أكْنانًا﴾ أيْ: ما يَكُنُّكم مِنَ الحَرِّ والبَرْدِ، وهي الغِيرانُ والأسْرابُ. وواحِدُ الأكْنانِ " كِنٌّ " وكُلُّ شَيْءٍ وقى شَيْئًا وسَتَرَهُ فَهو " كِنٌّ " . ﴿وَجَعَلَ لَكم سَرابِيلَ﴾ وهي القُمُصُ ﴿تَقِيكُمُ الحَرَّ﴾ ولَمْ يَقُلِ: البَرْدَ، لِأنَّ ما وقى مِنَ الحَرِّ، وقى مِنَ البَرْدِ، وأنْشَدَ: ؎ وما أدْرِي إذا يَمَّمْتُ أرْضًا أُرِيدُ الخَيْرَ أيُّهُما يَلِينِي وَقالَ الزَّجّاجُ: إنَّما خَصَّ الحَرَّ، لِأنَّهم كانُوا في مَكاناتِهِمْ أكْثَرَ مُعاناةً لَهُ مِنَ البَرْدِ، وهَذا مَذْهَبُ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَسَرابِيلَ تَقِيكم بَأْسَكُمْ﴾ يُرِيدُ الدُّرُوعَ الَّتِي يَتَّقُونَ بِها شِدَّةَ الطَّعْنِ والضَّرْبَ في الحَرْبِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ: مِثْلَما أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكم بِهَذِهِ الأشْياءِ، يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكم في الدُّنْيا ﴿لَعَلَّكم تُسْلِمُونَ﴾ والخِطابُ لِأهْلِ مَكَّةَ، وكانَ أكْثَرُهم حِينَئِذٍ كُفّارًا، ولَوْ قِيلَ: إنَّهُ خِطابٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فالمَعْنى: لَعَلَّكم تَدُومُونَ عَلى الإسْلامِ، وتَقُومُونَ بِحَقِّهِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وعِكْرِمَةُ، وأبُو رَجاءٍ: " لَعَلَّكم تَسْلَمُونَ " بِفَتْحِ التّاءِ واللّامِ، عَلى مَعْنى: لَعَلَّكم إذا لَبِسْتُمُ الدُّرُوعَ تُسَلِّمُونَ مِنَ الجِراحِ في الحَرْبِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا﴾ أعْرَضُوا عَنِ الإيمانِ ﴿فَإنَّما عَلَيْكَ البَلاغُ المُبِينُ﴾ وهَذِهِ عِنْدَ المُفَسِّرِينَ مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها﴾ وفي هَذِهِ النِّعْمَةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها [المَساكِنُ] نِعَمُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا. وفي إنْكارِها ثَلاثَةُ (p-٤٧٩)أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهم يَقُولُونَ: هَذِهِ ورِثْناها [عَنْ آبائِنا] . رَوى ابْنُ أبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: نِعَمُ اللَّهِ: المَساكِنُ، والأنْعامُ، وسَرابِيلُ الثِّيابِ، والحَدِيدُ، يَعْرِفُهُ كَفّارُ قُرَيْشٍ، ثُمَّ يُنْكِرُونَهُ بِأنْ يَقُولُوا: هَذا كانَ لِآبائِنا ورِثْناهُ عَنْهم، وهَذا عَنْ مُجاهِدٍ. والثّانِي: أنَّهم يَقُولُونَ: لَوْلا فُلانٌ، لَكانَ كَذا، فَهَذا إنْكارُهم، قالَهُ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. والثّالِثُ: يَعْرِفُونَ أنَّ النِّعَمَ مِنَ اللَّهِ، ولَكِنْ يَقُولُونَ: هَذِهِ بِشَفاعَةِ آلِهَتِنا، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ، والفَرّاءُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّانِي: أنَّ المُرادَ بِالنِّعْمَةِ هاهُنا: مُحَمَّدٌ ﷺ يَعْرِفُونَ أنَّهُ نَبِيٌّ ثُمَّ يُكَذِّبُونَهُ، وهَذا مَرْوِيٌّ عَنْ مُجاهِدٍ، والسُّدِّيِّ، والزَّجّاجِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأكْثَرُهُمُ الكافِرُونَ﴾ قالَ الحَسَنُ: وجَمِيعُهم كَفّارٌ، فَذَكَرَ الأكْثَرَ، والمُرادُ بِهِ الجَمِيعُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب