الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأوْحى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ﴾ في هَذا الوَحْيِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ إلْهامٌ، رَواهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، والضَّحّاكُ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: أنَّهُ أمْرٌ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. ورَوى ابْنُ مُجاهِدٍ عَنْ أبِيهِ قالَ: أرْسَلَ إلَيْها. والنَّحْلُ: زَنابِيرُ العَسَلِ، واحِدَتُها نَحْلَةٌ. و ﴿يَعْرِشُونَ﴾ يَجْعَلُونَهُ عَرِيشًا. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ " يَعْرُشُونَ " بِضَمِّ الرّاءِ، وهُما لُغَتانِ، يُقالُ: " يَعْرِشُ " و " يَعْرُشُ " مِثْلُ " يَعْكِفُ " و " يَعْكُفُ " ثُمَّ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: ما يَعْرِشُونَ مِنَ الكُرُومِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. والثّانِي: أنَّها سُقُوفُ البُيُوتِ، قالَهُ الفَرّاءُ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كُلُّ شَيْءٍ عُرِشَ، مِن كَرْمٍ، أوْ نَباتٍ، أوْ سَقْفٍ، فَهو عَرْشٌ، ومَعْرُوشٌ. وقِيلَ: المُرادُ بِـ " مِمّا يَعْرِشُونَ ": مِمّا يَبْنُونَ لَهم مِنَ الأماكِنِ الَّتِي تُلْقِي فِيها العَسَلَ، ولَوْلا التَّسْخِيرُ، ما كانَتْ تَأْوِي إلَيْها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: مِنَ الثَّمَراتِ، (p-٤٦٦)وَ " كُلٌّ " هاهُنا لَيْسَتْ عَلى العُمُومِ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأحْقافِ:٢٥] . قالَ الزَّجّاجُ: فَهي تَأْكُلُ الحامِضَ، والمُرَّ، وما لا يُوصَفُ طَعْمُهُ، فَيُحِيلُ الله عَزَّ وجَلَّ مِن ذَلِكَ عَسَلًا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ﴾ السُّبُلُ: الطُّرُقُ، وهي الَّتِي يَطْلُبُ فِيها الرَّعْيَ. و " الذُّلُلُ " جَمْعُ ذَلُولٍ. وفي المَوْصُوفِ بِها قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها السُّبُلُ، فالمَعْنى: اسْلُكِي السُّبُلَ مُذَلَّلَةً لَكِ، فَلا يَتَوَعَّرُ عَلَيْها مَكانٌ سَلَكَتْهُ، وهَذا قَوْلُ مُجاهِدٍ، واخْتِيارُ الزَّجّاجِ. والثّانِي: أنَّها النَّحْلُ، فالمَعْنى: إنَّكَ مُذَلَّلَةٌ بِالتَّسْخِيرِ لِبَنِي آدَمَ، وهَذا قَوْلُ قَتادَةَ، واخْتِيارُ ابْنِ قُتَيْبَةَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِها شَرابٌ﴾ يَعْنِي: العَسَلَ " مُخْتَلِفٌ ألْوانُهُ " قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مِنهُ أحْمَرُ، وأبْيَضُ، وأصْفَرُ. قالَ الزَّجّاجُ: [يَخْرُجُ] مِن بُطُونِها، إلّا أنَّها تُلْقِيه مِن أفْواهِها، وإنَّما قالَ: مِن بُطُونِها، لِأنَّ اسْتِحالَةَ الأطْعِمَةِ لا تَكُونُ إلّا في البَطْنِ، فَيَخْرُجُ كالرِّيقِ الدّائِمِ الَّذِي يَخْرُجُ مِن فَمِ ابْنِ آدَمَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ﴾ في هاءِ الكِنايَةِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّها تَرْجِعُ إلى العَسَلِ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ. واخْتَلَفُوا، هَلِ الشِّفاءُ الَّذِي فِيهِ يَخْتَصُّ بِمَرَضٍ دُونَ غَيْرِهِ، أمْ لا ؟ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ عامٌّ في كُلِّ مَرَضٍ. قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: العَسَلُ شِفاءٌ مِن كُلِّ داءٍ. وقالَ قَتادَةُ: فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ مِنَ الأدْواءِ. وقَدْ رَوى أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ قالَ: «جاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: إنَّ أخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ، فَقالَ: " اسْقِهِ عَسَلًا " فَسَقاهُ، ثُمَّ أتى فَقالَ: قَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إلّا اسْتِطْلاقًا، قالَ: " اسْقِهِ، (p-٤٦٧)عَسَلًا "، فَذَكَرَ الحَدِيثَ. . . إلى أنْ قالَ: فَشُفِيَ، إمّا في الثّالِثَةِ، وإمّا في الرّابِعَةِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " صَدَقَ اللَّهُ، وكَذَبَ بَطْنُ أخِيكَ» " أخْرَجَهُ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ. ويَعْنِي بِقَوْلِهِ " صَدَقَ اللَّهُ ": هَذِهِ الآيَةُ. والثّانِي: فِيهِ شِفاءٌ لِلْأوْجاعِ الَّتِي شِفاؤُها فِيهِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. والصَّحِيحُ أنَّ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الغالِبِ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: الغالِبُ عَلى العَسَلِ أنَّهُ يَعْمَلُ في الأدْواء، ويَدْخُلُ في الأدْوِيَةِ، فَإذا لَمْ يُوافِقْ آحادَ المَرْضى، فَقَدْ وافَقَ الأكْثَرِينَ، وهَذا كَقَوْلِ العَرَبِ: الماءُ حَياةُ كُلِّ شَيْءٍ، وقَدْ نَرى مَن يَقْتُلُهُ الماءُ، وإنَّما الكَلامُ عَلى الأغْلَبِ. والثّانِي: أنَّ الهاءَ تَرْجِعُ إلى الِاعْتِبارِ. والشِّفاءُ: بِمَعْنى الهُدى، قالَهُ الضَّحّاكُ. والثّالِثُ: أنَّها تَرْجِعُ إلى القُرْآنِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب