الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ رَوى أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ بَعَثُوا سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا إلى عِقابِ مَكَّةَ أيّامَ الحَجِّ عَلى طَرِيقِ النّاسِ، فَفَرَّقُوهم عَلى كُلِّ عَقَبَةٍ أرْبَعَةُ رِجالٍ، لِيَصُدُّوا النّاسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وقالُوا لَهم: مَن أتاكم مِنَ النّاسِ يَسْألُكم عَنْ مُحَمَّدٍ فَلْيَقُلْ بَعْضُكم: شاعِرٌ، وبَعْضُكم: كاهِنٌ، وبَعْضُكم: مَجْنُونٌ، وألّا تَرَوْهُ ولا يَراكم خَيْرٌ لَكم، فَإذا (p-٤٤٣)انْتَهَوْا إلَيْنا صَدَّقْناكم، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَبَعَثَ إلى كُلِّ أرْبَعَةٍ مِنهم أرْبَعَةً مِنَ المُسْلِمِينَ، فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَأُمِرُوا أنْ يُكَذِّبُوهم، فَكانَ النّاسُ إذا مَرُّوا عَلى المُشْرِكِينَ، فَقالُوا ما قالُوا، رَدَّ عَلَيْهِمُ المُسْلِمُونَ، وقالُوا كَذَبُوا، بَلْ يَدْعُو إلى الحَقِّ، ويَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ، ويَنْهى عَنِ المُنْكَرِ، ويَدْعُو إلى الخَيْرِ، فَيَقُولُونَ: وما هَذا الخَيْرُ الَّذِي يَدْعُو إلَيْهِ ؟ فَيَقُولُونَ: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا في هَذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ﴾» . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا خَيْرًا﴾ أيْ: أنْزَلَ خَيْرًا، ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ الخَيْرَ فَقالَ: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا في هَذِهِ الدُّنْيا﴾ قالُوا: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وأحْسَنُوا العَمَلَ " حَسَنَةٌ " أيْ: كَرامَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى في الآخِرَةِ، وهي الجَنَّةُ، وقِيلَ: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا في هَذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ﴾ في الدُّنْيا وهي ما رَزَقَهم مِن خَيْرِها وطاعَتِهِ فِيها، ﴿وَلَدارُ الآخِرَةِ﴾ يَعْنِي: الجَنَّةَ ﴿خَيْرٌ﴾ مِنَ الدُّنْيا. وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَنِعْمَ دارُ المُتَّقِينَ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها الجَنَّةُ، قالَهُ الجُمْهُورُ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: في الكَلامِ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: ولَنِعْمَ دارُ المُتَّقِينَ الآخِرَةُ، غَيْرَ أنَّهُ لَمّا ذُكِرَتْ أوَّلًا، عُرِفَ مَعْناها آخِرًا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: ولَنِعْمَ دارُ المُتَّقِينَ جَنّاتُ عَدْنٍ. والثّانِي: أنَّها الدُّنْيا. قالَ الحَسَنُ: ولَنِعْمَ دارُ المُتَّقِينَ الدُّنْيا، لِأنَّهم نالُوا بِالعَمَلِ فِيها ثَوابَ الآخِرَةِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿جَنّاتُ عَدْنٍ﴾ قَدْ شَرَحْناهُ في (بَراءَةٍ:٧٢) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ﴾ وقَرَأ حَمْزَةُ " يَتَوَفّاهم " بِياءٍ مَعَ الإمالَةِ. وفي مَعْنى " طَيِّبِينَ " خَمْسَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: مُؤْمِنِينَ. والثّانِي: طاهِرِينَ مِنَ الشِّرْكِ. والثّالِثُ: زاكِيَةٌ أفْعالُهم (p-٤٤٤)وَأقْوالُهم. والرّابِعُ: طَيِّبَةٌ وفاتَهم، سَهْلٌ خُرُوجُ أرْواحِهِمْ. والخامِسَةُ: طَيِّبَةٌ أنْفُسُهم بِالمَوْتِ، ثِقَةً بِالثَّوابِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَقُولُونَ﴾ يَعْنِي المَلائِكَةَ ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمُ﴾ . وَفِي أيِّ وقْتٍ يَكُونُ هَذا [السَّلامُ] فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: عِنْدَ المَوْتِ. قالَ البَراءُ بْنُ عازِبٍ: يُسَلِّمُ عَلَيْهِ مَلَكُ المَوْتِ إذا دَخَلَ عَلَيْهِ. وقالَ القُرَظِيُّ: ويَقُولُ لَهُ: اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، ويُبَشِّرُهُ بِالجَنَّةِ. والثّانِي: عِنْدَ دُخُولِ الجَنَّةِ. قالَ مُقاتِلٌ: هَذا قَوْلُ خَزَنَةِ الجَنَّةِ لَهم في الآخِرَةِ، يَقُولُونَ: سَلامٌ عَلَيْكم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب