الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾ قَدْ ذَكَرْناهُ في سُورَةِ (البَقَرَةِ:١٦٣) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ أيْ: بِالبَعْثِ والجَزاءِ " قُلُوبُهم مُنْكِرَةٌ " أيْ: جاحِدَةٌ لا تَعْرِفُ التَّوْحِيدَ ﴿وَهم مُسْتَكْبِرُونَ﴾ أيْ: مُمْتَنِعُونَ مِن قَبُولِ الحَقِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا جَرَمَ﴾ قَدْ فَسَّرْناهُ في (هُودٍ:٢٢)، ومَعْنى الآيَةِ: أنَّهُ يُجازِيهِمْ بِسِرِّهِمْ وعَلَنِهِمْ، لِأنَّهُ يَعْلَمُهُ. والمُسْتَكْبِرُونَ: المُتَكَبِّرُونَ عَنِ التَّوْحِيدِ والإيمانِ. وقالَ مُقاتِلٌ: ﴿ما يُسِرُّونَ﴾ حِينَ بَعَثُوا في كُلِّ طَرِيقٍ مَن يَصُدُّ النّاسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ﴿وَما يُعْلِنُونَ﴾ حِينَ أظْهَرُوا العَداوَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ. (p-٤٣٩)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا قِيلَ لَهُمْ﴾ يَعْنِي: المُسْتَكْبِرِينَ ﴿ماذا أنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ ؟ قالَ الزَّجّاجُ: " ماذا " بِمَعْنى " ما الَّذِي " . و ﴿أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ مَرْفُوعَةٌ عَلى الجَوابِ. كَأنَّهم قالُوا: الَّذِي أُنْزِلَ: أساطِيرُ الأوَّلِينَ، أيِ: الَّذِي تَذْكُرُونَ أنْتُمْ أنَّهُ مُنَزَّلٌ: أساطِيرُ الأوَّلِينَ. وقَدْ شَرَحْنا مَعْنى الأساطِيرِ في (الأنْعامِ:٢٥) . قالَ مُقاتِلٌ: الَّذِينَ بَعَثَهُمُ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ في طُرُقِ مَكَّةَ يَصُدُّونَ النّاسَ عَنِ الإيمانِ، ويَقُولُ بَعْضُهم: إنَّ مُحَمَّدًا ساحِرٌ، ويَقُولُ بَعْضُهم: شاعِرٌ، وقَدْ شَرَحْنا هَذا المَعْنى في (الحِجْرِ:٩٠) في ذِكْرِ المُقْتَسِمِينَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أوْزارَهُمْ﴾ هَذِهِ لامُ العاقِبَةِ، وقَدْ شَرَحْناها في غَيْرِ مَوْضِعٍ، والأوْزارُ: الآثامُ، وإنَّما قالَ: كامِلَةً، لِأنَّهُ لَمْ يُكَفَّرْ مِنها شَيْءٌ بِما يُصِيبُهم مِن نَكْبَةٍ، أوْ بَلِيَّةٍ، كَما يُكَفَّرُ عَنِ المُؤْمِنِ، " ومِن أوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهم بِغَيْرِ عِلْمٍ " أيْ: أنَّهم أضَلُّوهم بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وإنَّما حَمَلُوا مِن أوْزارِ الأتْباعِ، لِأنَّهم كانُوا رُؤَساءَ يُقْتَدى بِهِمْ في الضَّلالَةِ، وقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الأنْبارِيِّ في " مِن " وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّها لِلتَّبْعِيضِ، فَهم يَحْمِلُونَ ما شَرِكُوهم فِيهِ، فَأمّا ما رَكِبَهُ أُولَئِكَ بِاخْتِيارِهِمْ مِن غَيْرِ تَزْيِينِ هَؤُلاءِ، فَلا يَحْمِلُونَهُ، فَيَصِحُّ مَعْنى التَّبْعِيضِ. والثّانِي: أنَّ " مِن " مُؤَكِّدَةٌ، والمَعْنى: وأوْزارَ الَّذِينَ يُضِلُّونَهم. ﴿ألا ساءَ ما يَزِرُونَ﴾ أيْ: بِئْسَ ما حَمَلُوا عَلى ظُهُورِهِمْ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: يَعْنِي بِهِ: النَّمْرُودَ بْنَ كَنْعانَ، وذَلِكَ أنَّهُ بَنى صَرْحًا طَوِيلًا. واخْتَلَفُوا في طُولِهِ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: (p-٤٤٠)خَمْسَةُ آلافِ ذِراعٍ، وقالَ مُقاتِلٌ: كانَ طُولُهُ فَرْسَخَيْنِ، قالُوا: ورامَ أنْ يَصْعَدَ إلى السَّماءِ لِيُقاتِلَ أهْلَها بِزَعْمِهِ. ومَعْنى " المَكْرِ " هاهُنا: التَّدْبِيرُ الفاسِدُ. وَفِي الهاءِ والمِيمِ مِن " قَبْلِهِمْ " قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها لِلْمُقْتَسِمِينَ عَلى عِقابِ مَكَّةَ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. والثّانِي: لِكُفّارِ مَكَّةَ، قالَهُ مُقاتِلٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأتى اللَّهُ بُنْيانَهم مِنَ القَواعِدِ﴾ أيْ: مِنَ الأساسِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: أرْسَلَ اللَّهُ رِيحًا فَألْقَتْ رَأْسَ الصَّرْحِ في البَحْرِ، وخَرَّ عَلَيْهِمُ الباقِي. قالَ السُّدِّيُّ: لَمّا سَقَطَ الصَّرْحُ، تَبَلْبَلَتْ ألْسُنُ النّاسِ مِنَ الفَزَعِ، فَتَكَلَّمُوا بِثَلاثَةٍ وسَبْعِينَ لِسانًا، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ " بابِلَ "، وإنَّما كانَ لِسانُ النّاسِ قَبْلَ ذَلِكَ بِالسُّرْيانِيَّةِ، وهَذا قَوْلٌ مَرْدُودٌ، لِأنَّ التَّبَلْبُلَ يُوجِبُ الِاخْتِلاطَ والتَّكَلُّمَ بِشَيْءٍ غَيْرِ مُسْتَقِيمٍ، فَأمّا أنْ يُوجِبَ إحْداثَ لُغَةٍ مَضْبُوطَةِ الحَواشِي، فَباطِلٌ، وإنَّما اللُّغاتُ تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى. فَإنْ قِيلَ: إذا كانَ الماكِرُ واحِدًا، فَكَيْفَ قالَ: " الَّذِينَ " ولَمْ يَقُلِ: " الَّذِي " ؟ فَعَنْهُ ثَلاثَةُ أجْوِبَةٍ: أحَدُها: أنَّهُ كانَ الماكِرُ مَلِكًا لَهُ أتْباعٌ، فَأُدْخِلُوا مَعَهُ في الوَصْفِ. والثّانِي: أنَّ العَرَبَ تُوقِعُ الجَمْعَ عَلى الواحِدِ، فَيَقُولُ قائِلُهم: خَرَجْتُ إلى البَصْرَةِ عَلى البِغالِ، وإنَّما خَرَجَ عَلى بَغْلٍ واحِدٍ. والثّالِثُ: أنَّ " الَّذِينَ " غَيْرُ مُوقَعٍ عَلى واحِدٍ مُعَيَّنٍ، لَكِنَّهُ يُرادُ بِهِ: قَدْ مَكَرَ الجَبّارُونَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، فَكانَ عاقِبَةَ مَكْرِهِمْ رُجُوعُ البَلاءِ عَلَيْهِمْ، ذَكَرَ هَذِهِ الأجْوِبَةَ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قالَ: وذَكَرَ بَعْضُ العُلَماءِ: أنَّهُ إنَّما قالَ: " مِن فَوْقِهِمْ "، (p-٤٤١)لِيُنَبَّهَ عَلى أنَّهم كانُوا تَحْتَهُ، إذْ لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، لاحْتَمَلَ أنَّهم لَمْ يَكُونُوا تَحْتَهُ، لَأنَّ العَرَبَ تَقُولُ: سَقَطَ عَلَيْنا البَيْتُ، وخَرَّ عَلَيْنا الحانُوتُ، وتَداعَتْ عَلَيْنا الدّارُ، ولَيْسُوا تَحْتَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأتاهُمُ العَذابُ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾ أيْ: مِن حَيْثُ ظَنُّوا أنَّهم آمِنُونَ فِيهِ. قالَ السُّدِّيُّ: أُخِذُوا مِن مَأْمَنِهِمْ. ورَوى عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: خَرَّ عَلَيْهِمْ عَذابٌ مِنَ السَّماءِ. وعامَّةُ المُفَسِّرِينَ عَلى ما حَكَيْناهُ مِن أنَّهُ بُنْيانٌ سَقَطَ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هَذا مَثَلٌ، والمَعْنى: أهْلَكَهُمُ اللَّهُ، كَما هَلَكَ مَن هُدِمَ مَسْكَنُهُ مِن أسْفَلِهِ، فَخَرَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ يَوْمَ القِيامَةِ يُخْزِيهِمْ﴾ أيْ: يُذِلُّهم بِالعَذابِ. ﴿وَيَقُولُ أيْنَ شُرَكائِيَ﴾ قَرَأ نافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: " شُرَكائِيَ الَّذِينَ " بِهَمْزَةٍ وفَتْحِ الياءِ، وقالَ البَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ: " شُرَكايَ " مِثْلَ " هُدايَ "، والمَعْنى: أيْنَ شُرَكائِي عَلى زَعْمِكم ؟ هَلّا دَفَعُوا عَنْكم ! . ﴿الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشاقُّونَ فِيهِمْ﴾ أيْ: تُخالِفُونَ المُسْلِمِينَ فَتَعْبُدُونَهم وهم يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وقَرَأ نافِعٌ: " تُشاقُّونِ " بِكَسْرِ النُّونِ، أرادَ: تُشاقُّونَنِي، فَحَذَفَ النُّونَ الثّانِيَةَ، وأبْقى الكَسْرَةَ تَدُلُّ عَلَيْها، والمَعْنى: كُنْتُمْ تُنازِعُونَنِي فِيهِمْ، وتُخالِفُونَ أمْرِي لِأجْلِهِمْ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ﴾ فِيهِمْ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُمُ المَلائِكَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: الحَفَظَةُ مِنَ المَلائِكَةِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّالِثُ: أنَّهُمُ المُؤْمِنُونَ. فَأمّا " الخِزْيُ " فَقَدْ شَرَحْناهُ في مَواضِعَ [آلِ عِمْرانَ:١٩٢] و " السُّوءُ " هاهُنا: العَذابُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب