الباحث القرآني

(p-٤٢٥)سُورَةُ النَّحْلِ * فَصْلٌ في نُزُولِها رَوى مُجاهِدٌ، وعَطِيَّةُ، وابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّها مَكِّيَّةٌ، وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ، وعِكْرِمَةَ، وعَطاءٌ: أنَّها مَكِّيَّةٌ [كُلُّها] وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةٍ: إنَّهُ نَزَلَ مِنها بَعْدَ قَتْلِ حَمْزَةَ: ﴿وَإنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النَّحْلِ:١٢٦]، وقالَ في رِوايَةٍ: هي مَكِّيَّةٌ إلّا ثَلاثَ آياتٍ نَزَلْنَ بِالمَدِينَةِ، وهي قَوْلُهُ: ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿يَعْمَلُونَ﴾ [النَّحْلِ:٩٥،٩٧] . وقالَ الشَّعْبِيُّ: كُلُّها مَكِّيَّةٌ إلّا قَوْلَهُ: ﴿وَإنْ عاقَبْتُمْ. . . .﴾ إلى آخِرِ الآياتِ [النَّحْلِ:١٢٦- ١٢٨] . وقالَ قَتادَةُ: هي مَكِّيَّةٌ إلّا خَمْسَ آياتٍ: ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا﴾ . . . . " الآيَتَيْنِ [النَّحْلِ:٩٥،٩٦]، ومِن قَوْلِهِ: " ﴿وَإنْ عاقَبْتُمْ﴾ . . . " إلى آخِرِها [النَّحْلِ:١٢٦] . وقالَ ابْنُ السّائِبِ: هي مَكِّيَّةٌ إلّا خَمْسَ آياتٍ: " ﴿والَّذِينَ هاجَرُوا في اللَّهِ مِن بَعْدِ ما ظُلِمُوا﴾ . . . " الآيَةُ [النَّحْلِ:٤١]، وقَوْلُهُ: " ﴿ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِن بَعْدِ ما فُتِنُوا﴾ . . . . " الآيَةُ [النَّحْلِ:١١٠] وقَوْلُهُ: " ﴿وَإنْ عاقَبْتُمْ. . . .﴾ إلى آخِرِها [النَّحْلِ:١٢٦] . وقالَ مُقاتِلٌ: مَكِّيَّةٌ إلّا سَبْعَ آياتٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا﴾ . . . " الآيَةُ [النَّحْلِ:١١٠]، وقَوْلُهُ: " ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مَن بَعْدِ إيمانِهِ﴾ . . . . " الآيَةُ [النَّحْلِ:١٠٦]، وقَوْلُهُ: " ﴿والَّذِينَ هاجَرُوا في اللَّهِ﴾ . . . " الآيَةُ [النَّحْلِ:٤١]، وقَوْلُهُ: " ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً﴾ . . . . " الآيَةُ [النَّحْلِ:١١٢]، وقَوْلُهُ: (p-٤٢٦)" ﴿وَإنْ عاقَبْتُمْ﴾ إلى آخِرِها [النَّحْلِ:١٢٦] . قالَ جابِرُ بْنُ زَيْدٍ: أُنْزِلَ مِن أوَّلِ النَّحْلِ أرْبَعُونَ آيَةً بِمَكَّةَ وبَقِيَّتُها بِالمَدِينَةِ. ورَوى حَمّادٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قالَ: كانَ يُقالُ لِلنَّحْلِ: سُورَةُ النِّعَمِ؛ يُرِيدُ لِكَثْرَةِ تَعْدادِ النِّعَمِ فِيها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ بِالإمالَةِ. سَبَبُ نُزُولِها: أنَّهُ لَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ﴾ [القَمَرِ:١]، فَقالَ الكُفّارُ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: إنَّ هَذا يَزْعُمُ أنَّ القِيامَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، فَأمْسِكُوا عَنْ بَعْضِ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ حَتّى نَنْظُرَ، فَلَمّا رَأوْا أنَّهُ لا يَنْزِلُ شَيْءٌ؛ قالُوا: ما نَرى شَيْئًا ! فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى ﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ﴾ [الأنْبِياءِ:١] فَأشْفَقُوا، وانْتَظَرُوا قُرْبَ السّاعَةِ، فَلَمّا امْتَدَّتِ الأيّامُ قالُوا: يا مُحَمَّدُ ما نَرى شَيْئًا مِمّا تُخَوِّفُنا بِهِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ﴾ فَوَثَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ورَفَعَ النّاسُ رُؤُوسَهم، فَنَزَلَ: ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ فاطْمَأنُّوا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. (p-٤٢٧)وَفِي قَوْلِهِ: ﴿أتى﴾ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أتى بِمَعْنى: يَأْتِي، كَما يُقالُ أتاكَ الخَيْرُ فَأبْشِرْ، أيْ: سَيَأْتِيكَ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وشاهِدُهُ: ﴿وَنادى أصْحابُ الجَنَّةِ﴾ [الأعْرافِ:٤٤]، ﴿وَإذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى﴾ [المائِدَةِ:١١٦] ونَحْوُ ذَلِكَ. والثّانِي: أتى بِمَعْنى: قَرُبَ، قالَ الزَّجّاجُ: أعْلَمَ اللَّهُ تَعالى أنَّ ذَلِكَ في قُرْبِهِ بِمَنزِلَةِ ما قَدْ أتى. والثّالِثُ: أنْ " أتى " لِلْماضِي، والمَعْنى: أتى بَعْضُ عَذابِ اللَّهِ، وهو: الجَدْبُ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ، والجُوعُ. ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ فَيَنْزِلَ بِكم مُسْتَقْبَلًا كَما نَزَلَ ماضِيًا، قالَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. وَفِي المُرادِ: بِـ " أمْرِ اللَّهِ " خَمْسَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّها السّاعَةُ، وقَدْ يَخْرُجُ عَلى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ الَّذِي قَدَّمْناهُ، وبِهِ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّانِي: خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، رَواهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، يَعْنِي: أنَّ خُرُوجَهُ مِن أماراتِ السّاعَةِ. وَقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: أتى أمْرُ اللَّهِ مِن أشْراطِ السّاعَةِ، فَلا تَسْتَعْجِلُوا قِيامَ السّاعَةِ. والثّالِثُ: أنَّهُ الأحْكامُ والفَرائِضُ، قالَهُ الضَّحّاكُ. والرّابِعُ: عَذابُ اللَّهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. والخامِسُ: وعِيدُ المُشْرِكِينَ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ أيْ: لا تَطْلُبُوهُ قَبْلَ حِينِهِ، " سُبْحانَهُ " أيْ: تَنْزِيهٌ لَهُ وبَراءَةٌ مِنَ السُّوءِ عَمّا يُشْرِكُونَ بِهِ مِنَ الأصْنامِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُنَـزِّلُ المَلائِكَةَ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو: " يُنْـزِلُ " (p-٤٢٨)بِإسْكانِ النُّونِ وتَخْفِيفِ الزّايِ. وقَرَأ نافِعٌ، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: " يُنَـزِّلُ " بِالتَّشْدِيدِ، ورَوى الكِسائِيُّ عَنْ أبِي بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: " تُنَـزَّلُ " بِالتّاءِ مَضْمُومَةً وفَتْحِ الزّايِ مُشَدَّدَةً. " المَلائِكَةُ " رَفْعٌ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُرِيدُ بِالمَلائِكَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ وحْدَهُ. وَفِي المُرادِ بِالرُّوحِ سِتَّةُ أقْوالٍ: أحَدُها: الوَحْيُ، رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ النُّبُوَّةُ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّ المَعْنى: تَنْـزِلُ المَلائِكَةُ بِأمْرِهِ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. فَعَلى هَذا يَكُونُ المَعْنى: أنَّ أمْرَ اللَّهِ كُلَّهُ رُوحٌ. قالَ [الزَّجّاجُ]: الرُّوحُ ما كانَ فِيهِ مِن أمْرِ اللَّهِ حَياةُ النُّفُوسِ بِالإرْشادِ. والرّابِعُ: أنَّهُ الرَّحْمَةُ، قالَهُ الحَسَنُ، وقَتادَةُ. والخامِسُ: أنَّهُ أرْواحُ الخَلْقِ: لا يَنْـزِلُ مَلَكٌ إلّا ومَعَهُ رُوحٌ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والسّادِسُ: أنَّهُ القُرْآنُ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. فَعَلى هَذا سَمّاهُ رُوحًا، لِأنَّ الدِّينَ يَحْيا بِهِ، كَما أنَّ الرُّوحَ تُحْيِي البَدَنَ. وقالَ بَعْضُهم: الباءُ في قَوْلِهِ: " بِالرُّوحِ " بِمَعْنى: مَعَ، فالتَّقْدِيرُ: مَعَ الرُّوحِ، " مِن أمْرِهِ " أيْ: بِأمْرِهِ، " عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ " يَعْنِي: الأنْبِياءَ، ﴿أنْ أنْذِرُوا﴾ قالَ الزَّجّاجُ: والمَعْنى: أنْذِرُوا أهْلَ الكُفْرِ والمَعاصِي ﴿أنَّهُ لا إلَهَ إلا أنا﴾ أيْ: مُرُوهم بِتَوْحِيدِي، وقالَ غَيْرُهُ: أنْذِرُوا بِأنَّهُ لا إلْهَ إلّا أنا، أيْ: مُرُوهم بِالتَّوْحِيدِ مَعَ تَخْوِيفِهِمْ إنْ لَمْ يُقِرُّوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب