الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً﴾ في هَذِهِ القَرْيَةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها مَكَّةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والجُمْهُورُ، وهو الصَّحِيحُ. والثّانِي: أنَّها قَرْيَةٌ أوْسَعَ اللَّهُ عَلى أهْلِها حَتّى كانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالخُبْزِ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الجُوعَ حَتّى كانُوا يَأْكُلُونَ ما يَقْعُدُونَ، قالَهُ الحَسَنُ. فَأمّا ما يُرْوى عَنْ (p-٥٠٠)حَفْصَةَ أنَّها قالَتْ: هي المَدِينَةُ، فَذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، لا عَلى وجْهِ التَّفْسِيرِ، وبَيانُهُ ما رَوى سَلِيمُ بْنُ عَنْزٍ، قالَ: صَدَرْنا مِنَ الحَجِّ مَعَ حَفْصَةَ، وعُثْمانُ مَحْصُورٌ بِالمَدِينَةِ، فَرَأتْ راكِبَيْنِ فَسَألَتْهُما عَنْهُ، فَقالا: قُتِلَ، فَقالَتْ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّها لَلْقَرْيَةُ، تَعْنِي المَدَينَةَ الَّتِي قالَ اللَّهُ تَعالى في كِتابِهِ: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً﴾، تَعْنِي حَفْصَةُ: أنَّها كانَتْ عَلى قانُونِ الِاسْتِقامَةِ في أيّامِ النَّبِيِّ ﷺ وأبِي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، ﴿فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللَّهِ﴾ عِنْدَ قَتْلِ عُثْمانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ومَعْنى ﴿كانَتْ آمِنَةً﴾ أيْ: ذاتُ أمْنٍ يَأْمَنُ فِيها أهْلُها أنْ يُغارَ عَلَيْهِمْ، " مُطْمَئِنَّةً " أيْ: ساكِنَةً بِأهْلِها لا يَحْتاجُونَ إلى الِانْتِقالِ عَنْها لِخَوْفٍ أوْ ضِيقٍ. وقَدْ شَرَحْنا مَعْنى الرَّغَدِ في (البَقَرَةِ:٣٥،٥٨) . وَقَوْلُهُ: ﴿مِن كُلِّ مَكانٍ﴾ أيْ: يُجْلَبُ إلَيْها مِن كُلِّ بَلَدٍ، وذَلِكَ كُلُّهُ بِدَعْوَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، ﴿فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللَّهِ﴾ بِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ . وَفِي واحِدِ الأنْعُمِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ واحِدَها " نُعْمٌ " قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّانِي: " نِعْمَةٌ " قالَهُ الزَّجّاجُ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَيْسَ قَوْلُ مَن قالَ: هو جَمْعُ " نِعْمَةٍ " بِشَيْء، لِأنَّ " فِعْلَةً " لا تُجْمَعُ عَلى " أفْعُلٍ "، وإنَّما هو جَمْعُ " نُعْمٍ "، يُقالُ: يَوْمٌ نُعْمٌ، ويَوْمٌ بُؤْسٌ، ويُجْمَعُ " أنْعُمًا "، و " أبْؤُسًا " . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأذاقَها اللَّهُ لِباسَ الجُوعِ والخَوْفِ﴾ ورَوى عَبِيدُ بْنُ عَقِيلٍ، وعَبْدُ الوارِثِ عَنْ أبِي عَمْرِو: " والخَوْفَ " بِنَصْبِ الفاءِ. وأصْلُ الذَّوْقِ إنَّما هو بِالفَمِ، وهَذا اسْتِعارَةٌ مِنهُ، وقَدْ شَرَحْنا هَذا المَعْنى في (آلِ عِمْرانَ:١٠٦،١٨٥) . وإنَّما ذُكِرَ اللِّباسُ هاهُنا تَجَوُّزًا، لِما يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِن أثَرِ الجُوعِ والخَوْفِ، فَهو كَقَوْلِهِ: ﴿وَلِباسُ التَّقْوى﴾ [الأعْرافِ:٢٦] وذَلِكَ لِما يَظْهَرُ عَلى المُتَّقِي مِن أثَرِ (p-٥٠١)التَّقْوى. قالَ المُفَسِّرُونَ: عَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِالجُوعِ سَبْعَ سِنِينَ حَتّى أكَلُوا الجِيَفَ والعِظامَ المُحْتَرِقَةَ. فَأمّا الخَوْفُ، فَهو خَوْفُهم مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ومِن سَراياهُ الَّتِي كانَ يَبْعَثُها حَوْلَهم. والكَلامُ َفي هَذِهِ الآيَةِ خَرَجَ عَلى القَرْيَةِ، والمُرادُ أهْلُها، ولِذَلِكَ قالَ: ﴿بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ يَعْنِي بِهِ: بِتَكْذِيبِهِمْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وإخْراجِهِمْ إيّاهُ وما هَمُّوا بِهِ مِن قَتْلِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب