الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَعَلى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ القَصْدُ: اسْتِقامَةُ الطَّرِيقِ، يُقالُ: طَرِيقٌ قَصْدٌ وقاصِدٌ: إذا قَصَدَ بِكَ ما تُرِيدُ. قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: وعَلى اللَّهِ تَبْيِينُ الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ، والدُّعاءُ إلَيْهِ بِالحُجَجِ والبُرْهانِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِنها جائِرٌ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: السَّبِيلُ لَفْظُهُ لَفْظُ الواحِدِ، وهو في مَوْضِعِ الجَمِيعِ، فَكَأنَّهُ قالَ: ومِنَ السُّبُلِ سَبِيلٌ جائِرٌ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: لَمّا ذَكَرَ السَّبِيلَ، دَلَّ عَلى السُّبُلِ، فَلِذَلِكَ قالَ: ﴿وَمِنها جائِرٌ﴾ كَما دَلَّ الحَدَثانِ عَلى الحَوادِثِ في قَوْلِ العَبْدِيِّ: ؎ ولا يَبْقى عَلى الحَدَثانِ حَيٌّ فَهَلْ يَبْقى عَلَيْهِنَّ السِّلامُ أرادَ: فَهَلْ يَبْقى عَلى الحَوادِثِ، والسِّلامُ: الصُّخُورُ، قالَ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إنَّما قالَ: ﴿وَمِنها﴾ لِأنَّ السَّبِيلَ تُؤَنَّثُ وتُذَكَّرُ، فالمَعْنى: مِنَ السَّبِيلِ جائِرٌ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: المَعْنى: ومِنَ الطُّرُقِ جائِرٌ لا يَهْتَدُونَ فِيهِ، والجائِرُ: العادِلُ عَنِ (p-٤٣٣)القَصْدِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ومِنها جائِرُ الأهْواءِ المُخْتَلِفَةِ. وقالَ ابْنُ المُبارَكِ: الأهْواءُ والبِدَعُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ يَعْنِي: المَطَرَ ﴿لَكم مِنهُ شَرابٌ﴾ وهو ما تَشْرَبُونَهُ، ﴿وَمِنهُ شَجَرٌ﴾ ذَكَرَ ابْنُ الأنْبارِيِّ في مَعْناهُ قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: ومِنهُ سَقْيُ شَجَرٍ، وشُرْبُ شَجَرٍ، فَخَلَفَ المُضافُ إلَيْهِ المُضافَ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَأُشْرِبُوا في قُلُوبِهِمُ العِجْلَ﴾ [البَقَرَةِ:٩٣] . والثّانِي: أنَّ المَعْنى: ومِن جِهَةِ الماءِ شَجَرٌ، ومِن سَقْيِهِ شَجَرٌ، ومِن ناحِيَتِهِ شَجَرٌ، فَحُذِفَ الأوَّلُ، وخَلَفَهُ الثّانِي، قالَ زُهَيْرٌ: ؎ [لِمَنِ الدِّيارُ بِقُنَّةِ الحِجْرِ] . . . . ∗∗∗ أقْوَيْنَ مِن حُجَجٍ ومِن شَهْرِ أيْ: مِن مَمَرِّ حُجَجٍ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: والمُرادُ بِهَذِهِ الشَّجَرِ: المَرْعى. وقالَ الزَّجّاجُ: كُلُّ ما نَبَتَ عَلى الأرْضِ فَهو شَجَرٌ، قالَ الشّاعِرُ يَصِفُ الخَيْلَ: ؎ يَعْلِفُها اللَّحْمَ إذا عَزَّ الشَّجَرُ ∗∗∗ والخَيْلُ في إطْعامِها اللَّحْمَ ضَرَرُ يَعْنِي: أنَّهم يَسْقُونَ الخَيْلَ اللَّبَنَ إذا أجْدَبَتِ الأرْضُ. و ﴿تُسِيمُونَ﴾ بِمَعْنى: تَرْعَوْنَ، يُقالُ: سامَتِ الإبِلُ فَهي سائِمَةٌ: إذا رَعَتْ، وإنَّما أخَذَ ذَلِكَ مِنَ السُّومَةِ، وهي: العَلامَةُ، وتَأْوِيلُها: أنَّها تُؤَثِّرُ في الأرْضِ بِرَعْيِها عَلاماتٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُنْبِتُ لَكم بِهِ الزَّرْعَ﴾ ورَوى أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: " نُنْبِتُ " بِالنُّونِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُرِيدُ الحُبُوبَ، وما بَعْدَ هَذا ظاهِرٌ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأمْرِهِ﴾ قالَ الأخْفَشُ: المَعْنى: وجَعَلَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ، (p-٤٣٤)فَجازَ إضْمارُ فِعْلٍ غَيْرِ الأوَّلِ، لِأنَّ هَذا المُضْمَرَ في المَعْنى مِثْلُ المَظْهَرِ، وقَدْ تَفْعَلُ العَرَبُ أشَدَّ مِن هَذا، قالَ الرّاجِزُ: ؎ تَسَمَعُ في أجْوافِهِنَّ صَرَدًا ∗∗∗ وفي اليَدَيْنِ جُسْأةً وبَدَدا المَعْنى: وتَرى في اليَدَيْنِ. والجُسْأةُ: اليَبَسُ. والبَدَدُ: السَّعَةُ. وقالَ غَيْرُهُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُسَخَّراتٌ﴾ حالٌ مُؤَكِّدَةٌ، لِأنَّ تَسْخِيرَها قَدْ عُرِفَ بِقَوْلِهِ تَعالى: " وسَخَّرَ " . وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ: والشَّمْسُ والقَمَرُ والنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ، رَفْعًا كُلَّهُ، ورَوى حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: بِالنَّصْبِ كالجُمْهُورِ، إلّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ﴾ فَإنَّهُ رَفَعَها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب