الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا كَفَيْناكَ المُسْتَهْزِئِينَ﴾ المَعْنى: فاصْدَعْ بِأمْرِي كَما كَفَيْتُكَ المُسْتَهْزِئِينَ، وهم قَوْمٌ كانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وبِالقُرْآنِ. وفي عَدَدِهِمْ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهم كانُوا خَمْسَةً: الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ، وأبُو زَمْعَةَ، والأسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، والعاصُ بْنُ وائِلٍ، والحارِثُ بْنُ قَيْسٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. واسْمُ أبِي زَمْعَةَ: الأسْوَدُ بْنُ المُطَّلِبِ. وكَذَلِكَ ذَكَرَهم سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، إلّا أنَّهُ قالَ مَكانَ الحارِثِ بْنِ قَيْسٍ: الحارِثَ بْنَ غَيْطَلَةَ، قالَ الزُّهْرِيُّ: غَيْطَلَةُ أُمُّهُ، وقَيْسٌ أبُوهُ، فَهو واحِدٌ. وإنَّما ذَكَرْتُ ذَلِكَ، لِئَلّا يُظَنُّ أنَّهُ غَيْرُهُ. وقَدْ ذَكَرْتُ في كِتابِ " التَّلْقِيحِ " مَن يُنْسَبُ إلى أُمِّهِ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ ومَن بَعْدَهم، وسَمَّيْتُ آباءَهم لِيُعْرَفُوا إلى أيِّ الأبَوَيْنِ نُسِبُوا. وفي رِوايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مَكانَ الحارِثِ بْنِ قَيْسٍ: عَدِيُّ بْنُ قَيْسٍ. والثّانِي: أنَّهم كانُوا سَبْعَةً، قالَهُ الشَّعْبِيُّ، وابْنُ أبِي بَزَّةَ، وعَدَّهُمُ ابْنُ أبِي بَزَّةَ، فَقالَ: العاصُ بْنُ وائِلٍ، والوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ، والحارِثُ بْنُ عَدِيٍّ، والأسْوَدُ بْنُ المُطَّلِبِ، والأسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وأصْرَمُ وبُعْكُكُ ابْنا عَبْدِ الحارِثِ بْنِ السَّبّاقِ. (p-٤٢٢)وَكَذَلِكَ عَدَّهم مُقاتِلٌ، إلّا أنَّهُ قالَ مَكانَ الحارِثِ بْنِ عَدِيٍّ: الحارِثَ بْنَ قَيْسٍ السَّهْمِيَّ، وقالَ: أصْرَمُ وبُعْكُكُ ابْنا الحَجّاجِ بْنِ السَّبّاقِ. ذِكْرُ ما أهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِهِ وكَفى رَسُولَهُ ﷺ أمْرَهُمْ قالَ المُفَسِّرُونَ: «أتى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، والمُسْتَهْزِئُونَ يَطُوفُونَ بِالبَيْتِ، فَمَرَّ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ، فَقالَ جِبْرِيلُ: يا مُحَمَّدُ، كَيْفَ تَجِدُ هَذا ؟ فَقالَ: " بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ "، قالَ: قَدْ كُفِيتَ، وأوْمَأ إلى ساقِ الوَلِيدِ، فَمَرَّ الوَلِيدُ بِرَجُلٍ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ، فَتَعَلَّقَتْ شَظْيَةٌ مِن نَبْلٍ بِإزارِهِ، فَمَنَعَهُ الكِبْرُ أنْ يُطامِنَ لِيَنْزِعَها، وجَعَلَتْ تَضْرِبُ ساقَهُ، فَمَرِضَ وماتَ. وقِيلَ: تَعَلَّقَ سَهْمٌ بِثَوْبِهِ فَأصابَ أُكْحَلَهُ فَقَطَعَهُ، فَماتَ. ومَرَّ العاصُ بْنُ وائِلٍ، فَقالَ جِبْرِيلُ: كَيْفَ تَجِدُ هَذا يا مُحَمَّدُ ؟ فَقالَ: " بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ " فَأشارَ إلى أخْمَصِ رِجْلِهِ، وقالَ: قَدْ كُفِيتَ، فَدَخَلَتْ شَوْكَةٌ في أخْمَصِهِ، فانْتَفَخَتْ رِجْلُهُ وماتَ. ومَرَّ الأسْوَدُ بْنُ المُطَّلِبِ، فَقالَ: كَيْفَ تَجِدُ هَذا ؟ قالَ: " عَبْدُ سُوءٍ " فَأشارَ بِيَدِهِ إلى عَيْنَيْهِ، فَعَمِيَ وهَلَكَ. وقِيلَ: جَعَلَ يَنْطَحُ بِرَأْسِهِ الشَّجَرَ ويَضْرِبُ وجْهَهُ بِالشَّوْكِ، فاسْتَغاثَ بِغُلامِهِ، فَقالَ: لا أرى أحَدًا يَصْنَعُ بِكَ هَذا غَيْرَ نَفْسِكَ، فَماتَ وهو يَقُولُ: قَتَلَنِي رَبُّ مُحَمَّدٍ. ومَرَّ الأسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، فَقالَ جِبْرِيلُ: كَيْفَ تَجِدُ هَذا ؟ فَقالَ: " بِئْسَ عَبْدُ اللهِ "، فَقالَ: قَدْ كُفِيتَ، وأشارَ إلى بَطْنِهِ، فَسَقى بَطْنُهُ، فَماتَ. وقِيلَ: أصابَ عَيْنَهُ شَوْكٌ، فَسالَتْ حَدَقَتاهُ. وقِيلَ: خَرَجَ عَنْ أهْلِهِ فَأصابَهُ السَّمُومُ، فاسْوَدَّ حَتّى عادَ حَبَشِيًّا، فَلَمّا أتى أهْلَهُ لَمْ يَعْرِفُوهُ، فَأغْلَقُوا دُونَهُ الأبْوابَ حَتّى ماتَ. (p-٤٢٣)وَمَرَّ بِهِ الحارِثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقالَ: كَيْفَ تَجِدُ هَذا ؟ قالَ: " عَبْدُ سُوءٍ " فَأوْمَأ إلى رَأْسِهِ، وقالَ: قَدْ كُفِيتَ، فانْتَفَخَ رَأْسُهُ فَماتَ، وقِيلَ: أصابَهُ العَطَشُ، فَلَمْ يَزَلْ يَشْرَبُ الماءَ حَتّى انْقَدَّ بَطْنُهُ. وأمّا أصْرَمُ وبُعْكُكُ، فَقالَ مُقاتِلٌ: أخَذَتْ أحَدَهُما الدُّبَيْلَةُ والآخَرَ ذاتُ الجَنْبِ، فَماتا جَمِيعًا» . قالَ عِكْرِمَةُ: هَلَكَ المُسْتَهْزِئُونَ قَبْلَ بَدْرٍ. وقالَ ابْنُ السّائِبِ: أُهْلِكُوا جَمِيعًا في يَوْمٍ ولَيْلَةٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ التَّكْذِيبُ. والثّانِي: الِاسْتِهْزاءُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: قُلْ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. والثّانِي: فَصَلِّ بِأمْرِ رَبِّكَ، قالَهُ مُقاتِلٌ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: مِنَ المُصَلِّينَ. والثّانِي: مِنَ المُتَواضِعِينَ، رُوِيا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ المَوْتُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، والجُمْهُورُ. وسُمِّيَ يَقِينًا، لِأنَّهُ مُوقَنٌ بِهِ. وقالَ الزَّجّاجُ: مَعْنى الآيَةِ: اعْبُدْ رَبَّكَ أبَدًا، ولَوْ قِيلَ: اعْبُدْ رَبَّكَ، بِغَيْرِ تَوْقِيتٍ، لَجازَ إذا عَبَدَ الإنْسانُ مَرَّةً أنْ يَكُونَ مُطِيعًا، فَلَمّا قالَ: ﴿حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ أُمِرَ بِالإقامَةِ عَلى العِبادَةِ ما دامَ حَيًّا. (p-٤٢٤)والثّانِي: أنَّهُ الحَقُّ الَّذِي لا رَيْبَ فِيهِ مِن نَصْرِكَ عَلى أعْدائِكَ، حَكاهُ الماوَرْدِيُّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب