الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَما أنْزَلْنا عَلى المُقْتَسِمِينَ﴾ في هَذِهِ الكافِ قَوْلانِ:
(p-٤١٧)أحَدُهُما: أنَّها مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعًا مِنَ المَثانِي﴾ . ثُمَّ في مَعْنى الكَلامِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ المَعْنى: ولَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعًا مِنَ المَثانِي، كَما أنْزَلْنا الكُتُبَ عَلى المُقْتَسِمِينَ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّانِي: أنَّ المَعْنى: ولَقَدْ شَرَّفْناكَ وكَرَّمْناكَ بِالسَّبْعِ المَثانِي، كَما شَرَّفْناكَ وأكْرَمْناكَ بِالَّذِي أنْزَلْناهُ عَلى المُقْتَسِمِينَ مِنَ العَذابِ، والكافُ بِمَعْنى " مِثْلٍ "، و " ما " بِمَعْنى " الَّذِي " ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ.
والثّانِي: أنَّها مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿إنِّي أنا النَّذِيرُ﴾ والمَعْنى: إنِّي أنا النَّذِيرُ، أنْذَرْتُكم مِثْلَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلى المُقْتَسِمِينَ مِنَ العَذابِ، وهَذا مَعْنى قَوْلِ الفَرّاءِ. فَخَرَجَ في مَعْنى " أنْزَلْنا " قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنْزَلْنا الكُتُبَ، عَلى قَوْلِ مُقاتِلٍ. والثّانِي: العَذابُ، عَلى قَوْلِ الفَرّاءِ.
وَفِي " المُقْتَسِمِينَ " ثَلاثَةُ أقْوالٍ:
أحَدُها: أنَّهُمُ اليَهُودُ والنَّصارى، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ. فَعَلى هَذا، في تَسْمِيَتِهِمْ بِالمُقْتَسِمِينَ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهم آمَنُوا بِبَعْضِ القُرْآنِ، وكَفَرُوا بِبَعْضِهِ، رَواهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُمُ اقْتَسَمُوا القُرْآنَ، فَقالَ بَعْضُهم: هَذِهِ السُّورَةُ لِي، وقالَ آخَرُ: هَذِهِ السُّورَةُ لِي، اسْتِهْزاءً بِهِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. والثّالِثُ: أنَّهُمُ اقْتَسَمُوا كُتُبَهم، فَآمَنَ بَعْضُهم بِبَعْضِها وكَفَرَ بِبَعْضِها، وآمَنَ آخَرُونَ بِما كَفَرَ بِهِ غَيْرُهم، قالَهُ مُجاهِدٌ.
والثّانِي: أنَّهم مُشْرِكُو قُرَيْشٍ، قالَهُ قَتادَةُ، وابْنُ السّائِبِ. فَعَلى هَذا، في تَسْمِيَتِهِمْ بِالمُقْتَسِمِينَ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ أقْوالَهم تَقَسَّمَتْ في القُرْآنِ، فَقالَ بَعْضُهم: إنَّهُ سِحْرٌ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ كِهانَةٌ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ أساطِيرُ الأوَّلِينَ، مِنهُمُ الأسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، والوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ، وعَدِيُّ بْنُ قَيْسٍ السَّهْمِيُّ، والعاصُ (p-٤١٨)بْنُ وائِلٍ، قالَهُ قَتادَةُ. والثّانِي: أنَّهُمُ اقْتَسَمُوا عَلى عِقابِ مَكَّةَ، قالَ ابْنُ السّائِبِ: هم رَهْطٌ مِن أهْلِ مَكَّةَ اقْتَسَمُوا عَلى عِقابِ مَكَّةَ حِينَ حَضَرَ المَوْسِمُ، قالَ لَهُمُ الوَلِيدُ ابْنُ المُغِيرَةِ: انْطَلِقُوا فَتَفَرَّقُوا عَلى عِقابِ مَكَّةَ حَيْثُ يَمُرُّ بِكم أهْلُ المَوْسِمِ، فَإذا سَألُوكم عَنْهُ، يَعْنِي: رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَلْيَقُلْ بَعْضُكم: كاهِنٌ، وبَعْضُكم: ساحِرٌ، وبَعْضُكم: شاعِرٌ، وبَعْضُكم: غاوٍ، فَإذا انْتَهَوْا إلَيَّ صَدَّقْتُكم، ومِنهم حَنْظَلَةُ بْنُ أبِي سُفْيانَ، وعُتْبَةُ وشَيْبَةُ ابْنا رَبِيعَةَ، والوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ، وأبُو جَهْلٍ، والعاصُ بْنُ هِشامٍ، وأبُو قَيْسِ بْنُ الوَلِيدِ، وقَيْسُ بْنُ الفاكِهِ، وزُهَيْرُ بْنُ أبِي أُمَيَّةَ، وهِلالُ بْنُ عَبْدِ الأسْوَدِ، والسّائِبُ بْنُ صَيْفِيٍّ، والنَّضْرُ بْنُ الحارِثِ، وأبُو البَخْتَرِيِّ بْنُ هِشامٍ، وزَمْعَةُ بْنُ الحَجّاجِ، وأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وأوْسُ بْنُ المُغِيرَةِ.
والثّالِثُ: أنَّهم قَوْمُ صالِحٍ الَّذِينَ تَقاسَمُوا بِاللَّهِ: ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ وأهْلَهُ﴾ [النَّمْلِ:٤٩]، فَكَفاهُ اللَّهُ شَرَّهم، قالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ. فَعَلى هَذا، هو مِنَ القَسَمِ، لا مِنَ القِسْمَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ﴾ في المُرادِ بِالقُرْآنِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ كِتابُنا، وهو الأظْهَرُ، وعَلَيْهِ الجُمْهُورُ. والثّانِي: أنَّ المُرادَ بِهِ: كُتُبُ المُتَقَدِّمِينَ قَبْلَنا.
وَفِي " عِضِينَ " قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الأعْضاءِ. قالَ الكِسائِيُّ، وأبُو عُبَيْدَةَ: اقْتَسَمُوا بِالقُرْآنِ وجَعَلُوهُ أعْضاءً. ثُمَّ في ما فَعَلُوا فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهم عَضَّوْهُ أعْضاءً، فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ، وكَفَرُوا بِبَعْضِهِ، والمُعْضِي: المُفَرِّقُ. والتَّعْضِيَةُ: تَجْزِئَةُ الذَّبِيحَةِ أعْضاءً. قالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: لا تَعْضِيَةَ في مِيراثٍ، أرادَ: تَفْرِيقَ ما يُوجِبُ تَفْرِيقُهُ ضَرَرًا عَلى الوَرَثَةِ كالسَّيْفِ ونَحْوِهِ. وقالَ رُؤْبَةُ:
(p-٤١٩)وَلَيْسَ دَيْنُ اللَّهِ بِالمُعَضّى
وَهَذا المَعْنى في رِوايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أنَّهم عَضَّوْا القَوْلَ فِيهِ، أيْ: فَرَّقُوا، فَقالُوا: شِعْرٌ، وقالُوا: سِحْرٌ، وقالُوا: كِهانَةٌ، وقالُوا: أساطِيرُ الأوَّلِينَ، وهَذا المَعْنى في رِوايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجاهِدٍ، وبِهِ قالَ قَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ.
والثّانِي: أنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ العَضَهِ. والعَضَهُ، بِلِسانِ قُرَيْشٍ: السِّحْرُ، ويَقُولُونَ لِلسّاحِرَةِ: عاضِهَةٌ. وفي الحَدِيثِ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَعَنَ العاضِهَةَ والمُسْتَعْضِهَةَ»، فَيَكُونُ المَعْنى: جَعَلُوهُ سِحْرًا، وهَذا المَعْنى في رِوايَةِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ عِكْرِمَةُ، والفَرّاءُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهم أجْمَعِينَ﴾ ﴿عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ هَذا سُؤالُ تَوْبِيخٍ، يُسْألُونَ عَمّا عَمِلُوا في ما أُمِرُوا بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ والإيمانِ، فَيُقالُ لَهم: لِمَ عَصَيْتُمْ وتَرَكْتُمُ الإيمانَ ؟ فَتَظْهَرُ فَضِيحَتُهم عِنْدَ تَعَذُّرِ الجَوابِ. قالَ أبُو العالِيَةِ: يُسْألُ العِبادُ كُلُّهم يَوْمَ القِيامَةِ عَنْ خَلَّتَيْنِ: عَمّا كانُوا يَعْبُدُونَ، وعَمّا أجابُوا المُرْسَلِينَ.
فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الآيَةِ، وبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جانٌّ﴾ [الرَّحْمَنِ:٣٩] ؟ فَعَنْهُ جَوابانِ:
(p-٤٢٠)أحَدُهُما: أنَّهُ لا يَسْألُهم: هَلْ عَمِلْتُمْ كَذا ؟ لِأنَّهُ أعْلَمُ، وإنَّما يَقُولُ: لِمَ عَمِلْتُمْ كَذا ؟ رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أنَّهم يُسْألُونَ في بَعْضِ مَواطِنِ القِيامَةِ، ولا يُسْألُونَ في بَعْضِها، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
{"ayahs_start":90,"ayahs":["كَمَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَى ٱلۡمُقۡتَسِمِینَ","ٱلَّذِینَ جَعَلُوا۟ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِینَ","فَوَرَبِّكَ لَنَسۡـَٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ","عَمَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"],"ayah":"عَمَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











