الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿رُبَما﴾ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ " رُبَّما " مُشَدَّدَةً. وقَرَأ نافِعٌ، وعاصِمٌ، وعَبْدُ الوارِثِ " رُبَما " بِالتَّخْفِيفِ. قالَ الفَرّاءُ: أسَدٌ وتَمِيمٌ يَقُولُونَ: " رُبَّما " بِالتَّشْدِيدِ، وأهْلُ الحِجازِ وكَثِيرٌ مِن قَيْسٍ يَقُولُونَ: " رُبَّما " بِالتَّخْفِيفِ. وتَيْمُ الرَّبابِ يَقُولُونَ: " رَبَّما " بِفَتْحِ الرّاءِ. وقِيلَ: إنَّما قُرِئَتْ بِالتَّخْفِيفِ، لِما فِيها مِنَ التَّضْعِيفِ، والحُرُوفُ (p-٣٨٠)المُضاعَفَةُ قَدْ تُحْذَفُ، نَحْوُ " إنَّ " و " لَكِنَّ " فَإنَّهم قَدْ خَفَّفُوها. قالَ الزَّجّاجُ: يَقُولُونَ: رُبَّ رَجُلٍ جاءَنِي، ورُبَ رَجُلٍ جاءَنِي، وأنْشَدَ:
؎ أزُهَيْرُ إنْ يَشِبِ القَذالُ فَإنِنِي رُبَ هَيْضَلٍ مَرْسٍ لَفَفْتُ بِهَيْضَلِ
هَذا البَيْتُ لِأبِي كَبِيرٍ الهُذَلِيِّ، وفي دِيوانِهِ:
رُبَ هَيْضَلٍ لَجِبٍ لَفَفْتُ بِهَيْضَلِ
والهَيْضَلُ: جَمْعُ هَيْضَلَةٍ، وهي الجَماعَةُ يُغْزى بِهِمْ، يَقُولُ: لَفَفْتُهم بِأعْدائِهِمْ في القِتالِ. و " رُبَّ " كَلِمَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّقْلِيلِ، كَما أنَّ " كَمْ " لِلتَّكْثِيرِ، وإنَّما زِيدَتْ " ما " مَعَ " رُبَّ " لِيَلِيَها الفِعْلُ، تَقُولُ: رُبَّ رَجُلٍ جاءَنِي، ورُبَّما جاءَنِي زَيْدٌ. وقالَ الأخْفَشُ: أُدْخِلَ مَعَ " رُبَّ " ما، لِيُتَكَلَّمَ بِالفِعْلِ بَعْدَها، وإنْ شِئْتَ جَعَلْتَ " ما " بِمَنزِلَةِ " شَيْءٍ "، فَكَأنَّكَ قُلْتَ: رُبَّ شَيْءٍ، أيْ: رُبَّ ودٍّ يَوَدُّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا. وقالَ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ: " ما " هاهُنا بِمَعْنى " حِينٍ " فالمَعْنى: رُبَّ حِينٍ يَوَدُّونَ فِيهِ.
واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ مَتى يَقَعُ هَذا مِنَ الكُفّارِ، عَلى قَوْلَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ في الآخِرَةِ. ومَتى يَكُونُ ذَلِكَ ؟ فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ إذا اجْتَمَعَ أهْلُ النّارِ في النّارِ ومَعَهم مَن شاءَ اللَّهُ مِن أهْلِ القِبْلَةِ، قالَ الكُفّارُ لِلْمُسْلِمِينَ: ألَمْ تَكُونُوا مُسْلِمِينَ ؟ قالُوا: بَلى، قالُوا: فَما أغْنى عَنْكم إسْلامُكم، وقَدْ صِرْتُمْ مَعَنا في النّارِ ؟ قالُوا: كانَتْ لَنا ذُنُوبٌ فَأُخِذْنا بِها؛ فَسَمِعَ اللَّهُ ما قالُوا، فَأمَرَ بِمَن كانَ في النّارِ مِن أهْلِ القِبْلَةِ فَأُخْرِجُوا، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ الكَفّارُ، قالُوا: يا لَيْتَنا كُنّا مُسْلِمِينَ فَنُخْرَجَ كَما أُخْرِجُوا، رَواهُ أبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، (p-٣٨١)وَذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةٍ وأنَسُ بْنُ مالِكٍ، ومُجاهِدٌ، وعَطاءٌ، وأبُو العالِيَةِ، وإبْراهِيمُ. والثّانِي: أنَّهُ ما يَزالُ اللَّهُ يَرْحَمُ ويَشْفَعُ حَتّى يَقُولَ: مَن كانَ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلْيَدْخُلِ الجَنَّةَ، فَذَلِكَ حِينَ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ، رَواهُ مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّ الكُفّارَ إذا عايَنُوا القِيامَةَ، ودُّوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ، ذَكَرَهُ الزَّجّاجُ. والرّابِعُ: أنَّهُ كُلَّما رَأى أهْلُ الكُفْرِ حالًا مِن أحْوالِ القِيامَةِ يُعَذَّبُ فِيها الكافِرُ ويَسْلَمُ مِن مَكْرُوهِها المُؤْمِنُ، ودُّوا ذَلِكَ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ في الدُّنْيا، إذا عايَنُوا وتَبَيَّنَ لَهُمُ الضَّلالُ مِنَ الهُدى وعَلِمُوا مَصِيرَهم، ودُّوا ذَلِكَ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
فَإنْ قِيلَ: إذا قُلْتُمْ: إنَّ " رُبَّ " لِلتَّقْلِيلِ، وهَذِهِ الآيَةُ خارِجَةٌ مُخْرَجَ الوَعِيدِ، فَإنَّما يُناسِبُ الوَعِيدَ تَكْثِيرُ ما يُتَواعَدُ بِهِ، فَعَنْهُ ثَلاثَةُ أجْوِبَةٍ ذَكَرَهُما ابْنُ الأنْبارِيِّ:
أحَدُهُنَّ: أنَّ " رُبَّما " تَقَعُ عَلى التَّقْلِيلِ والتَّكْثِيرِ، كَما يَقَعُ النّاهِلُ عَلى العَطْشانِ والرَّيّانِ، والجَوْنُ عَلى الأسْوَدِ والأبْيَضِ.
والثّانِي: أنَّ أهْوالَ القِيامَةِ وما يَقَعُ بِهِمْ مِنَ الأهْوالِ تَكْثُرُ عَلَيْهِمْ، فَإذا عادَتْ إلَيْهِمْ عُقُولُهم، ودُّوا ذَلِكَ.
(p-٣٨٢)والثّالِثُ: أنَّ هَذا الَّذِي خُوِّفُوا بِهِ، لَوْ كانَ مِمّا يُوَدُّ في حالٍ واحِدَةٍ مِن أحْوالِ العَذابِ، أوْ كانَ الإنْسانُ يَخافُ النَّدَمَ إذا حَصَلَ فِيهِ ولا يَتَيَقَّنُهُ، لَوَجَبَ عَلَيْهِ اجْتِنابُهُ.
فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ جاءَ بَعْدَ " رُبَّما " مُسْتَقْبَلٌ، وسَبِيلُها أنْ يَأْتِيَ بَعْدَها الماضِي، تَقُولُ: رُبَّما لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ ؟
فالجَوابُ: أنَّ ما وعَدَ اللَّهُ حَقٌّ، فَمُسْتَقْبَلُهُ بِمَنزِلَةِ الماضِي، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿وَإذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [المائِدَةِ:١١٦] وقَوْلُهُ: ﴿وَنادى أصْحابُ الجَنَّةِ﴾ [الأعْرافِ:٤٤] ﴿وَلَوْ تَرى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ﴾ [سَبَإٍ:٥١]، عَلى أنَّ الكِسائِيَّ والفَرّاءَ حَكَيا عَنِ العَرَبِ أنَّهم يَقُولُونَ: رُبَّما يَنْدَمُ فُلانٌ، قالَ الشّاعِرُ:
؎ رُبَّما تَجْزَعُ النُّفُوسُ مِنَ الأمْـ ∗∗∗ ـرِ لَهُ فُرْجَةٌ كَحَلِّ العِقالِ
{"ayah":"رُّبَمَا یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ كَانُوا۟ مُسۡلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق