الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أعْمالُهم كَرَمادٍ﴾ قالَ الفَرّاءُ: أضافَ المَثَلَ إلَيْهِمْ، وإنَّما المَثَلُ لِلْأعْمالِ، فالمَعْنى: مَثَلُ أعْمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا. ومِثْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ القِيامَةِ تَرى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى اللَّهِ وُجُوهُهم مُسْوَدَّةٌ﴾ [الزُّمَرِ:٦٠]، أيْ: تَرى وُجُوهَهم. وجَعَلَ العُصُوفَ تابِعًا لِلْيَوْمِ في إعْرابِهِ، وإنَّما العُصُوفُ لِلرِّيحِ، وذَلِكَ جائِزٌ عَلى جِهَتَيْنِ: إحْداهُما أنَّ العُصُوفَ، وإنْ كانَ لِلرِّيحِ، فَإنَّ اليَوْمَ يُوصَفُ بِهِ، لِأنَّ الرِّيحَ فِيهِ تَكُونُ، فَجازَ أنْ تَقُولَ: يَوْمٌ عاصِفٌ، كَما تَقُولُ: يَوْمٌ بارِدٌ، ويَوْمٌ حارٌّ. والوَجْهُ الآخَرُ: أنْ تُرِيدَ: في يَوْمٍ عاصِفِ الرِّيحِ، فَتَحْذِفَ الرِّيحَ، لِأنَّها قَدْ ذُكِرَتْ في أوَّلِ الكَلامِ، كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎ ويُضْحِكُ عِرْفانُ الدُّرُوعِ جُلُودَنا إذا كانَ يَوْمٌ مُظْلِمُ الشَّمْسِ كاسِفُ (p-٣٥٥)يُرِيدُ: كاسِفَ الشَّمْسِ. ورُوِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أنَّهُ قالَ: في هَذِهِ الآيَةِ إضْمارٌ، والمَعْنى: ومِمّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا، ثُمَّ ابْتَدَأ فَقالَ: ﴿أعْمالُهم كَرَمادٍ﴾ . وقَرَأ النَّخَعِيُّ، وابْنُ يَعْمَرَ، والجَحْدَرِيُّ: ﴿فِي يَوْمٍ عاصِفٍ﴾ بِغَيْرِ تَنْوِينِ اليَوْمِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: ومَعْنى الآيَةِ: أنَّ كُلَّ ما يَتَقَرَّبُ بِهِ المُشْرِكُونَ يُحْبَطُ ولا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، كالرَّمادِ الَّذِي سَفَتْهُ الرِّيحُ فَلا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ مِنهُ، فَهم لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا في الدُّنْيا عَلى شَيْءٍ في الآخِرَةِ، أيْ: لا يَجِدُونَ ثَوابَهُ، ﴿ذَلِكَ هو الضَّلالُ البَعِيدُ﴾ مِنَ النَّجاةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب