الباحث القرآني
(p-٣٢١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ يَعْنِي: المَطَرَ ﴿فَسالَتْ أوْدِيَةٌ﴾ وهي جَمْعُ وادٍ، وهو كُلُّ مُنْفَرَجٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ يَجْتَمِعُ إلَيْهِ ماءُ المَطَرِ فَيَسِيلُ ﴿بِقَدَرِها﴾ أيْ: بِمَبْلَغِ ما تَحْمِلُ، فَإنْ صَغُرَ الوادِي، قَلَّ الماءُ، وإنْ هو اتَّسَعَ، كَثُرَ. وقَرَأ الحَسَنُ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وأبُو العالِيَةِ، وأيُّوبُ، وابْنُ يَعْمَرَ، وأبُو حاتِمٍ عَنْ يَعْقُوبَ: " بِقَدَرِها " بِإسْكانِ الدّالِ. وقَوْلُهُ: ﴿فَسالَتْ أوْدِيَةٌ﴾ تَوَسُّعٌ في الكَلامِ، والمَعْنى: سالَتْ مِياهُها، فَحُذِفَ المُضافُ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿بِقَدَرِها﴾ أيْ: بِقَدَرِ مِياهِها. ﴿فاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رابِيًا﴾ أيْ: عالِيًا فَوْقَ الماءِ، فَهَذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ. ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا آخَرَ، فَقالَ: " ومِمّا تُوقِدُونَ عَلَيْهِ في النّارِ " قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: " تُوقِدُونَ عَلَيْهِ " بِالتّاءِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ بِالياءِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: مَن قَرَأ بِالتّاءِ، فَلِما قَبْلَهُ مِنَ الخِطابِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿أفاتَّخَذْتُمْ﴾، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خِطابًا عامًّا لِلْكافَّةِ، ومَن قَرَأ بِالياءِ فَلِأنَّ ذِكْرَ الغَيْبَةِ قَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿أمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ﴾ .
(p-٣٢٢)وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: " ومِمّا تُوقِدُونَ عَلَيْهِ " ما يَدْخُلُ إلى النّارِ فَيُذابُ مِنَ الجَواهِرِ " ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ " يَعْنِي: الذَّهَبَ والفِضَّةَ ﴿أوْ مَتاعٍ﴾ يَعْنِي: الحَدِيدَ والصُّفْرَ والنُّحاسَ والرُّصاصَ تُتَّخَذُ مِنهُ الأوانِي والأشْياءُ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِها، ﴿زَبَدٌ مِثْلُهُ﴾ أيْ: لَهُ زَبَدٌ إذا أُذِيبَ مِثْلَ زَبَدٍ السَّيْلِ، فَهَذا مَثَلٌ آخَرُ.
وَفِيما ضُرِبَ لَهُ هَذانِ المَثَلانِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ:
أحَدُها: أنَّهُ القُرْآنُ، شَبَّهَ نُزُولَهُ مِنَ السَّماءِ بِالماءِ، وشَبَّهَ قُلُوبَ العِبادِ بِالأوْدِيَةِ تَحْمِلُ مِنهُ عَلى قَدْرِ اليَقِينِ والشَّكِّ، والعَقْلِ والجَهْلِ، فَيَسْتَكِنُّ فِيها، فَيَنْتَفِعُ المُؤْمِنُ بِما في قَلْبِهِ كانْتِفاعِ الأرْضِ الَّتِي يَسْتَقِرُّ فِيها المَطَرُ، ولا يَنْتَفِعُ الكافِرُ بِالقُرْآنِ لِمَكانِ شَكِّهِ وكُفْرِهِ، فَيَكُونُ ما حَصَلَ عِنْدَهُ مِنَ القُرْآنِ كالزَّبَدِ وكَخَبَثِ الحَدِيدِ لا يُنْتَفَعُ بِهِ.
والثّانِي: أنَّهُ الحَقُّ والباطِلُ، فالحَقُّ شُبِّهَ بِالماءِ الباقِي الصّافِي، والباطِلُ مُشَبَّهٌ بِالزَّبَدِ الذّاهِبِ، فَهو وإنْ عَلا عَلى الماءِ فَإنَّهُ سَيُمْحَقُ، كَذَلِكَ الباطِلُ، وإنْ ظَهَرَ عَلى الحَقِّ في بَعْضِ الأحْوالِ، فَإنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ.
والثّالِثُ: أنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ والكافِرِ، فَمَثَلُ المُؤْمِنِ واعْتِقادِهِ وعَمَلِهِ كالماءِ المُنْتَفِعِ بِهِ، ومَثَلُ الكافِرِ واعْتِقادِهِ وعَمَلِهِ كالزَّبَدِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ: كَما ذُكِرَ هَذا، يَضْرِبُ اللَّهُ مَثَلَ الحَقِّ والباطِلِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: كَذَلِكَ يُمَثِّلُ اللَّهُ الحَقَّ ويُمَثِّلُ الباطِلَ.
فَأمّا الجُفاءُ، فَقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هو ما رَمى بِهِ الوادِي إلى جَنَباتِهِ، يُقالُ: أجَفَأتِ القِدْرُ بِزَبَدِها: إذا ألْقَتْهُ عَنْها. قالَ ابْنُ فارِسٍ: الجُفاءُ: ما نَفاهُ السَّيْلُ، ومِنهُ اشْتِقاقُ الجَفاءِ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: ﴿جُفاءً﴾ أيْ: بالِيًا مُتَفَرِّقًا. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إذا مُسَّ الزَّبَدُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا.
(p-٣٢٣)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ﴾ مِنَ الماءِ والجَواهِرِ الَّتِي زالَ زَبَدُها ﴿فَيَمْكُثُ في الأرْضِ﴾ فَيُنْتَفَعُ بِهِ ﴿كَذَلِكَ﴾ يَبْقى الحَقُّ لِأهْلِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ﴾ يَعْنِي: المُؤْمِنِينَ، ﴿والَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ﴾ يَعْنِي: الكُفّارَ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: اسْتَجَبْتُ لَكَ واسْتَجَبْتُكَ سَواءٌ، وهو بِمَعْنى: أجَبْتُ.
وَفِي الحُسْنى ثَلاثَةُ أقْوالٍ:
أحَدُها: أنَّها الجَنَّةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والجُمْهُورُ. والثّانِي: أنَّها الحَياةُ والرِّزْقُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: كُلُّ خَيْرٍ مِنَ الجَنَّةِ فَما دُونَها، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لافْتَدَوْا بِهِ﴾ أيْ: لَجَعَلُوهُ فِداءَ أنْفُسِهِمْ مِنَ العَذابِ، ولا يُقْبَلُ مِنهم. وفي سُوءِ الحِسابِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ:
أحَدُها: أنَّها المُناقَشَةُ بِالأعْمالِ، رَواهُ أبُو الجَوْزاءِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ النَّخَعِيُّ: هو أنْ يُحاسَبَ بِذَنْبِهِ كُلِّهِ، فَلا يُغْفَرُ لَهُ مِنهُ شَيْءٌ.
والثّانِي: أنْ لا تُقْبَلَ مِنهم حَسَنَةٌ، ولا يُتَجاوَزُ لَهم عَنْ سَيِّئَةٍ.
والثّالِثُ: أنَّهُ التَّوْبِيخُ والتَّقْرِيعُ عِنْدَ الحِسابِ.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَسَالَتۡ أَوۡدِیَةُۢ بِقَدَرِهَا فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّیۡلُ زَبَدࣰا رَّابِیࣰاۖ وَمِمَّا یُوقِدُونَ عَلَیۡهِ فِی ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَاۤءَ حِلۡیَةٍ أَوۡ مَتَـٰعࣲ زَبَدࣱ مِّثۡلُهُۥۚ كَذَ ٰلِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَـٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَیَذۡهَبُ جُفَاۤءࣰۖ وَأَمَّا مَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَیَمۡكُثُ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَ ٰلِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ","لِلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِینَ لَمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡا۟ بِهِۦۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ"],"ayah":"لِلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِینَ لَمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡا۟ بِهِۦۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق