الباحث القرآني

(p-٢٥٧)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا جَهَّزَهم بِجَهازِهِمْ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: أوْفى لَهُمُ الكَيْلَ، وحَمَلَ لِـ " بِنْيامِينَ " بَعِيرًا بِاسْمِهِ كَما حَمَلَ لَهم، وجَعَلَ السِّقايَةَ في رَحْلِ أخِيهِ، وهي الصُّواعُ، فَهُما اسْمانِ واقِعانِ عَلى شَيْءٍ واحِدٍ، كالبُرِّ والحِنْطَةِ، والمائِدَةِ والخُوانِ. وقالَ بَعْضُهم: الِاسْمُ الحَقِيقِيُّ: الصُّواعُ، والسِّقايَةُ وصْفٌ، كَما يُقالُ: كُوزٌ، وإناءٌ، فالِاسْمُ الخاصُّ: الكُوزُ. قالَ المُفَسِّرُونَ: جَعَلَ يُوسُفُ ذَلِكَ الصّاعَ مِكْيالًا لِئَلّا يُكالَ بِغَيْرِهِ. وقِيلَ: كالَ لِإخْوَتِهِ بِذَلِكَ، إكْرامًا لَهم. قالُوا: ولَمّا ارْتَحَلَ إخْوَةُ يُوسُفَ وأمْعَنُوا، أرْسَلَ الطَّلَبَ في أثَرِهِمْ، فَأُدْرِكُوا وحُبِسُوا، " ثُمَّ أذَّنَ مُؤَذِّنٌ " قالَ الزَّجّاجُ: أعْلَمَ مُعْلِمٌ، يُقالُ: آذَنَتْهُ بِالشَّيْءِ، فَهو مُؤْذَنٌ بِهِ، أيْ: أعْلَمْتُهُ، وآذَنْتُ: أكْثَرْتُ الإعْلامَ بِالشَّيْءِ، يَعْنِي: أنَّهُ إعْلامٌ بَعْدَ إعْلامٍ. " أيَّتُها العِيرُ " يُرِيدُ: أهْلَ العِيرِ، فَأنَّثَ لِأنَّهُ جَعَلَها لِلْعِيرِ. قالَ الفَرّاءُ: لا يُقالُ: عِيرٌ، إلّا لِأصْحابِ الإبِلِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: العِيرُ الإبِلُ المَرْحُولَةُ المَرْكُوبَةُ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: العِيرُ: القَوْمُ عَلى الإبِلِ. فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ جازَ لِيُوسُفَ أنْ يُسَرِّقَ مَن لَمْ يَسْرِقْ ؟ فَعَنْهُ أرْبَعَةُ أجْوِبَةٍ: أحَدُها: أنَّ المَعْنى: إنَّكم لَسارِقُونَ يُوسُفَ حِينَ قَطَعْتُمُوهُ عَنْ أبِيهِ وطَرَحْتُمُوهُ في الجُبِّ، قالَهُ الزَّجّاجُ. (p-٢٥٨)والثّانِي: أنَّ المُنادِيَ نادى وهو لا يَعْلَمُ أنَّ يُوسُفَ أمَرَ بِوَضْعِ السِّقايَةِ في رَحْلِ أخِيهِ، فَكانَ غَيْرَ كاذِبٍ في قَوْلِهِ، قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. والثّالِثُ: أنَّ المُنادِيَ نادى بِالتَّسْرِيقِ لَهم بِغَيْرِ أمْرِ يُوسُفَ. والرّابِعُ: أنَّ المَعْنى: إنَّكم لَسارِقُونَ فِيما يَظْهَرُ لِمَن لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ أخْبارِكم، كَقَوْلِهِ: ﴿ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾ [الدُّخانِ:٤٩] أيْ: عِنْدَ نَفْسِكَ، لا عِنْدَنا، وقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: " «كَذَبَ إبْراهِيمُ ثَلاثَ كَذَباتٍ» " أيْ: قالَ قَوْلًا يُشْبِهُ الكَذِبَ، ولَيْسَ بِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا﴾ يَعْنِي: إخْوَةَ يُوسُفَ ﴿وَأقْبَلُوا عَلَيْهِمْ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: عَلى المُؤَذِّنِ وأصْحابِهِ. والثّانِي: أقْبَلَ المُنادِي ومَن مَعَهُ عَلى إخْوَةِ يُوسُفَ بِالدَّعْوى. ﴿ماذا تَفْقِدُونَ﴾ ما الَّذِي ضَلَّ عَنْكم ؟ " قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ المَلِكِ " قالَ الزَّجّاجُ: الصُّواعُ هو الصّاعُ بِعَيْنِهِ، وهو يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وكَذَلِكَ الصّاعُ يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ. وقَدْ قُرِئَ: " صُياعَ " بِياءٍ، وقُرِئَ: " صَوْغَ " بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، وقُرِئَ: " صَوْعَ " بِعَيْنٍ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ مَعَ فَتْحِ الصّادِ، وضَمِّها، وقَرَأ أبُو هُرَيْرَةَ: " صاعَ المَلِكِ " وكُلُّ هَذِهِ لُغاتٌ تَرْجِعُ إلى مَعْنًى واحِدٍ، إلّا أنَّ الصَّوْغَ، بِالغَيْنِ المُعْجَمَةِ، مَصْدَرُ صُغْتُ، وُصِفَ الإناءُ بِهِ، لِأنَّهُ كانَ مَصُوغًا مِن ذَهَبٍ. واخْتَلَفُوا في جِنْسِهِ عَلى خَمْسَةِ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ كانَ قَدَحًا مِن زَبَرْجَدٍ. والثّانِي: أنَّهُ كانَ مِن نُحاسٍ، رُوِيا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّهُ كانَ شَرْبَةً مِن فِضَّةٍ مُرَصَّعَةٍ بِالجَوْهَرِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. (p-٢٥٩)والرّابِعُ: كانَ كَأْسًا مِن ذَهَبٍ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. والخامِسُ: كانَ مِن مِسٍّ، حَكاهُ الزَّجّاجُ. وَفِي صِفَتِهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ كانَ مُسْتَطِيلًا يُشْبِهُ المَكُّوكَ. والثّانِي: أنَّهُ كانَ يُشْبِهُ الطّاسَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِمَن جاءَ بِهِ﴾ يَعْنِي الصُّواعَ ﴿حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ مِنَ الطَّعامِ ﴿وَأنا بِهِ زَعِيمٌ﴾ أيْ: كَفِيلٌ لِمَن رَدَّهُ بِالحِمْلِ، يَقُولُهُ المُؤَذِّنُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب