الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ قائِلٌ مِنهُمْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ يَهُوذا، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ وهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، (p-١٨٥)والسُّدِّيُّ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: أنَّهُ شَمْعُونُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: رُوبِيلُ، قالَهُ قَتادَةُ، وابْنُ إسْحاقَ. فَأمّا غَيابَةُ الجُبِّ، فَقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهو غَيابَةُ، والجُبُّ: الرَّكْيَةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ. وقالَ الزَّجّاجُ: الغَيابَةُ: كُلُّ ما غابَ عَنْكَ، أوْ غَيَّبَ شَيْئًا عَنْكَ، قالَ المُنَخِّلُ: ؎ فَإنْ أنا يَوْمًا غَيَّبَتْنِي غَيابَتِي فَسِيرُوا بِسَيْرِي في العَشِيرَةِ والأهْلِ والجُبِّ: البِئْرُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ؛ سُمِّيَتْ جُبًّا مِن أجْلٍ أنَّها قُطِعَتْ قَطْعًا، ولَمْ يَحْدُثْ فِيها غَيْرُ القَطْعِ مِن طَيٍّ وما أشْبَهَهُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: " في غَيابَةِ الجُبِّ " أيْ: في ظُلُماتِهِ. وقالَ الحَسَنُ: في قَعْرِهِ. وقَرَأ نافِعٌ: " غَياباتِ الجُبِّ " فَجُعِلَ كُلٌّ مِنهُ غَيابَةً. ورَوى خارِجَةُ عَنْ نافِعٍ: " غَيّاباتِ " بِتَشْدِيدِ الياءِ. وقَرَأ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، ومُجاهِدٌ: " غَيْبَةِ الجُبِّ " بِغَيْرِ ألِفٍ مَعَ إسْكانِ الياءِ. وأيْنَ كانَ هَذا الجُبُّ، فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: بِأرْضِ الأُرْدُنِ، قالَهُ وهْبٌ. وقالَ مُقاتِلٌ: هو بِأرْضِ الأُرْدُنِ عَلى ثَلاثِ فَراسِخَ مِن مَنزِلِ يَعْقُوبَ. والثّانِي: بِبَيْتِ المَقْدِسِ، قالَهُ قَتادَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يَأْخُذْهُ بَعْضُ مَن يَسِيرُ. ﴿إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ﴾ أيْ: إنْ أضْمَرْتُمْ لَهُ ما تُرِيدُونَ. وأكْثَرُ القُرّاءِ قَرَؤُوا " يَلْتَقِطْهُ " بِالياءِ. وقَرَأ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ بِالتّاءِ. قالَ الزَّجّاجُ: وجَمِيعُ النَّحْوِيِّينَ يُجِيزُونَ ذَلِكَ، لِأنَّ بَعْضَ السَّيّارَةِ سَيّارَةٌ، فَكَأنَّهُ قالَ: تَلْتَقِطُهُ سَيّارَةُ بَعْضِ السَّيّارَةِ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: مَن قَرَأ بِالتّاءِ فَقَدْ أنَّثَ فِعْلَ بَعْضٍ، وبَعْضٌ مُذَكَّرٌ، وإنَّما فَعَلَ ذَلِكَ حَمْلًا عَلى المَعْنى، إذِ التَّأْوِيلُ: تَلْتَقِطْهُ السَّيّارَةُ، قالَ الشّاعِرُ: ؎ رَأتْ مَرَّ السِّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي ∗∗∗ كَما أخَذَ السِّرارُ مِنَ الهِلالِ (p-١٨٦)أرادَ: رَأتِ السِّنِينَ، وقالَ الآخَرُ: ؎ طُولُ اللَّيالِي أسْرَعَتْ في نَقْضِي ∗∗∗ طَوَيْنَ طُولِي وطَوَيْنَ عَرْضِي أرادَ: اللَّيالِي أسْرَعَتْ، وقالَ جَرِيرٌ: ؎ لَمّا أتى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَواضَعَتْ ∗∗∗ سُورُ المَدِينَةِ والجِبالُ الخُشَّعُ أرادَ: تَواضَعَتِ المَدِينَةُ، وقالَ الآخَرُ: ؎ وتَشْرَقُ بِالقَوْلِ الَّذِي قَدْ أذَعْتُهُ ∗∗∗ كَما شَرِقَتْ صَدْرُ القَناةِ مِنَ الدَّمِ أرادَ: كَما شَرِقَتِ القَناةُ. قالَ المُفَسِّرُونَ: فَلَمّا عَزَمَ القَوْمُ عَلى كَيْدِ يُوسُفَ، قالُوا لِأبِيهِ: ﴿ما لَكَ لا تَأْمَنّا﴾ قَرَأ الجَماعَةُ " تَأْمَنّا " بِفَتْحِ المِيمِ وإدْغامِ النُّونِ الأوْلى في الثّانِيَةِ والإشارَةِ إلى إعْرابِ النُّونِ المُدْغَمَةِ بِالضَّمِّ؛ قالَ مَكِّيٌّ: لِأنَّ الأصْلَ " تَأْمَنُنا " ثُمَّ أُدْغِمَتِ النُّونُ الأُولى، وبَقِيَ الإشْمامُ يَدُلُّ عَلى ضَمَّةِ النُّونِ الأُولى. والإشْمامُ: هو ضَمُّ شَفَتَيْكَ مِن غَيْرِ صَوْتٍ يُسْمَعُ، فَهو بَعْدَ الإدْغامِ وقَبْلَ فَتْحِهِ النُّونَ الثّانِيَةَ. وابْنُ كَيْسانَ يُسَمِّي الإشْمامَ الإشارَةَ، ويُسَمِّي الرَّوْمَ إشْمامًا؛ والرَّوْمُ: صَوْتٌ ضَعِيفٌ يُسْمَعُ خَفِيًّا. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ " تَأْمَنّا " بِفَتْحِ النُّونِ مِن غَيْرِ إشْمامٍ إلى إعْرابِ المُدْغَمِ. وقَرَأ الحَسَنُ " مالَكَ لا تَأْمُنّا " بِضَمِّ المِيمِ. وقَرَأ ابْنُ مِقْسَمٍ " تَأْمَنُنا " بِنُونَيْنِ (p-١٨٧)عَلى الأصْلِ، والمَعْنى: مالَكَ لا تَأْمَنّا عَلى يُوسُفَ فَتُرْسِلَهُ مَعَنا، فَإنَّهُ قَدْ كَبُرَ ولا يَعْلَمُ شَيْئًا مِن أمْرِ المَعاشِ ﴿وَإنّا لَهُ لَناصِحُونَ﴾ فِيما أشَرْنا بِهِ عَلَيْكَ؛ ﴿أرْسِلْهُ مَعَنا غَدًا﴾ إلى الصَّحْراءِ. وقالَ مُقاتِلٌ: في الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، وذَلِكَ أنَّهم قالُوا لَهُ: أرْسَلْهُ مَعَنا، فَقالَ: إنِّي لَيَحْزُنُنِي أنْ تَذْهَبُوا بِهِ، فَقالُوا: مالَكَ لا تَأْمَنّا. قَوْلُهُ تَعالى: " نَرْتَعْ ونَلْعَبْ " قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو عَمْرٍو " نَرْتَعْ ونَلْعَبْ " بِالنُّونِ فِيهِما، والعَيْنُ ساكِنَةٌ؛ وافَقَهم زَيْدٌ عَنْ يَعْقُوبَ في " نَرْتَعْ " فَحَسْبُ. وَفِي مَعْنى " نَرْتَعْ " ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: نَلْهُ، قالَهُ الضَّحّاكُ. والثّانِي: نَسْعَ، قالَهُ قَتادَةُ. والثّالِثُ: نَأْكُلْ؛ يُقالُ: رَتَعَتِ الإبِلُ: إذا رَعَتْ، وأرْتَعْتُها: إذا تَرَكْتُها تَرْعى. قالَ الشّاعِرُ: ؎ وحَبِيبٍ لِي إذا لاقَيْتُهُ ∗∗∗ وإذا يَخْلُو لَهُ لَحْمِي رَتَعْ أيْ: أكَلَهُ، هَذا قَوْلُ ابْنِ الأنْبارِيِّ، وابْنِ قُتَيْبَةَ. وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ﴿يَرْتَعْ ويَلْعَبْ﴾ بِالياءِ فِيهِما وجَزْمِ العَيْنِ والباءِ، يَعْنُونَ " يُوسُفَ " . وقَرَأ نافِعٌ: " نَرْتَعِ " بِكَسْرِ العَيْنِ مَن " نَرْتَعْ " مِن غَيْرِ بُلُوغٍ إلى الياءِ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: ومَعْناها نَتَحارَسُ، ويَرْعى بَعْضُنا بَعْضًا، أيْ: يَحْفَظُ؛ ومِنهُ يُقالُ: رَعاكَ اللَّهُ، أيْ: حَفِظَكَ. وقَدْ رُوِيَتْ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أيْضًا " نَرْتَعِي " بِإثْباتِ ياءٍ بَعْدَ العَيْنِ في الوَصْلِ والوَقْفِ. وقَرَأ أنَسٌ، وأبُو رَجاءٍ " نُرْتِعْ " بِنُونٍ مَرْفُوعَةٍ وكَسْرِ التّاءِ وسُكُونِ العَيْنِ، و " نَلْعَبْ " بِالنُّونِ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: أيْ: نُرْتِعْ إبِلَنا. فَأمّا قَوْلُهُ: " ونَلْعَبْ " فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَلْهُو. (p-١٨٨)فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ يَعْقُوبُ ذِكْرَ اللَّعِبِ ؟ فالجَوابُ مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهم لَمْ يَكُونُوا حِينَئِذٍ أنْبِياءَ، قالَهُ أبُو عَمْرِو ابْنِ العَلاءِ. والثّانِي: أنَّهم عَنَوْا مُباحَ اللَّعِبِ، قالَهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنِّي لَيَحْزُنُنِي أنْ تَذْهَبُوا بِهِ﴾ أيْ: يُحْزِنُنِي ذَهابُكم بِهِ، لِأنَّهُ يُفارِقُنِي فَلا أراهُ. ﴿وَأخافُ أنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ: " الذِّئْبُ " بِالهَمْزِ في الثَّلاثَةِ المَواضِعِ. وقَرَأ الكِسائِيُّ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ بِغَيْرِ هَمْزٍ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: " الذِّئْبُ " مَهْمُوزٌ في الأصْلِ. يُقالُ: تَذاءَبَتِ الرِّيحُ: إذا جاءَتْ مِن كُلِّ جِهَةٍ كَما يَأْتِي الذِّئْبُ. وَفِي عِلَّةِ تَخْصِيصِ الذِّئْبِ بِالذِّكْرِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ رَأى في مَنامِهِ أنَّ الذِّئْبَ شَدَّ عَلى يُوسُفَ، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّ أرْضَهم كانَتْ كَثِيرَةَ الذِّئابِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّالِثُ: أنَّهُ خافَهم عَلَيْهِ فَكَنّى بِذِكْرِ الذِّئْبِ، قالَهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: غافِلُونَ في اللَّعِبِ. والثّانِي: مُشْتَغِلُونَ بِرَعِيَّتِكم. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَئِنْ أكَلَهُ الذِّئْبُ ونَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ أيْ: جَماعَةٌ نَرى الذِّئْبَ قَدْ قَصَدَهُ ولا نَرُدُّ عَنْهُ ﴿إنّا إذًا لَخاسِرُونَ﴾ أيْ: عاجِزُونَ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: ومَن قَرَأ " عُصْبَةً " بِالنَّصْبِ، فَتَقْدِيرُهُ: ونَحْنُ نَجْتَمِعُ عُصْبَةً.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب