الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألا إنَّهم يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها خَمْسَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّها نَزَلَتْ في الأخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، وكانَ يُجالِسُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ويَحْلِفُ إنَّهُ لِيُحِبُّهُ، ويُضْمِرُ خِلافَ ما يُظْهِرُ لَهُ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآيَةُ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّها نَزَلَتْ في ناسٍ كانُوا يَسْتَحْيُونَ أنْ يُفْضُوا إلى السَّماءِ في الخَلاءِ ومُجامَعَةِ النِّساءِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ، رَواهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبّادٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّها نَزَلَتْ في بَعْضِ المُنافِقِينَ، كانَ إذا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثَنى صَدْرَهُ وظَهْرَهُ وطَأْطَأ رَأْسَهُ وغَطّى وجْهَهُ لِئَلّا يَراهُ رَسُولُ اللَّهِ، قالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدّادٍ. والرّابِعُ: أنَّ طائِفَةً مِنَ المُشْرِكِينَ قالُوا: إذا أغْلَقْنا أبْوابَنا وأرْخَيْنا سُتُورَنا (p-٧٧)واسْتَغْشَيْنا ثِيابَنا وثَنَيْنا صُدُورَنا عَلى عَداوَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، كَيْفَ يَعْلَمُ بِنا، فَأخْبَرَ اللَّهُ عَمّا كَتَمُوا، ذَكَرَهُ الزَّجّاجُ. والخامِسُ: أنَّها نَزَلَتْ في قَوْمٍ كانُوا لِشِدَّةِ عَداوَتِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إذا سَمِعُوا مِنهُ القُرْآنَ حَنَوْا صُدُورَهم، ونَكَّسُوا رُؤُوسَهم، وتَغَشَّوْا ثِيابَهم لِيَبْعُدَ عَنْهم صَوْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ولا يَدْخُلُ أسْماعَهم شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ يُقالُ: ثَنَيْتُ الشَّيْءَ إذا عَطَفْتَهَ وطَوَيْتَهَ. وفي مَعْنى الكَلامِ خَمْسَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: يَكْتُمُونَ ما فِيها مِنَ العَداوَةِ لِمُحَمَّدٍ ﷺ، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: يَثْنُونَ صُدُورَهم عَلى الكُفْرِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: يُحْنُونَها لِئَلّا يَسْمَعُوا كِتابَ اللَّهِ، قالَهُ قَتادَةُ. والرّابِعُ: يَثْنُونَها إذا ناجى بَعْضُهم بَعْضًا في أمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. والخامِسُ: يَثْنُونَها حَياءً مِنَ اللَّهِ تَعالى، وهو يَخْرُجُ عَلى ما حَكَيْنا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وكانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقْرَؤُها " ألا إنَّهم تَثْنَوْنِي صُدُورُهم " وفَسَّرَها أنَّ ناسًا كانُوا يَسْتَحْيُونَ أنْ يُفْضُوا إلى السَّماءِ في الخَلاءِ ومُجامَعَةِ النِّساءِ. فَتَثْنَوْنِي: تَفْعَوْعِلُ، وهو فِعْلٌ لِلصُّدُورِ، مَعْناهُ: المُبالَغَةُ في تَثَنِّي الصُّدُورِ، كَما تَقُولُ العَرَبُ: احْلَوْلى الشَّيْءُ، يَحْلَوْلِي: إذا بالَغُوا في وصْفِهِ بِالحَلاوَةِ، قالَ عَنْتَرَةُ ؎ ألا قاتَلَ اللَّهُ الطُّلُولَ البَوالِيا وقاتَلَ ذِكْراكَ السِّنِينَ الخَوالِيا ∗∗∗ (p-٧٨)وَقَوْلَكَ لِلشَّيْءِ الَّذِي لا تَنالُهُ ∗∗∗ إذا ما هو احْلَوْلى ألا لَيْتَ ذا لِيا فَعَلى هَذا القَوْلِ، هو في حَقِّ المُؤْمِنِينَ، وعَلى بَقِيَّةِ الأقْوالِ، هو في حَقِّ المُنافِقِينَ. وقَدْ خَرَجَ مِن هَذِهِ الأقْوالِ في مَعْنى ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ حَقِيقَةٌ في الصُّدُورِ. والثّانِي: أنَّهُ كِتْمانُ ما فِيها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَسْتَخْفُوا مِنهُ﴾ في هاءِ " مِنهُ " قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها تَرْجِعُ إلى اللَّهِ تَعالى. والثّانِي: إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: العَرَبُ تُدْخِلُ " ألا " تَوْكِيدًا وإيجابًا وتَنْبِيهًا. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: ﴿يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ﴾ أيْ: يَتَغَشَّوْنَها ويَسْتَتِرُونَ بِها. قالَ قَتادَةُ: أخْفى ما يَكُونُ ابْنُ آدَمَ، إذا حَنى ظَهْرَهُ، واسْتَغْشى ثِيابَهُ، وأضْمَرَ هَمَّهُ في نَفْسِهِ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: أعْلَمَ اللَّهُ أنَّهُ يَعْلَمُ سَرائِرَهم كَما يَعْلَمُ مُظْهَراتِهِمْ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ وقَدْ شَرَحْناهُ في (آلِ عِمْرانَ:١١٩) .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب