الباحث القرآني
(p-٢٢٦)سُورَةُ الهُمَزَةِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإجْماعِهِمْ
قالَ هِبَةُ اللَّهِ المُفَسِّرُ: وقَدْ قِيلَ: إنَّها مَدَنِيَّةٌ. واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ هَلْ نَزَلَتْ في حَقِّ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، أمْ نَزَلَتْ عامَّةً؟ عَلى قَوْلَيْنِ.
أحَدُهُما: نَزَلَتْ في حَقِّ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ.
ثُمَّ فِيهِ سِتَّةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: الأخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ السُّدِّيُّ، وابْنُ السّائِبِ.
والثّانِي: العاصُ بْنُ وائِلٍ السَّهْمِيُّ، قالَهُ عُرْوَةُ.
والثّالِثُ: جَمِيلُ بْنُ عامِرٍ، قالَهُ ابْنُ أبِي نُجَيْحٍ.
والرّابِعُ: الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، ومُقاتِلٌ.
والخامِسُ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ.
والسّادِسُ: أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، حَكاهُ الماوَرْدِيُّ.
(p-٢٢٧)والقَوْلُ الثّانِي: أنَّها نَزَلَتْ عامَّةً لا في شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ اخْتَلَفُوا في الهُمَزَةِ واللُّمَزَةِ هَلْ هُما بِمَعْنًى واحِدٍ، أمْ مُخْتَلِفانِ؟ عَلى قَوْلَيْنِ.
أحَدُهُما: أنَّهُما مُخْتَلِفانِ. ثُمَّ فِيهِما سَبْعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّ الهُمَزَةَ: المُغْتابُ، واللُّمَزَةَ: العَيّابُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أنَّ الهُمَزَةَ: الَّذِي يَهْمِزُ الإنْسانَ في وجْهِهِ. واللُّمَزَةَ: يَلْمِزُهُ إذا أدْبَرَ عَنْهُ، قالَهُ الحَسَنُ، وعَطاءٌ، وأبُو العالِيَةِ.
والثّالِثُ: أنَّ الهُمَزَةَ: الطَّعّانُ في النّاسِ، واللُّمَزَةَ: الطَّعّانُ في أنْسابِ النّاسِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
(p-٢٢٨)والرّابِعُ: أنَّ الهُمَزَةَ: بِالعَيْنِ، واللُّمَزَةَ: بِاللِّسانِ، قالَهُ قَتادَةُ.
والخامِسُ: أنَّ الهُمَزَةَ: الَّذِي يَهْمِزُ النّاسَ بِيَدِهِ ويَضْرِبُهُمْ، واللُّمَزَةَ: الَّذِي يَلْمِزُهم بِلِسانِهِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
والسّادِسُ: أنَّ الهُمَزَةَ: الَّذِي يَهْمِزُ بِلِسانِهِ، واللُّمَزَةَ: الَّذِي يَلْمِزُ بِعَيْنِهِ، قالَهُ سُفْيانٌ الثَّوْرِيُّ.
والسّابِعُ: أنَّ الهُمَزَةَ: المُغْتابُ، واللُّمَزَةَ: الطّاعِنُ عَلى الإنْسانِ في وجْهِهِ، قالَهُ مُقاتِلٌ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ الهُمَزَةَ: العَيّابُ الطَّعّانُ، واللُّمَزَةَ مِثْلُهُ. وأصْلُ الهَمْزِ واللَّمْزِ: الدَّفْعُ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وكَذَلِكَ قالَ الزَّجّاجُ: الهُمَزَةُ اللُّمَزَةُ: الَّذِي يَغْتابُ النّاسَ ويَغُضُّهم. قالَ الشّاعِرُ:
؎ إذا لَقِيتُكَ عَنْ كُرْهٍ تُكاشِرُنِي وإنْ تَغَيَّبْتُ كُنْتَ الهامِزَ اللُّمَزَهْ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِي جَمَعَ مالا﴾ قَرَأ أبُو جَعْفَرٍ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ، ورَوْحٌ: " جَمَّعَ " بِالتَّشْدِيدِ. والباقُونَ بِالتَّخْفِيفِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَعَدَّدَهُ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ بِتَشْدِيدِ الدّالِ. وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، والحَسَنُ، وابْنُ يَعْمَرَ بِتَخْفِيفِها.
(p-٢٢٩)وَلِلْمُفَسِّرِينَ في مَعْنى الكَلامِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أحْصى عَدَدَهُ، قالَهُ السُّدِّيُّ.
والثّانِي: أعَدَّهُ لِما يَكْفِيهِ في السِّنِينَ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. قالَ الزَّجّاجُ: مَن قَرَأ " عَدَّدَهُ " بِالتَّشْدِيدِ، فَمَعْناهُ: عَدَّدَهُ لِلدُّهُورِ. ومَن قَرَأ " عَدَدَهُ " بِالتَّخْفِيفِ، فَمَعْناهُ: جَمَعَ مالًا وعَدَدًا. أيْ: وقَوْمًا اتَّخَذَهم أنْصارًا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَحْسَبُ أنَّ مالَهُ أخْلَدَهُ﴾ أخْلَدَهُ بِمَعْنى يُخَلِّدُهُ، والمَعْنى: يَظُنُّ مالَهُ مانِعًا لَهُ مِنَ المَوْتِ، فَهو يَعْمَلُ عَمَلَ مَن لا يَظُنُّ أنَّهُ يَمُوتُ " كَلّا " أيْ: لا يُخَلِّدُهُ مالُهُ ولا يَبْقى لَهُ ﴿لَيُنْبَذَنَّ﴾ أيْ: لِيُطْرَحَنَّ ﴿فِي الحُطَمَةِ﴾ وهو اسْمٌ مِن أسْماءِ جَهَنَّمَ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّها تُحَطِّمُ ما يُلْقى فِيها، أيْ: تَكْسِرُهُ، فَهي تَكْسِرُ العَظْمَ بَعْدَ أكْلِها اللَّحْمَ. ويُقالُ لِلرَّجُلِ الأكُولِ: إنَّهُ لَحُطَمَةٌ. وقَرَأ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وعُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، والحَسَنُ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: " لَيُنْبَذانِّ " بِألِفٍ مَمْدُودَةٍ، وبِكَسْرِ النُّونِ، وتَشْدِيدِها، أيْ: هو ومالُهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّتِي تَطَّلِعُ عَلى الأفْئِدَةِ﴾ أيْ: تَأْكُلُ اللَّحْمَ والجُلُودَ حَتّى تَقَعَ عَلى الأفْئِدَةِ فَتُحْرِقُها. قالَ الفَرّاءُ: يَبْلُغُ ألَمُها الأفْئِدَةَ. والاطِّلاعُ والبُلُوغُ قَدْ يَكُونانِ بِمَعْنًى واحِدٍ، والعَرَبُ تَقُولُ: مَتّى طَلَعْتَ أرْضَنا؟ أيْ: بَلَغْتَ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: تَطَّلِعُ عَلى الأفْئِدَةِ، أيْ: تُوفِي عَلَيْها وتُشْرِفُ. وخَصَّ الأفْئِدَةَ، (p-٢٣٠)لِأنَّ الألَمَ إذا صارَ إلى الفُؤادِ ماتَ صاحِبُهُ، فَأخْبَرَ أنَّهم في حالِ مَن يَمُوتُ، وهم لا يَمُوتُونَ. وقَدْ ذَكَرْنا تَفْسِيرَ " المُؤْصَدَةِ " في سُورَةِ [البَلَدِ: ٢٠] .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي عَمَدٍ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ، وخَلَفٌ، والكِسائِيُّ، وعاصِمٌ، إلّا حَفْصًا بِضَمِّ العَيْنِ، وإسْكانِ المِيمِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: وهي أوْتادُ الأطْباقِ الَّتِي تُطْبِقُ عَلى أهْلِ النّارِ. و " في " بِمَعْنى الباءِ. والمَعْنى: مُطْبَقَةٌ بِعَمَدٍ. قالَ قَتادَةُ: وكَذَلِكَ هو في قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وقالَ مُقاتِلٌ: أُطْبِقَتِ الأبْوابُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ شُدَّتْ بِأوْتادٍ مِن حَدِيدٍ، حَتّى يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ غَمُّها وحَرُّها. و " مُمَدَّدَةٍ " صِفَةُ العَمَدِ، أيْ: أنَّها مَمْدُودَةٌ مُطَوَّلَةٌ، وهي أرْسَخُ مِنَ القَصِيرَةِ. وقالَ قَتادَةُ: هي عُمُدٌ يُعَذَّبُونَ بِها في النّارِ. وقالَ أبُو صالِحٍ: ﴿فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ قالَ: القُيُودُ الطِّوالُ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَیۡلࣱ لِّكُلِّ هُمَزَةࣲ لُّمَزَةٍ","ٱلَّذِی جَمَعَ مَالࣰا وَعَدَّدَهُۥ","یَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥۤ أَخۡلَدَهُۥ","كَلَّاۖ لَیُنۢبَذَنَّ فِی ٱلۡحُطَمَةِ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحُطَمَةُ","نَارُ ٱللَّهِ ٱلۡمُوقَدَةُ","ٱلَّتِی تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفۡـِٔدَةِ","إِنَّهَا عَلَیۡهِم مُّؤۡصَدَةࣱ","فِی عَمَدࣲ مُّمَدَّدَةِۭ"],"ayah":"یَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥۤ أَخۡلَدَهُۥ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق