الباحث القرآني

(p-٢١٣)سُورَةُ القارِعَةِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإجْماعِهِمْ وَقَدْ ذَكَرْنا تَفْسِيرَ فاتِحَتِها في أوَّلِ " الحاقَّةِ " . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ﴾ اليَوْمُ مَنصُوبٌ عَلى الظَّرْفِ. المَعْنى: يَكُونُ يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ ﴿كالفَراشِ المَبْثُوثِ﴾ وفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ غَوْغاءُ الجَرادِ، قالَهُ الفَرّاءُ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: غَوْغاءُ الجَرادِ: صِغارُهُ، ومِنهُ قِيلَ لِعامَّةِ النّاسِ: غَوْغاءُ. (p-٢١٤)والثّانِي: أنَّهُ طَيْرٌ لَيْسَ بِبَعُوضٍ ولا ذِبّانٍ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. والثّالِثُ: أنَّهُ ما تَهافَتَ في النّارِ مِنَ البَعُوضِ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. وكَذَلِكَ قالَ الزَّجّاجُ: ما يُرى كَصِغارِ البَقِّ يَتَهافَتُ في النّارِ. وشَبَّهَ النّاسَ في وقْتِ البَعْثِ بِهِ وبِالجَرادِ المُنْتَشِرِ، لِأنَّهم إذا بُعِثُوا ماجَ بَعْضُهم في بَعْضٍ. وذَكَرَ الماوَرْدِيُّ: أنَّ هَذا التَّشْبِيهَ لِلْكُفّارِ، فَهم يَتَهافَتُونَ في النّارِ يَوْمَ القِيامَةِ تَهافُتَ الفَراشِ. فَأمّا ﴿المَبْثُوثِ﴾ فَهو المُنْتَشِرُ المُتَفَرِّقُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ﴾ وقَدْ شَرَحْناهُ في [سَألَ سائِلٌ: ٩]، و " المَنفُوشُ " الَّذِي قَدْ نُدِفَ. قالَ مُقاتِلٌ: وتَصِيرُ الجِبالُ كالصُّوفِ المَندُوفِ. فَإذا رَأيْتَ الجَبَلَ قُلْتَ: هَذا جَبَلٌ: فَإذا مَسَسْتَهُ لَمْ تَرَ شَيْئًا، وذَلِكَ مِن شِدَّةِ الهَوْلِ. (p-٢١٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأمّا مَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾، أيْ: رَجَحَتْ بِالحَسَناتِ، وقَدْ بَيَّنّا هَذِهِ الآيَةَ في أوَّلِ [الأعْرافِ: ٨] وبَيَّنّا مَعْنى ﴿عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ في [الحاقَّةِ: ٢١] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ﴾، قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، والجَحْدَرِيُّ " فَإمُّهُ " بِكَسْرِ الهَمْزَةِ. وفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أُمُّ رَأْسِهِ هاوِيَةٌ، يَعْنِي: أنَّهُ يَهْوِي في النّارِ عَلى رَأْسِهِ، هَذا قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وأبِي صالِحٍ. والثّانِي: أنَّها كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ، كانَ الرَّجُلُ إذا وقَعَ في أمْرٍ شَدِيدٍ قالُوا: هَوَتْ أُمُّهُ، قالَهُ قَتادَةُ. والثّالِثُ: أنَّ المَعْنى، فَمَسْكَنُهُ النّارُ. وإنَّما قِيلَ لِمَسْكَنِهِ: أمُّهُ، لِأنَّ الأصْلَ السُّكُونُ إلى الأُمَّهاتِ. فالنّارُ لِهَذا كالأُمِّ، إذْ لا مَأْوى لَهُ غَيْرُها، هَذا قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ، والفَرّاءِ، وابْنِ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجِ، ويَدُلُّ عَلى صِحَّةِ هَذا ما رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: «إذا ماتَ العَبْدُ تَلْقى رُوحُهُ أرْواحَ المُؤْمِنِينَ، فَتَقُولُ لَهُ: ما فَعَلَ فُلانٌ؟ فَإذا قالَ: ماتَ، قالُوا: ذُهِبَ بِهِ إلى أُمِّهِ الهاوِيَةِ، فَبِئْسَتِ الأُمُّ، وبِئْسَتِ المُرَبِّيَةُ.» (p-٢١٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أدْراكَ ما هِيَهْ﴾ يَعْنِي: الهاوِيَةَ. قَرَأ حَمْزَةُ، ويَعْقُوبُ " ما هي " بِحَذْفِ الهاءِ الأخِيرَةِ في الوَصْلِ، وإثْباتِها في الوَقْفِ. وقَرَأ الباقُونَ بِإثْباتِها في الحالَيْنِ. قالَ الزَّجّاجُ: الهاءُ في " هِيَهْ " دَخَلَتْ في الوَقْفِ، لِتَبْيِينِ فَتْحَةِ الياءِ، فالوَقْفُ " هِيَهْ " والوَصْلُ هي نارٌ. والَّذِي يَجِبُ اتِّباعُ المُصْحَفِ. والهاءُ فِيهِ ثابِتَةٌ فَتُوقَفُ عَلَيْها، ولا تُوصَلُ، ﴿نارٌ حامِيَةٌ﴾ أيْ: حارَّةٌ قَدِ انْتَهى حَرُّها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب