الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا جاءَهُمُ الحَقُّ مِن عِنْدِنا﴾ وهو ما جاءَ بِهِ مُوسى مِنَ الآياتِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أسِحْرٌ هَذا﴾ قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: أتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمّا جاءَكم هَذا اللَّفْظَ، وهو قَوْلُهم: ﴿إنَّ هَذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ ثُمَّ قَرَّرَهم فَقالَ: ﴿أسِحْرٌ هَذا﴾ قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: إنَّما أدْخَلُوا الألِفَ عَلى جِهَةِ تَفْظِيعِ الأمْرِ، كَما يَقُولُ الرَّجُلُ إذا نَظَرَ إلى الكُسْوَةِ الفاخِرَةِ: أكِسْوَةٌ هَذِهِ ؟ يُرِيدُ بِالِاسْتِفْهامِ تَعْظِيمَها، وتَأْتِي الرَّجُلَ جائِزَةٌ، فَيَقُولُ: أحَقٌّ ما أرى ؟ مُعَظِّمًا لَمّا ورَدَ عَلَيْهِ. وقالَ غَيْرُهُ: تَقْدِيرُ الكَلامِ: أتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمّا جاءَكم: هو سِحْرٌ، أسِحْرٌ هَذا ؟ فَحُذِفَ السِّحْرُ الأوَّلُ اكْتِفاءً بِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَإذا جاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [الإسْراءِ:٨] المَعْنى: بَعَثْناهم لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكم. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لِتَصْرِفَنا. يُقالُ: لَفَتُّ فُلانًا عَنْ كَذا: إذا صَرَفْتَهُ. ومِنهُ الِالتِفاتُ، وهو الِانْصِرافُ عَمّا كُنْتَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَتَكُونَ لَكُما الكِبْرِياءُ في الأرْضِ﴾ ورَوى أبانُ، وزَيْدٌ عَنْ يَعْقُوبَ " ويَكُونَ لَكُما " بِالياءِ. وفي المُرادِ بِالكِبْرِياءِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: المُلْكُ والشَّرَفُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: الطّاعَةُ، قالَهُ الضَّحّاكُ. والثّالِثُ: العُلُوُّ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: والأرْضُ هاهُنا: أرْضُ مِصْرَ. (p-٥١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِكُلِّ ساحِرٍ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ " بِكُلِّ سَحّارٍ " بِتَشْدِيدِ الحاءِ وتَأْخِيرِ الألِفِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ﴾ قَرَأ الأكْثَرُونَ " السِّحْرُ " بِغَيْرِ مَدٍّ، عَلى لَفْظِ الخَبَرِ والمَعْنى: الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ مِنَ الحِبالِ والعِصِيِّ، هو السِّحْرُ، وهَذا رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ لِلْحَقِّ: هَذا سِحْرٌ، فَتَقْدِيرُهُ: الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ، فَدَخَلَتِ الألِفُ واللّامُ، لِأنَّ النَّكِرَةَ إذا عادَتْ، عادَتْ مَعْرِفَةً، كَما تَقُولُ: رَأيْتُ رَجُلًا، فَقالَ لِي الرَّجُلُ. وقَرَأ مُجاهِدٌ، وأبُو عَمْرٍو، وأبُو جَعْفَرٍ، وأبانُ عَنْ عاصِمٍ، وأبُو حاتِمٍ عَنْ يَعْقُوبَ: " آلسِّحْرُ " بِمَدِّ الألِفِ، اسْتِفْهامًا. قالَ الزَّجّاجُ: والمَعْنى: أيُّ شَيْءٍ جِئْتُمْ بِهِ ؟ أسِحْرٌ هُوَ؟ عَلى جِهَةِ التَّوْبِيخِ لَهم. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هَذا الِاسْتِفْهامُ مَعْناهُ التَّعْظِيمُ لِلسِّحْرِ، لا عَلى سَبِيلِ الِاسْتِفْهامِ عَنْ الشَّيْءِ الَّذِي يُجْهَلُ، وذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الإنْسانِ في الخَطَأِ الَّذِي يَسْتَعْظِمُهُ مِن إنْسانٍ: أخْطَأٌ هَذا ؟ أيْ: هو عَظِيمُ الشَّأْنِ في الخَطَأِ. والعَرَبُ تَسْتَفْهِمُ عَمّا هو مَعْلُومٌ عِنْدَها، قالَ امْرُؤُ القَيْسِ: ؎ أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قاتِلِي وأنَّكِ مَهْما تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ وَقالَ قَيْسُ بْنُ ذُرَيْحٍ: ؎ أراجِعَةٌ يا لُبْنَ أيّامُنا الأُلى ∗∗∗ بِذِي الطَّلْحِ أمْ لا ما لَهُنَّ رُجُوعُ فاسْتَفْهَمَ وهو يَعْلَمُ أنَّهُنَّ لا يَرْجِعْنَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ﴾ أيْ: يُهْلِكُهُ ويُظْهِرُ فَضِيحَتَكم، ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ﴾ لا يَجْعَلُ عَمَلَهم نافِعًا لَهم. ﴿وَيُحِقُّ اللَّهُ الحَقَّ﴾ أيْ: يُظْهِرُهُ ويُمَكِّنُهُ، ﴿بِكَلِماتِهِ﴾ بِما سَبَقَ مِن وعْدِهِ بِذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب