قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ومِنهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي ولا تَفْتِنِّي﴾ نَزَلَتْ في جَدِّ بْنِ قَيْسٍ المُنافِقِ، وذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا تَجَهَّزَ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ قالَ لَهُ: ”يا أبا وهْبٍ، هَلْ لَكَ في جِهادِ بَنِي الأصْفَرِ تَتَّخِذُ مِنهم سَرارِيَّ ووُصَفاءَ“ . فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أنِّي رَجُلٌ مُغْرَمٌ بِالنِّساءِ، وإنِّي أخْشى إنْ رَأيْتُ بَناتِ بَنِي الأصْفَرِ ألّا أصْبِرَ عَنْهُنَّ، فَلا تَفْتِنِّي بِهِنَّ، وائْذَنْ لِي في القُعُودِ عَنْكَ فَأُعِينَكَ بِمالِي. فَأعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ وقالَ: ”قَدْ أذِنْتُ لَكَ“ . فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.
فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِبَنِي سَلِمَةَ - وكانَ الجَدُّ مِنهم -: ”مَن سَيِّدُكم يا بَنِي سَلِمَةَ ؟“ . قالُوا: الجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، غَيْرَ أنَّهُ بَخِيلٌ جَبانٌ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”وأيُّ داءٍ أدْوى مِنَ البُخْلِ ؟ بَلْ سَيِّدُكُمُ الفَتى الأبْيَضُ الجَعْدُ بِشْرُ بْنُ البَراءِ بْنِ مَعْرُورٍ“ . فَقالَ فِيهِ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ:
وقالَ رَسُولُ اللَّهِ والحَقُّ لاحِقٌ
بِمَن قالَ مِنّا: مَن تَعُدُّونَ سَيِّدا
فَقُلْنا لَهُ: جَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلى الَّذِي
نُبَخِّلُهُ فِينا وإنْ كانَ أنْكَدا
فَقالَ: وأيُّ الدّاءِ أدْوى مِنَ الَّذِي
رَمَيْتُمْ بِهِ جَدًّا وعالى بِها يَدا
وسَوَّدَ بِشْرَ بَنَ البَراءِ بِجُودِهِ
وحُقَّ لِبِشْرٍ ذِي النَّدا أنْ يُسَوَّدا
إذا ما أتاهُ الوَفْدُ أنْهَبَ مالَهُ
وقالَ: خُذُوهُ إنَّهُ عائِدٌ غَدا
وما بَعْدُ هَذِهِ الآيَةِ كُلُّهُ في المُنافِقِينَ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ﴾ [التوبة: ٦٠]
{"ayah":"وَمِنۡهُم مَّن یَقُولُ ٱئۡذَن لِّی وَلَا تَفۡتِنِّیۤۚ أَلَا فِی ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُوا۟ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةُۢ بِٱلۡكَـٰفِرِینَ"}