قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنفُسِهِمْ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ في أهْلِ مَكَّةَ، قالُوا: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أنَّ مَن عَبَدَ الأوْثانَ وقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، لَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَكَيْفَ نُهاجِرُ ونُسْلِمُ وقَدْ عَبَدْنا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ، وقَتَلْنا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.
وقالَ ابْنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآياتُ في عَيّاشِ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ، والوَلِيدِ بْنِ الوَلِيدِ، ونَفَرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ كانُوا أسْلَمُوا ثُمَّ فُتِنُوا وعُذِّبُوا فافَتُتِنُوا، فَكُنّا نَقُولُ: لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِن هَؤُلاءِ صَرْفًا ولا عَدْلًا أبَدًا، قَوْمٌ أسْلَمُوا ثُمَّ تَرَكُوا دِينَهم بِعَذابٍ عُذِّبُوا بِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآياتُ. وكانَ عُمَرُ كاتِبًا فَكَتَبَها إلى عَيّاشِ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ والوَلِيدِ بْنِ الوَلِيدِ وإلى أُولَئِكَ النَّفَرِ، فَأسْلَمُوا وهاجَرُوا.
أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرّاجُ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ الكارِزِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، قالَ: أخْبَرَنا القاسِمُ بْنُ سَلّامٍ قالَ: حَدَّثَنا حَجّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قالَ: حَدَّثَنِي يَعْلى بْنُ مُسْلِمٍ، أنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ ناسًا مِن أهْلِ الشِّرْكِ كانُوا قَدْ قَتَلُوا فَأكْثَرُوا، وزَنَوْا فَأكْثَرُوا، ثُمَّ أتَوْا مُحَمَّدًا ﷺ فَقالُوا: إنَّ الَّذِي تَدْعُو إلَيْهِ لَحَسَنٌ إنْ تُخْبِرْنا أنَّ لِما عَمِلْناهُ كَفّارَةً. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنفُسِهِمْ﴾ .
رَواهُ البُخارِيُّ عَنْ إبْراهِيمَ بْنِ مُوسى، عَنْ هِشامِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
أخْبَرَنا أبُو إسْحاقَ المُقْرِئُ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ الحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمانَ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، قالَ: حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ، قالَ: حَدَّثَنا نافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ أنَّهُ قالَ: لَمّا اجْتَمَعْنا إلى الهِجْرَةِ اتَّعَدْتُ أنا وعَيّاشُ بْنُ أبِي رَبِيعَةَ وهِشامُ بْنُ العاصِ بْنِ وائِلٍ، فَقُلْنا: المِيعادُ بَيْنَنا المَناصِفُ - مِيقاتُ بَنِي غِفارٍ - فَمَن حُبِسَ مِنكم لَمْ يَأْتِها فَقَدْ حُبِسَ، فَلْيَمْضِ صاحِبُهُ. فَأصْبَحْتُ عِنْدَها أنا وعَيّاشٌ وحُبِسَ عَنّا هِشامٌ، وفُتِنَ فافْتُتِنَ، فَقَدِمْنا المَدِينَةَ فَكُنّا نَقُولُ: ما اللَّهُ بِقابِلٍ مِن هَؤُلاءِ تَوْبَةً، قَوْمٌ عَرَفُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ لِبَلاءٍ أصابَهم مِنَ الدُّنْيا. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ . إلى قَوْلِهِ: ﴿ألَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٦٠] . قالَ عُمَرُ: فَكَتَبْتُها بِيَدِي، ثُمَّ بَعَثْتُ بِها إلى هِشامٍ. قالَ هِشامٌ: فَلَمّا قَدِمَتْ عَلَيَّ خَرَجْتُ بِها إلى ذِي طُوًى، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ فَهِّمْنِيها، فَعَرَفْتُ أنَّها نَزَلَتْ فِينا، فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ عَلى بَعِيرِي فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ .
ويُرْوى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في وحْشِيٍّ قاتِلِ حَمْزَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ورِضْوانُهُ، وذَكَرْنا ذَلِكَ في آخِرِ سُورَةِ الفُرْقانِ.
{"ayah":"۞ قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ"}