الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ المُلْكِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وأنَسُ بْنُ مالِكٍ: لَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ، ووَعَدَ أُمَّتَهُ مُلْكَ فارِسَ والرُّومِ، قالَتِ المُنافِقُونَ واليَهُودُ: هَيْهاتَ هَيْهاتَ، مِن أيْنَ لِمُحَمَّدٍ مُلْكُ فارِسَ والرُّومِ ؟ هم أعَزُّ وأمْنَعُ مِن ذَلِكَ، ألَمْ يَكْفِ مُحَمَّدًا مَكَّةُ والمَدِينَةُ حَتّى طَمِعَ في مُلْكِ فارِسَ والرُّومِ ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. أخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ المَرْوَزِيُّ في كِتابِهِ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ الحَدّادِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، قالَ: أخْبَرَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، قالَ: أخْبَرَنا رَوْحُ بْنُ عُبادَةَ، قالَ: حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ سَألَ رَبَّهُ أنْ يَجْعَلَ مُلْكَ فارِسَ والرُّومِ في أُمَّتِهِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشاءُ﴾ . حَدَّثَنا الأُسْتاذُ أبُو إسْحاقَ الثَّعالِبِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حامِدٍ الوَزّانُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ المَطِيرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ الحَسَنِ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ خالِدٍ ابْنُ عَثْمَةَ، قالَ: حَدَّثَنا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أبِي، عَنْ أبِيهِ قالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلى الخَنْدَقِ عامَ الأحْزابِ، ثُمَّ قَطَعَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أرْبَعِينَ ذِراعًا. قالَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ: كُنْتُ أنا وسَلْمانُ الفارِسِيُّ وحُذَيْفَةُ والنُّعْمانُ بْنُ مُقَرِّنٍ المُزَنِيُّ وسِتَّةٌ مِنَ الأنْصارِ في أرْبَعِينَ ذِراعًا، فَحَفَرْنا حَتّى إذا كُنّا تَحْتَ ذوناب أخْرَجَ اللَّهُ مِن بَطْنِ الخَنْدَقِ صَخْرَةً مُدَوَّرَةً كَسَرَتْ حَدِيدَنا وشَقَّتْ عَلَيْنا، فَقُلْنا: يا سَلْمانُ، ارْقَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأخْبِرْهُ خَبَرَ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَإمّا أنْ نَعْدِلَ عَنْها وإمّا أنْ يَأْمُرَنا فِيها بِأمْرِهِ؛ فَإنّا لا نُحِبُّ أنْ نُجاوِزَ خَطَّهُ. قالَ: فَرَقِيَ سَلْمانُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وهو ضارِبٌ عَلَيْهِ قُبَّةً تُرْكِيَّةً، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، خَرَجَتْ صَخْرَةٌ بَيْضاءُ مُدَوَّرَةٌ مِن بَطْنِ الخَنْدَقِ، فَكَسَرَتْ حَدِيدَنا وشَقَّتْ عَلَيْنا حَتّى ما يَحِيكُ فِيها قَلِيلٌ ولا كَثِيرٌ، فَمُرْنا فِيها بِأمْرٍ؛ فَإنّا لا نُحِبُّ أنْ نُجاوِزَ خَطَّكَ. قالَ: فَهَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَ سَلْمانَ الخَنْدَقَ، والتِّسْعَةُ عَلى شَفَةِ الخَنْدَقِ، فَأخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المِعْوَلَ مِن سَلْمانَ فَضَرَبَها ضَرْبَةً صَدَعَها، وبَرَقَ مِنها بَرْقٌ أضاءَ ما بَيْنَ لابَتَيْها - يَعْنِي المَدِينَةَ - حَتّى لَكَأنَّ مِصْباحًا في جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، وكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَكْبِيرَ فَتْحٍ، فَكَبَّرَ المُسْلِمُونَ، ثُمَّ ضَرَبَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الثّانِيَةَ فَبَرَقَ مِنها بَرْقٌ أضاءَ ما بَيْنَ لابَتَيْها، حَتّى لَكَأنَّ مِصْباحًا في جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَكْبِيرَ فَتْحٍ، وكَبَّرَ المُسْلِمُونَ، ثُمَّ ضَرَبَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَكَسَرَها، وبَرَقَ مِنها بَرْقٌ أضاءَ ما بَيْنَ لابَتَيْها حَتّى لَكَأنَّ مِصْباحًا في جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، وكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَكْبِيرَ فَتْحٍ، وكَبَّرَ المُسْلِمُونَ، وأخَذَ بِيَدِ سَلْمانَ ورَقِيَ، فَقالَ سَلْمانُ: بِأبِي أنْتَ وأُمِّي يا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأيْتُ شَيْئًا ما رَأيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ. فالتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى القَوْمِ فَقالَ: ”رَأيْتُمْ ما يَقُولُ سَلْمانُ ؟“ . قالُوا: نَعَمْ يا رَسُولَ اللَّهِ. قالَ: ”ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الأُولى فَبَرَقَ الَّذِي رَأيْتُمْ، أضاءَتْ لِي مِنها قُصُورُ الحِيرَةِ ومَدائِنُ كِسْرى كَأنَّها أنْيابُ الكِلابِ، وأخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ أُمَّتِي ظاهِرَةٌ عَلَيْها، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثّانِيَةَ فَبَرَقَ لِيَ الَّذِي رَأيْتُمْ، أضاءَتْ لِي مِنها القُصُورُ الحُمْرُ مِن أرْضِ الرُّومِ كَأنَّها أنْيابُ الكِلابِ، وأخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ أُمَّتِي ظاهِرَةٌ عَلَيْها، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثّالِثَةَ فَبَرَقَ الَّذِي رَأيْتُمْ، أضاءَتْ لِي مِنها قُصُورُ صَنْعاءَ كَأنَّها أنْيابُ الكِلابِ، وأخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ أُمَّتِي ظاهِرَةٌ عَلَيْها، فَأبْشِرُوا“ . فاسْتَبْشَرَ المُسْلِمُونَ، وقالُوا: الحَمْدُ لِلَّهِ، مَوْعِدُ صِدْقٍ، وُعِدْنا النَّصْرَ بَعْدَ الحَفْرِ. فَقالَ المُنافِقُونَ: ألا تَعْجَبُونَ ؟ يُمَنِّيكم ويَعِدُكُمُ الباطِلَ، ويُخْبِرُكم أنَّهُ يُبْصِرُ مِن يَثْرِبَ قُصُورَ الحِيرَةِ ومَدائِنَ كِسْرى، وأنَّها تُفْتَحُ لَكم، وأنْتُمْ إنَّما تَحْفِرُونَ الخَنْدَقَ مِنَ الفَرَقِ، لا تَسْتَطِيعُونَ أنْ تَبْرُزُوا لِلْقِتالِ. قالَ: فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى القُرْآنَ: ﴿وإذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ والَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مّا وعَدَنا اللَّهُ ورَسُولُهُ إلّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: ١٢] . وأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ القِصَّةِ قَوْلَهُ: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ المُلْكِ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب