الباحث القرآني

أخْبَرَنا أبُو عَمْرٍو القَنْطَرِيُّ فِيما أذِنَ لِي في رِوايَتِهِ، قالَ: أخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ الحَدّادُ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى بْنِ خالِدٍ، قالَ: أخْبَرَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، قالَ: أخْبَرَنا المُؤَمَّلُ بْنُ إسْماعِيلَ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا أيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: كانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الحَيَّيْنِ مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ قِتالٌ في الجاهِلِيَّةِ، فَلَمّا جاءَ الإسْلامُ اصْطَلَحُوا، وألَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، فَجَلَسَ يَهُودِيٌّ في مَجْلِسٍ فِيهِ نَفَرٌ مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ، فَأنْشَدَ شِعْرًا قالَهُ أحَدُ الحَيَّيْنِ في حَرْبِهِمْ، فَكَأنَّهم دَخَلَهم مِن ذَلِكَ، فَقالَ الحَيُّ الآخَرُونَ: قَدْ قالَ شاعِرُنا في يَوْمِ كَذا: كَذا كَذا. فَقالَ الآخَرُونَ: وقَدْ قالَ شاعِرُنا في يَوْمِ كَذا: كَذا كَذا. قالَ: فَقالُوا: تَعالَوْا نَرُدُّ الحَرْبَ جَذَعًا كَما كانَتْ. فَنادى هَؤُلاءِ: يا لَلْأوْسِ. ونادى هَؤُلاءِ: يا لَلْخَزْرَجِ. فاجْتَمَعُوا وأخَذُوا السِّلاحَ واصْطَفُّوا لِلْقِتالِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَجاءَ النَّبِيُّ ﷺ حَتّى قامَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَقَرَأها ورَفَعَ صَوْتَهُ، فَلَمّا سَمِعُوا صَوْتَهُ أنْصَتُوا لَهُ، وجَعَلُوا يَسْتَمِعُونَ إلَيْهِ، فَلَمّا فَرَغَ ألْقَوُا السِّلاحَ، وعانَقَ بَعْضُهم بَعْضًا، وجَعَلُوا يَبْكُونَ. وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: مَرَّ شَأْسُ بْنُ قَيْسٍ اليَهُودِيُّ - وكانَ شَيْخًا قَدْ غَبَرَ في الجاهِلِيَّةِ، عَظِيمَ الكُفْرِ، شَدِيدَ الضِّغْنِ عَلى المُسْلِمِينَ، شَدِيدَ الحَسَدِ لَهم - عَلى نَفَرٍ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ في مَجْلِسٍ جَمَعَهم يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ، فَغاظَهُ ما رَأى مِن جَماعَتِهِمْ وأُلْفَتِهِمْ، وصَلاحِ ذاتِ بَيْنِهِمْ في الإسْلامِ، بَعْدَ الَّذِي كانَ بَيْنَهم في الجاهِلِيَّةِ مِنَ العَداوَةِ، فَقالَ: قَدِ اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ البِلادِ، لا واللَّهِ ما لَنا مَعَهم إذا اجْتَمَعُوا بِها مِن قَرارٍ. فَأمَرَ شابًّا مِنَ اليَهُودِ كانَ مَعَهُ، فَقالَ: اعْمِدْ إلَيْهِمْ فاجْلِسْ مَعَهم، ثُمَّ ذَكِّرْهم يَوْمَ بُعاثٍ وما كانَ قَبْلَهُ، وأنْشِدْهم بَعْضَ ما كانُوا تَقاوَلُوا فِيهِ مِنَ الأشْعارِ. وكانَ بُعاثٌ يَوْمًا اقْتَتَلَتْ فِيهِ الأوْسُ والخَزْرَجُ، وكانَ الظَّفَرُ فِيهِ لِلْأوْسِ عَلى الخَزْرَجِ. فَفَعَلَ، فَتَكَلَّمَ القَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَتَنازَعُوا وتَفاخَرُوا، حَتّى تَواثَبَ رَجُلانِ مِنَ الحَيَّيْنِ: أوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ أحَدُ بَنِي حارِثَةَ مِنَ الأوْسِ، وجَبّارُ بْنُ صَخْرٍ أحَدُ بَنِي سَلِمَةَ مِنَ الخَزْرَجِ. فَتَقاوَلا، ثُمَّ قالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: إنْ شِئْتَ واللَّهِ رَدَدْتُها الآنَ جَذَعَةً. وغَضِبَ الفَرِيقانِ جَمِيعًا، وقالا: ارْجِعاها، قَدْ فَعَلْنا، السِّلاحَ السِّلاحَ، مَوْعِدُكُمُ الظّاهِرَةُ - وهي حَرَّةٌ - فَخَرَجُوا إلَيْها. وانْضَمَّتِ الأوْسُ والخَزْرَجُ بَعْضُها إلى بَعْضٍ عَلى دَعْواهُمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها في الجاهِلِيَّةِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَن مَعَهُ مِنَ المُهاجِرِينَ حَتّى جاءَهم، فَقالَ: ”يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أبِدَعْوى الجاهِلِيَّةِ وأنا بَيْنَ أظْهُرِكم بَعْدَ أنْ أكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِالإسْلامِ، وقَطَعَ بِهِ عَنْكم أمْرَ الجاهِلِيَّةِ، وألَّفَ بَيْنَكم، تَرْجِعُونَ إلى ما كُنْتُمْ عَلَيْهِ كُفّارًا ؟ اللَّهَ اللَّهَ“ . فَعَرَفَ القَوْمُ أنَّها نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطانِ، وكَيْدٌ مِن عَدُوِّهِمْ، فَألْقَوُا السِّلاحَ مِن أيْدِيهِمْ، وبَكَوْا، وعانَقَ بَعْضُهم بَعْضًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سامِعِينَ مُطِيعِينَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ . يَعْنِي الأوْسَ والخَزْرَجَ. ﴿إن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ﴾ . يَعْنِي شَأْسًا وأصْحابَهُ: ﴿يَرُدُّوكُم بَعْدَ إيمانِكم كافِرِينَ﴾ . قالَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: ما كانَ مِن طالِعٍ أكْرَهَ إلَيْنا مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأوْمى إلَيْنا بِيَدِهِ فَكَفَفْنا، وأصْلَحَ اللَّهُ تَعالى ما بَيْنَنا، فَما كانَ شَخْصٌ أحَبَّ إلَيْنا مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَما رَأيْتُ قَطُّ يَوْمًا أقْبَحَ ولا أوْحَشَ أوَّلًا وأطْيَبَ آخِرًا مِن ذَلِكَ اليَوْمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب