الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المنافقين الذين وصفت لك، يا محمد، صفتهم = ﴿من عاهد الله﴾ ، يقول: أعطى الله عهدًا [[انظر تفسير "عاهد" فيما سلف: ص ١٤١، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] = ﴿لئن آتانا من فضله﴾ ، يقول: لئن أعطانا الله من فضله، ورزقنا مالا ووسَّع علينا من عنده [[انظر تفسير "آتى"، و "الفضل" فيما سلف من فهارس اللغة (أتى) و (فضل) .]] = ﴿لنصدقن﴾ ، يقول: لنخرجن الصدقة من ذلك المال الذي رزقنا ربُّنا [[انظر تفسير " التصدق " فيما سلف ٩: ٣١، ٣٧، ٣٨.]] = ﴿ولنكونن من الصالحين﴾ ، يقول: ولنعملنّ فيها بعَمَل أهل الصلاح بأموالهم، من صلة الرحم به، وإنفاقه في سبيل الله. [[انظر تفسير "الصالح" فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) .]] يقول الله تبارك وتعالى: فرزقهم الله وأتاهم من فضله = ﴿فلما آتاهم الله من فضله بخلوا به﴾ ، بفضل الله الذي آتاهم، فلم يصدّقوا منه، ولم يصلوا منه قرابةً، ولم ينفقوا منه في حق الله = ﴿وتولوا﴾ ، يقول: وأدبروا عن عهدهم الذي عاهدوه الله [[انظر تفسير "التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .]] = ﴿وهم معرضون﴾ ، عنه [[انظر تفسير " الإعراض " فيما سلف ١٣: ٤٦٣، تعليق: ٦، والمراجع هناك. ج ١٤ (٢٤) .]] = ﴿فأعقبهم﴾ الله = ﴿نفاقا في قلوبهم﴾ ، ببخلهم بحق الله الذي فرضه عليهم فيما آتاهم من فضله، وإخلافهم الوعد الذي وعدُوا الله، ونقضهم عهدَه في قلوبهم [[انظر تفسير " النفاق " فيما سلف ص: ٣٥٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] = ﴿إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه﴾ ، من الصدقة والنفقة في سبيله = ﴿وبما كانوا يكذبون﴾ ، في قيلهم، وحَرَمهم التوبة منه، لأنه جل ثناؤه اشترط في نفاقهم أنَّه أعقبهموه إلى يوم يلقونه، وذلك يوم مماتهم وخروجهم من الدنيا. * * * واختلف أهل التأويل في المعني بهذه الآية. فقال بعضهم: عُني بها رجل يقال له: "ثعلبة بن حاطب"، من الأنصار. [[في المخطوطة، وقف عند قوله: "يقال له"، ولم يذكر اسم الرجل، واستظهره الناشر الأول من الأخبار، وأصاب فيما فعل.]] * ذكر من قال ذلك: ١٦٩٨٦- محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله﴾ ، الآية، وذلك أن رجلا يقال له: "ثعلبة بن حاطب"، من الأنصار، أتى مجلسًا فأشهدهم فقال: لئن آتاني الله من فضله، آتيت منه كل ذي حقٍّ حقه، وتصدّقت منه، ووصلت منه القرابة! فابتلاه الله فآتاه من فضله، فأخلف الله ما وعدَه، وأغضبَ الله بما أخلفَ ما وعده. فقصّ الله شأنه في القرآن: ﴿ومنهم من عاهد الله﴾ ، الآية، إلى قوله: ﴿يكذبون﴾ . ١٦٩٨٧- حدثني المثنى قال، حدثنا هشام بن عمار قال، حدثنا محمد بن شعيب قال، حدثنا معان بن رفاعة السلمي، عن أبي عبد الملك علي بن يزيد الإلهاني: أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن: أنه أخبره عن أبي أمامة الباهلي، عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري، أنه قال لرسول الله ﷺ: ادع الله أن يرزقني مالا! فقال رسول الله ﷺ: ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدِّي شكره، خير من كثير لا تطيقه! قال: ثم قال مرة أخرى، فقال: أما ترضى أن تكون مثل نبيِّ الله، فوالذي نفسي بيده، لو شئتُ أن تسيرَ معي الجبال ذهبًا وفضة لسارت! قال: والذي بعثك بالحق لئن دعوتَ الله فرزقني مالا لأعطينّ كلّ ذي حق حقه! فقال رسول الله ﷺ: اللهم ارزق ثعلبه مالا! قال: فاتَّخذ غنمًا، فنمت كما ينمو الدُّود، فضاقت عليه المدينة، فتنحَّى عنها، فنزل واديًا من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة، ويترك ما سواهما. ثم نمت وكثرت، فتنحّى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي تنمو كما ينمو الدود، حتى ترك الجمعة. فطفق يتلقَّى الركبان يوم الجمعة، يسألهم عن الأخبار، فقال رسول الله ﷺ: ما فعل ثعلبة؟ فقالوا: يا رسول الله، اتخذ غنمًا فضاقت عليه المدينة! فأخبروه بأمره، فقال: يا ويْحَ ثعلبة! يا ويح ثعلبه! يا ويح ثعلبة! قال: وأنزل الله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ [سورة التوبة: ١٠٣] الآية، ونزلت عليه فرائض الصدقة، فبعث رسول الله ﷺ رجلين على الصدقة، رجلا من جهينة، ورجلا من سليم، وكتب لهما كيفَ يأخذان الصدقة من المسلمين، وقال لهما: مرَّا بثعلبة، وبفلان، رجل من بني سليم، فخذا صدقاتهما! فخرجا حتى أتيا ثعلبة، فسألاه الصدقة، وأقرآه كتاب رسول الله ﷺ، فقال: ما هذه إلا جزية! ما هذه إلا أخت الجزية! ما أدري ما هذا! انطلقا حتى تفرُغا ثم عودا إليّ. فانطلقا، وسمع بهما السُّلمي، فنظر إلى خِيار أسنان إبله، فعزلها للصدقة، ثم استقبلهم بها. فلما رأوها قالوا: ما يجب عليك هذا، وما نريد أن نأخذ هذا منك. قال: بلى، فخذوه، [[" بلي " واستعمالها في غير جحد، قد سلف مرارًا، آخرها في رقم: ١٦٣٠٥، ص: ٦٧، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] فإنّ نفسي بذلك طيّبة، وإنما هي لي! فأخذوها منه. فلما فرغا من صدقاتهما رجعا، حتى مرَّا بثعلبة، فقال: أروني كتابكما! فنظر فيه، فقال: ما هذه إلا أخت الجزية! انطلقا حتى أرى رأيي. فانطلقا حتى أتيا النبي ﷺ، فلما رآهما قال: يا ويح ثعلبة! قبل أن يكلِّمهما، ودعا للسلميّ بالبركة، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة، والذي صنع السلميّ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه: ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين﴾ ، إلى قوله: ﴿وبما كانوا يكذبون﴾ ، وعند رسول الله رجلٌ من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج حتى أتاه، فقال: ويحك يا ثعلبة! قد أنزل الله فيك كذا وكذا! فخرج ثعلبة حتى أتى النبي ﷺ، فسأله أن يقبل منه صدقته. فقال: إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك! فجعل يَحْثِي على رأسه التراب، فقال له رسول الله ﷺ: هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني! فلما أبَى أن يقبض رسولُ الله ﷺ، رجع إلى منزله، وقُبِض رسول الله ﷺ ولم يقبل منه شيئًا. ثم أتى أبا بكر حين اسْتخلِف، فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله ﷺ، وموضعي من الأنصار، فاقبل صدقتي! فقال أبو بكر: لم يقبلها رسول الله ﷺ وأنا أقبلها! فقُبِض أبو بكر، ولم يقبضها. فلما ولي عمر، أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، اقبل صدقتي! فقال: لم يقبلها رسولُ الله ﷺ ولا أبو بكر، وأنا أقبلها منك! فقُبِض ولم يقبلها، ثم ولي عثمان رحمة الله عليه، فأتاه فسأله أن يقبل صدقته فقال: لم يقبلها رسول الله ﷺ ولا أبو بكر ولا عمر رضوان الله عليهما وأنا أقبلها منك! [[في المطبوعة والمخطوطة: "وأنا لا أقبلها"، والجيد حذف " لا " كما سلف في مقالة أبي بكر وعمر، وهو مطابق لما في أسد الغابة.]] فلم يقبلها منه. وهلك ثَعْلبة في خلافة عثمان رحمة الله عليه. [[الأثر: ١٦٩٨٧ - "هشام بن عمار بن نصير السلمي"، ثقة، روى له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. وتكلموا فيه قالوا: لما كبر تغير. ومضى برقم: ١١١٠٨. و " محمد بن شعيب بن شابور الأموي " ثقة، مضى برقم: ١٦٩٨٧. و"معان بن رفاعة السلمي" أو: "السلامي" وهو المشهور، لين الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ \ ٢ \ ٧٠، وفي إحدى نسخه "السلمي" كما جاء في الطبري، ولذلك تركته على حاله، وابن أبي حاتم. و" علي بن يزيد الألهاني "، " أبو عبد الملك "، ضعيف بمرة، روى من القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة نسخة كبيرة، وأحاديثه هذه ضعاف كلها. مضى برقم: ١١٥٢٥. و" القاسم بن عبد الرحمن الشامي "، تقدم بيان توثيقه، وأن ما أنكر عليه إنما جاء من قبل الرواة عنه الضعفاء، مضى برقم: ١٩٣٩، ١١٥٢٥. وأما ثعلبة بن حاطب الأنصاري، ففي ترجمته خلط كثير. أهو رجل واحد، أم رجلان؟ أولهما هو الذي آخى رسول الله بينه وبين معتب بن الحمراء، والذي شهد بدرًا وأحدًا. والآخر هو صاحب هذه القصة. يقال: إن الأول قتل يوم أحد. وجعلهما بعضهم رجلا واحدًا ونفوا أن يكون قتل يوم أحد. انظر ترجمته في الإصابة، والاستيعاب: ٧٨، وأسد الغابة ١: ٢٣٧، وابن سعد: ٣ \ ٢ \ ٣٢. وهذا الخبر رواه بهذا الإسناد، ابن الأثير في أسد الغابة ١: ٢٣٧، ٢٣٨، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٧: ٢١، ٣٢، وقال: " رواه الطبراني، وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو متروك ". وهو ضعيف كل الضعف، ليس له شاهد من غيره، وفي بعض رواته ضعف شديد. وهذا الخبر، خرجه السيوطي في الدر المنثور ٣: ٢٦٠، ونسبه إلى الحسن بن سفيان، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والعسكري في الأمثال، والطبراني، وابن منده، والبارودي، وأبي نعيم في معرفة الصحابة، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر.]] ١٦٩٨٨- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله﴾ ، الآية: ذكر لنا أن رجلا من الأنصار أتى على مجلس من الأنصار، فقال: لئن آتاه الله مالا ليؤدِّين إلى كل ذي حقّ حقه! فآتاه الله مالا فصنع فيه ما تسمعون، قال: ﴿فلما آتاهم من فضله بخلوا به﴾ إلى قوله: ﴿وبما كانوا يكذبون﴾ . ذكر لنا أن نبيّ الله ﷺ حدَّث أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاء بالتوراة إلى بني إسرائيل، قالت بنو إسرائيل: إن التوراة كثيرة، وإنا لا نفرُغ لها، فسل لنا ربَّك جِماعًا من الأمر نحافظ عليه، ونتفرغ فيه لمعاشنا! [[في المطبوعة: "لمعايشنا"، وأثبت ما في المخطوطة.]] قال: يا قوم، مهلا مهلا! هذا كتاب الله، ونور الله، وعِصْمة الله! قال: فأعادوا عليه، فأعاد عليهم، قالها ثلاثًا. قال: فأوحى الله إلى موسى: ما يقول عبادي؟ قال: يا رب، يقولون: كيت وكيت. قال: فإني آمرهم بثلاثٍ إن حافظوا عليهن دخلوا بهن الجنة، أن ينتهوا إلى قسمة الميراثِ فلا يظلموا فيها، ولا يدخلوا أبصارَهم البيوت حتى يؤذن لهم، وأن لا يطعموا طعامًا حتى يتوضأوا وضوء الصلاة. قال: فرجع بهن نبيُّ الله ﷺ إلى قومه، ففرحوا، ورأوا أنهم سيقومون بهن. قال: فوالله ما لبث القومُ إلا قليلا حتى جَنَحُوا وانْقُطِع بهم. فلما حدّث نبيُّ الله بهذا الحديث عن بني إسرائيل، قال: تكفَّلوا لي بستٍّ، أتكفل لكم بالجنة! قالوا: ما هنّ، يا رسول الله؟ قال: إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تُخْلفوا، وإذا اؤتمنتم فلا تخونوا، وكُفُّوا أبصاركم وأيديكم وفروجكم: أبصارَكم عن الخيانة، وأيديكم عن السرقة، وفروجكم عن الزِّنا. ١٦٩٨٩- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن أن النبي ﷺ كان يقول: ثلاثٌ من كن فيه صار منافقًا وإن صامَ وصلى وزعم أنه مُسلم: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف. * * * وقال آخرون: بل المعنيُّ بذلك: رجلان: أحدهما ثعلبة، والآخر معتب بن قشير. * ذكر من قال ذلك: ١٦٩٩٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن: ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله﴾ الآية، [[كان في المطبوعة: "من فضله، إلى الآخر"، وهو غريب جدًا، وفي المخطوطة: "من فضله الآخر"، وصواب قراءتها ما أثبت، وإنما سها الناسخ كعادته.]] وكان الذي عاهد الله منهم: ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وهما من بني عمرو بن عوف. [[الأثر: ١٦٩٩٠ - سيرة ابن هشام ٤: ١٩٦، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٦٩٦٩.]] ١٦٩٩١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله﴾ ، قال رجلان خرجا على ملأ قُعُود فقالا والله لئن رزقنا الله لنصدقن! فلما رزقهم بخلوا به. ١٦٩٩٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد: ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله﴾ ، رجلان خرجا على ملأ قُعُود فقالا والله لئن رزقنا الله لنصدقن! فلما رزقهم بخلوا به، = ﴿فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم بما أخلفوا الله ما وعدوه﴾ ، حين قالوا: "لنصدقن"، فلم يفعلوا. ١٦٩٩٣- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. ١٦٩٩٤- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله﴾ الآية، قال: هؤلاء صنف من المنافقين، فلما آتاهم ذلك بخلوا به، فلما بخلوا بذلك أعقبهم بذلك نفاقًا إلى يوم يلقونه، ليس لهم منه توبة ولا مغفرة ولا عفو، كما أصاب إبليس حين منعه التوبة. * * * وقال أبو جعفر: في هذه الآية، الإبانةُ من الله جل ثناؤه عن علامةِ أهل النفاق، أعني في قوله: ﴿فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون﴾ . * * * وبنحو هذا القول كان يقول جماعة من الصحابة والتابعين، ورُوِيت به الأخبار عن رسول الله ﷺ. [[في المطبوعة: " ووردت به "، وأثبت ما في المخطوطة.]] * ذكر من قال ذلك: ١٦٩٩٥- حدثنا أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد قال، قال عبد الله: اعتبروا المنافق بثلاثٍ: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدَر، وأنزل الله تصديقَ ذلك في كتابه: ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله﴾ ، إلى قوله: ﴿يكذبون﴾ . [[الأثر: ١٦٩٩٥ - " عمارة "، هو " عمارة بن عمير التيمي "، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٣٢٩٤، ٥٧٨٩، ١٥٣٥٩. و" عبد الرحمن بن يزيد النخعي "، تابعي ثقة، روى له الجماعة. مضى برقم: ٣٢٩٤، ٣٢٩٥، ٣٢٩٩. و" عبد الله "، إنما يعني " عبد الله بن مسعود ". وهذا خبر صحيح الإسناد، موقوف على ابن مسعود، ولم أجده مرفوعًا عنه. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ١: ١٠٨، بلفظه هذا، وقال: "رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح ". وذكر قبله حديثا نحوه، ليس فيه الآية: " عن عبد الله، يعني ابن مسعود، عن النبي ﷺ "، ثم قال: " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح ".]] ١٦٩٩٦- حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك، عن صبيح بن عبد الله بن عميرة، عن عبد الله بن عمرو قال: ثلاث من كن فيه كان منافقًا: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان. قال: وتلا هذه الآية: ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين﴾ ، إلى آخر الآية. [[الأثر: ١٦٩٩٦ - هذا الخبر، يأتي بإسناد آخر بعده. و" صبيح بن عبد الله بن عميرة " و " صبيح بن عبد الله العبسي "، في الذي يليه. وقد سلف برقم: ١٢٧٤١، ١٢٧٤٢، وسلف أن البخاري ترجم له في الكبير ٢ \ ٢ \ ٣١٩، باسم " صبيح بن عبد الله "، زاد في الإسناد "العبسي"، وعلق المعلق هناك أنه في ابن ماكولا: " صبيح بن عبد الله بن عمير التغلبي " والذي قاله الطبري هنا " عميرة "، ولم أجد ما أرجح به، وترجم له في ابن أبي حاتم ٢ \ ١ \ ٤٤٩، ولم يذكروا له رواية عن " عبد الله بن عمرو "، وكان في المطبوعة هنا " عبد الله بن عمر "، وأظنه خطأ، يدل عليه ما في الخبر بعده. (وانظر ما يلي) . وهذا الخبر بهذا الإسناد نقله أخي السيد أحمد في شرحه على المسند، في مسند " عبد الله بن عمرو بن العاص " رقم: ٦٨٧٩، ثم قال: " ورواه الحافظ أبو بكر الفريابي في كتاب صفة النفاق (ص: ٥٠ - ٥١) ، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن غندر، عن شعبة، عن سماك بن حرب، عن صبيح بن عبد الله، عن عبد الله بن عمرو "، ثم ساق الخبر بنحوه، ثم قال: " وهذا موقوف، وإسناده صحيح، وهو شاهد جيد لهذا الحديث، لأنه مثله مرفوع حكمًا. وصبيح بن عبد الله، بضم الصاد، تابعي كبير، أدرك عثمان وعليًا. وترجمه البخاري في الكبير ٢ \ ٢ \ ٣١٩، ولم يذكر فيه جرحًا ". وحديث المسند، حديث مرفوع. وحديث آية المنافق، رواه البخاري في صحيحه (الفتح ١: ٨٣، ٨٤) من حديث أبي هريرة. وعبد الله بن عمرو. ورواه مسلم في صحيحه (٢: ٤٦ - ٤٨) ، من حديث عبد الله بن عمرو، وأبي هريرة.]] ١٦٩٩٧- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن سماك قال: سمعت صبيح بن عبد الله العبسيّ يقول: سألت عبد الله بن عمرو عن المنافق، فذكر نحوه. [[الأثر: ١٦٩٩٧ - "صبيح بن عبد الله العبسي"، انظر ما سلف رقم: ١٦٩٩٦، وكان في المطبوعة والمخطوطة "القيسي" بالقاف والياء، وصححته من المراجع، ومما سلف رقم: ١٢٧٤١، ١٢٧٤٢.]] ١٦٩٩٨- حدثني محمد بن معمر قال، حدثنا أبو هشام المخزومي قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال، حدثنا عثمان بن حكيم قال، سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: كنت أسمع أن المنافق يعرف بثلاث: بالكذب، والإخلاف، والخيانة، فالتمستُها في كتاب الله زمانًا لا أجدُها، ثم وجدتها في اثنتين من كتاب الله، [[في المطبوعة: "في آيتين" وأثبت ما في المخطوطة والذي رجح ذلك عندي، أن الذي ذكره بعد هذا، ثلاث آيات من سورة التوبة، وآية من سورة الأحزاب، فهذه أربعة. ولكنه أراد في سورتين من القرآن، أو نحو ذلك.]] قوله: ﴿ومنهم من عاهد الله﴾ حتى بلغ: ﴿وبما كانوا يكذبون﴾ ، وقوله: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ [سورة الأحزاب: ٧٢] ، هذه الآية. ١٦٩٩٩- حدثني القاسم بن بشر بن معروف قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا محمد المحرم قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله ﷺ: ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان، فقلت للحسن: يا أبا سعيد، لئن كان لرجل عليّ دين فلقيني فتقاضاني، وليس عندي، وخفت أن يحبسني ويهلكني، فوعدته أن أقضيه رأسَ الهلال، فلم أفعل، أمنافق أنا؟ قال: هكذا جاء الحديث! ثم حدّث عن عبد الله بن عمرو: أن أباه لما حضره الموت قال: زوِّجوا فلانًا، فإني وعدته أن أزوجه، لا ألقى الله بثُلُثِ النفاق! قال قلت: يا أبا سعيد، ويكون ثُلُث الرجل منافقًا، وثلثاه مؤمن؟ قال: هكذا جاء الحديث. قال: فحججت فلقيت عطاء بن أبي رباح، فأخبرته الحديثَ الذي سمعته من الحسن، وبالذي قلت له وقال لي، فقال لي: [[في المطبوعة: " فقال "، أسقط " لي "، وأثبت ما في المخطوطة.]] أعجزت أن تقول له: أخبرني عن إخوة يوسف عليه السلام، ألم يعدوا أباهم فأخلفوه، وحدَّثوه فكذبوه، وأتمنهم فخانوه، أفمنافقين كانوا؟ ألم يكونوا أنبياء؟ أبوهم نبيٌّ، وجدُّهم نبي؟ قال: فقلت لعطاء: يا أبا محمد، حدِّثني بأصل النفاق، وبأصل هذا الحديث. فقال: حدثني جابر بن عبد الله: أن رسول الله ﷺ إنما قال هذا الحديث في المنافقين خاصَّة، الذين حدَّثوا النبي فكذبوه، وأتمنهم على سرّه فخانوه، ووعدوه أن يخرجوه معه في الغزو فأخلفوه. قال: وخرج أبو سفيان من مكة، فأتى جبريلُ النبيَّ ﷺ فقال: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا. فقال النبي ﷺ لأصحابه: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه، واكتموا. قال: فكتب رجل من المنافقين إليه" "إن محمدًا يريدكم، فخذوا حذرَكم". فأنزل الله: ﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ، [سورة الأنفال: ٢٧] ، وأنزل في المنافقين: ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله﴾ ، إلى: ﴿فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدو وبما كانوا يكذبون﴾ ، فإذا لقيت الحسن فأقرئه السلام، وأخبره بأصل هذا الحديث، وبما قلت لك. قال: فقدمت على الحسن فقلت: يا أبا سعيد، إن أخاك عطاءً يقرئك السلام، فأخبرته بالحديث الذي حدث، وما قال لي، فأخذ الحسن بيدي فأشالها، [[في المطبوعة: "فأمالها"، وهو لا معنى له البتة. وفي المخطوطة: "فأسالها"، غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها. يقال: "شالت الناقة بذنبها وأشالته"، رفعته. ويقال: " أشال الحجر، وشال به، وشاوله "، رفعه، ويقال: " شال السائل بيديه "، إذا رفعهما يسأل بهما.]] وقال: يا أهل العراق، أعجزتم أن تكونوا مثلَ هذا؟ سمع مني حديثًا فلم يقبله حتى استنبط أصله، صدق عطاء، هكذا الحديث، وهذا في المنافقين خاصة. [[الأثر: ١٦٩٩٩ - " القاسم بن بشر بن أحمد بن معروف "، شيخ الطبري، مضى برقم: ١٠٥٠٩، ١٠٥٣١. و" شبابة "، هو " شبابة بن سوار الفزاري "، روى له الجماعة، مضى برقم: ١٢٨٥١، وقبله. وكان في المطبوعة: " أسامة "، لم يحسن قراءة المخطوطة، فحرفه تحريفًا منكرًا. و " محمد المحرم "، هو " محمد بن عمر المحرم " ويقال هو: " محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي "، وهو منكر الحديث. سلف بيان حاله برقم: ١٥٩٢٢، تفصيلا، ومواضع ترجمته. وكان في المطبوعة: " محمد المخرمي "، غير ما في المخطوطة بلا دليل ولا بيان، وهو إساءة وخطأ. وهذا خبر منكر جدًا، أشار إليه البخاري في التاريخ الكبير ١ \ ١ \ ٢٤٨ في ترجمة " محمد المحرم "، قال: " عن عطاء، والحسن. منكر الحديث: إذا وعد أخلف، سمع منه شبابة "، يعني هذا الخبر.]] ١٧٠٠٠- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا يعقوب، عن الحسن قال: قال رسول الله ﷺ: ثلاث من كن فيه، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، فهو منافق. فقيل له: ما هي يا رسول الله؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان. ١٧٠٠١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثنا مبشّر، عن الأوزاعي عن هارون بن رباب، عن عبد الله بن عمرو بن وائل: أنه لما حضرته الوفاة قال: إنّ فلانًا خطب إليّ ابنتي، وإني كنت قلت له فيها قولا شبيهًا بالعِدَة، والله لا ألقى الله بثُلُث النفاق، وأشهدكم أني قد زوَّجته. [[الأثر: ١٧٠٠١ - "مبشر"، هو "مبشر بن إسماعيل الحلبي"، ثقة، من شيوخ أحمد، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ \ ٢ \ ١١، وابن أبي حاتم ٤ \ ١ \ ٣٤٣. وكان في المطبوعة: "ميسرة"، تصرف تصرفًا معيبًا، وفي المخطوطة: "مسر" غير منقوطة. و"هارون بن رياب التميمي الأسيدي"، كان من العباد ممن يخفي الزهد. ثقة. قال ابن حزم: " اليمان، وهارون، وعلي، بنو رياب = كان هارون من أهل السنة، واليمان من أئمة الخوارج، وعلي من أئمة الروافض، وكانوا متعادين كلهم "! ! مترجم في التهذيب، والكبير ٤ \ ٢ \ ٢١٩، وابن أبي حاتم ٤ \ ٢ \ ٨٩. وأما " عبد الله بن عمرو بن وائل "، فهذا غريب ولكنه صحيح، فإنه " عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل "، فلا أدري لما فعل ذلك في سياق اسمه، إلا أن يكون سقط من الناسخ. هذا، وقد كان الإسناد في المطبوعة هكذا: " حدثنا القاسم، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريح، قال حدثنا ميسرة "، وقد صححت " ميسرة " قبله، أما " قال حدثني حجاج عن ابن جريج "، فقد كتبها ناسخ المخطوطة، ولكنه ضرب عليها ضربات بالقلم، يعني بذلك حذفه، ولكن الناشر لم يعرف اصطلاحهم في الضرب على الكلام، فأثبت ما حذفته.]] * * * وقال قوم: كان العهد الذي عاهد الله هؤلاء المنافقون، شيئًا نووه في أنفسهم، ولم يتكلموا به. * ذكر من قال ذلك: ١٧٠٠٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال: سمعت معتمر بن سليمان التيمي يقول: ركبت البحرَ، فأصابنا ريحٌ شديدة، فنذر قوم منا نذورًا، ونويت أنا، لم أتكلم به. فلما قدمت البصرة سألت أبي سليمانَ فقال لي: يا بُنَيّ، فِ به. [[في المطبوعة: "فه به"، ولا يقال ذلك إلا عند الوقف، والصواب "ف" على حرف واحد، أمرًا من "وفى يفي". وأثبت ما في المخطوطة.]] = قال معتمر: وحدثنا كهمس، عن سعيد بن ثابت قال قوله: ﴿ومنهم من عاهد الله﴾ ، الآية، قال: إنما هو شيء نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به، ألم تسمع إلى قوله: ﴿ألم يعلموا أن الله يعلم سِرَّهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب﴾ ؟ [[الأثر: ١٧٠٠٢ - "كهمس بن الحسن التميمي"، ثقة، روى له الجماعة، مترجم في التهذيب، والكبير ٤\ ١ \ ٢٣٩، وابن أبي حاتم ٣ \ ٢ \ ١٧٠. و"سعيد بن ثابت"، هكذا هو في المخطوطة، ولم أجد له ذكرًا فيما بين يدي من كتب الرجال، وأخشى أن يكون قد دخله تحريف.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب