الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المنافقين جماعة يؤذون رسول الله ﷺ ويعيبونه [[انظر تفسير "الأذى" فيما سلف ٨: ٨٤ - ٨٦، وص: ٨٥، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] = ﴿ويقولون هو أذن﴾ ، سامعةٌ، يسمع من كل أحدٍ ما يقول فيقبله ويصدِّقه. * * * وهو من قولهم: "رجل أذنة"، مثل "فعلة" [[هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة: "رجل أذنة مثل فعلة"، وهذا شيء لم أعرف ضبطه، ولم أجد له ما يؤيده في مراجع اللغة، والذي فيها أنه يقال: "رجل أذن" (بضم فسكون) و "أذن" (بضمتين) ، ولا أدري أهذه على وزن "فعلة" (بضم ففتح) : "همزة" و "لمزة"، أم على نحو وزن غيره. وأنا في ارتياب شديد من صواب ما ذكره هنا، وأخشى أن يكون سقط من الناسخ شيء، أو أن يكون حرف الكلام.]] إذا كان يسرع الاستماع والقبول، كما يقال: "هو يَقَن، ويَقِن" إذا كان ذا يقين بكل ما حُدِّث. وأصله من "أذِن له يأذَن"، إذا استمع له. ومنه الخبر عن النبي ﷺ: "ما أذِن الله لشيء كأذَنِه لنبيّ يتغنى بالقرآن"، [[هذا الحديث، استدل به بغير إسناد، وهو حديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه (٦: ٧٨، ٧٩) من حديث أبي هريرة.]] ومنه قول عدي بن زيد: أَيُّها القَلْبُ تَعَلَّلْ بِدَدَنْ ... إنَّ هَمِّي فِي سَمَاعِ وَأَذَنْ [[أمالي الشريف المرتضى ١: ٣٣، واللسان (أذن) و (ددن) ، و "الدد" (بفتح الدال) و "الددن"، اللهو. و "السماع"، الغناء، والمغنية يقال لها "المسمعة".]] وذكر أن هذه الآية نزلت في نبتل بن الحارث. [[في المخطوطة والمطبوعة: " في ربيع بن الحارث "، وهو خطأ محض، لا شك فيه.]] ١٦٨٩٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ذكر الله غشَّهم [[في المطبوعة: "ذكر الله عيبهم"، أخطأ، والصواب ما في المخطوطة، وسيرة ابن هشام.]] = يعني: المنافقين = وأذاهم للنبي ﷺ فقال: ﴿ومنهم الذين يؤذون النبيّ ويقولون هو أذن﴾ ، الآية. وكان الذي يقول تلك المقالة، فيما بلغني، نبتل بن الحارث، أخو بني عمرو بن عوف، وفيه نزلت هذه الآية، وذلك أنه قال: "إنما محمد أذُنٌ! من حدّثه شيئًا صدّقه! "، يقول الله: ﴿قل أذن خير لكم﴾ ، أي: يسمع الخير ويصدِّق به. [[الأثر: ١٦٨٩٩ - سيرة ابن هشام ٤: ١٩٥، وهو تابع الأثر السلف رقم: ١٦٧٨٣، وانظر خبر نبتل بن الحارث أيضًا في سيرة ابن هشام ٢: ١٦٨.]] * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: ﴿قل أذن خير لكم﴾ . فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ﴾ ، بإضافة "الأذن" إلى "الخير"، يعني: قل لهم، يا محمد: هو أذن خير، لا أذن شرٍّ. * * * وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك: ﴿قُلْ أُذُنٌ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ، بتنوين "أذن"، ويصير "خير" خبرًا له، بمعنى: قل: من يسمع منكم، أيها المنافقون، ما تقولون ويصدقكم، إن كان محمد كما وصفتموه، من أنكم إذا أتيتموه، فأنكرتم [[في المطبوعة: "إذا آذيتموه فأنكرتم"، وهو كلام لا معنى له، لم يحسن قراءة المخطوطة، والصواب ما أثبت.]] ما ذكر له عنكم من أذاكم إياه وعيبكم له، سمع منكم وصدقكم = خيرٌ لكم من أن يكذبكم ولا يقبل منكم ما تقولون. ثم كذبهم فقال: بل لا يقبل إلا من المؤمنين = ﴿يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين﴾ . * * * قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندي في ذلك، قراءةُ من قرأ: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ﴾ ، بإضافة "الأذن" إلى "الخير"، وخفض "الخير"، يعني: قل هو أذن خير لكم، لا أذن شر. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٤٤٤.]] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٦٩٠٠- حدثني المثنى قال، حدثني عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ﴿ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن﴾ ، يسمع من كل أحد. ١٦٩٠١- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن﴾ ، قال: كانوا يقولون: "إنما محمد أذن، لا يحدَّث عنا شيئًا، إلا هو أذن يسمع ما يقال له". ١٦٩٠٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿ويقولون هو أذن﴾ ، نقول ما شئنا، ونحلف، فيصدقنا. ١٦٩٠٣- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ﴿هو أذن﴾ ، قال: يقولون: "نقول ما شئنا، ثم نحلف له فيصدقنا". ١٦٩٠٤- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. * * * وأما قوله: ﴿يؤمن بالله﴾ ، فإنه يقول: يصدِّق بالله وحده لا شريك له. وقوله: ﴿ويؤمن للمؤمنين﴾ ، يقول: ويصدق المؤمنين، لا الكافرين ولا المنافقين. وهذا تكذيب من الله للمنافقين الذين قالوا: "محمد أذن! "، يقول جل ثناؤه: إنما محمد ﷺ مستمعُ خيرٍ، يصدِّق بالله وبما جاءه من عنده، ويصدق المؤمنين، لا أهل النفاق والكفر بالله. * * * وقيل: ﴿ويؤمن للمؤمنين﴾ ، معناه: ويؤمن المؤمنين، لأن العرب تقول فيما ذكر لنا عنها: "آمنتُ له وآمنتُه"، بمعنى: صدّقته، كما قيل: ﴿رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ ، [سورة النمل: ٧٢] ، ومعناه: ردفكم = وكما قال: ﴿لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [سورة الأعراف: ١٥٤] ، ومعناه: للذين هم ربّهم يرهبون. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٤٤٤.]] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٦٩٠٥- حدثني المثنى قال، حدثني عبد الله قال: حدثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس: ﴿يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين﴾ ، يعني: يؤمن بالله، ويصدق المؤمنين. * * * وأما قوله: ﴿ورحمة للذين آمنوا منكم﴾ ، فإن القرأة اختلفت في قراءته، فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: ﴿وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ ، بمعنى: قل هو أذن خير لكم، وهو رحمة للذين آمنوا منكم = فرفع "الرحمة"، عطفًا بها على "الأذن". * * * وقرأه بعض الكوفيين: ﴿وَرَحْمَةٍ﴾ ، عطفا بها على "الخير"، بتأويل: قل أذن خير لكم، وأذن رحمة. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٤٤٤.]] * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي، قراءةُ من قرأه: ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ ، بالرفع، عطفًا بها على "الأذن"، بمعنى: وهو رحمة للذين آمنوا منكم. وجعله الله رحمة لمن اتبعه واهتدى بهداه، وصدَّق بما جاء به من عند ربه، لأن الله استنقذهم به من الضلالة، وأورثهم باتِّباعه جنّاته. * * * القول في تأويل قوله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦١) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لهؤلاء المنافقين الذين يعيبون رسول الله ﷺ، ويقولون: "هو أذن"، وأمثالِهم من مكذِّبيه، والقائلين فيه الهُجْرَ والباطل، [[انظر تفسير "الأذى" فيما سلف ص: ٣٢٤، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] عذابٌ من الله موجع لهم في نار جهنم. [[انظر تفسير "أليم" فيما سلف من فهارس اللغة (ألم) .]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب