الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن المنافقين الذين وصفت لك، يا محمد، صفتهم في هذه الآيات = ﴿من يلمزك في الصدقات﴾ ، يقول: يعيبك في أمرها، ويطعُنُ عليك فيها. * * * يقال منه: "لمز فلان فلانًا يَلْمِزُه، ويَلْمُزُه" إذا عابه وقرصه، وكذلك "همزه"، ومنه قيل: "فلان هُمَزَةً لُمَزَة، ومنه قول رؤبة: قَارَبْتُ بَيْنَ عَنَقِي وَجَمْزِي ... فِي ظِلِّ عَصْرَيْ بَاطِلي وَلَمْزِي [[ديوانه: ٦٤، من رجزه في أبان بن الوليد البجلي، ثم ذكر فيها نفسه، فقال: فَإن ترَيْنِي الْيَوْمَ أُمَّ حَمْزِ ... قَارَبْتُ بَيْنَ عَنَقِي وجَمْزِي مِنْ بَعْدِ تَقْمَاص الشَّبَابِ الأَبْزِ ... فِي ظِلِّ عَصْرَيْ باطِلِي وَلَمْزِي فَكُلُّ بَدْءِ صَالحٍ أَوْ نِقْزِ ... لاقٍ حِمَامَ الأَجَلِ المُجْتَزِّ "أم حمز"، يعني "أم حمزة". و "العنق" ضرب من العدو، و "الجمز" فوق العنق، ودون الحضر، وهو العدو الشديد. يعني ما تقارب من جريه لما كبر، "تقماص الشباب"، من "القمص"، "قمص الفرس"، إذا نفر واستن، وهو أن يرفع يديه ويطرحهما معًا، ويعجن برجليه. و "التقماص" مصدر لم تذكره كتب اللغة. و "الأبز": الشديد الوثب، المتطلق في عدوه، يقال: "ظبي أبوز، وأباز"، ولم يذكروا في الصفات "الأبز"، وهو هنا صفة بالمصدر. و "البدء": السيد الشاب المقدم المستجاد الرأي. و "النقز" (بكسرالنون) : الخسيس الرذال من الناس.]] ومنه قول الآخر: [[هو زياد الأعجم.]] إِذَا لَقَيْتُكَ تُبْدِي لِي مُكَاشَرَةً ... وَإِنْ أُغَيَّبْ، فَأَنْتَ العَائِبُ اللُّمَزَهْ [[مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢٦٣، إصلاح المنطق: ٤٧٥، والجمهرة لابن دريد ٣: ١٨، والمقاييس ٦: ٦٦، واللسان (همز) ، وسيأتي في التفسير ٣٠: ١٨٨ (بولاق) بغير هذه الرواية، وهي: تُدْلِي بِوُدٍّ إذَا لاقَيْتَنِي كَذِبًا ... وَإِنْ أُغَيِّبْ فأنت الهَامِزُ اللُّمَزَهْ وهي رواية ابن السكيت، وابن فارس، والطبري بعد، ورواية ابن دريد، وصاحب اللسان، وابن دريد. إذَا لَقِيتُكَ عن شَحْطٍ تُكَاشِرُني وقوله: "وإن أغيب" بالبناء للمجهول، لا كما ضبط في مجاز القرآن.]] = ﴿فإن أعطوا منها رضوا﴾ ، يقول: ليس بهم في عيبهم إياك فيها، وطعنهم عليك بسببها، الدِّينُ، ولكن الغضب لأنفسهم، فإن أنت أعطيتهم منها ما يرضيهم رضوا عنك، وإن أنت لم تعطهم منهم سخطوا عليك وعابوك. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٦٨١٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ﴿ومنهم من يلمزك في الصدقات﴾ ، قال: يروزك. [["رازه يروزه روزًا"، اختبره وامتحنه، وقد ذكر هذا الخبر في المعاجم من كلام مجاهد، وفسروه فقالوا: "يقال: رزت ما عند فلان، إذا اختبرته وامتحنته. والمعنى: يمتحنك ويذوق أمرك، هل تخاف لائمته أم لا".]] ١٦٨١٤- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: ﴿ومنهم من يلمزك في الصدقات﴾ ، يروزك ويسألك، [["رازه يروزه روزًا"، اختبره وامتحنه، وقد ذكر هذا الخبر في المعاجم من كلام مجاهد، وفسروه فقالوا: "يقال: رزت ما عند فلان، إذا اختبرته وامتحنته. والمعنى: يمتحنك ويذوق أمرك، هل تخاف لائمته أم لا".]] قال ابن جريج: وأخبرني داود بن أبي عاصم قال: قال أتي النبي ﷺ بصدقة فقسمها ههنا وههنا حتى ذهبت. قال: ورآه رجل من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل؟ فنزلت هذه الآية. ١٦٨١٥- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿ومنهم من يلمزك في الصدقات﴾ ، يقول: ومنهم من يطعُنُ عليك في الصدقات. وذكر لنا أن رجلا من أهل البادية حديثَ عهدٍ بأعرابيّةٍ، أتى نبي الله ﷺ وهو يقسم ذهبًا وفضة، فقال: يا محمد، والله لئن كان الله أمرك أن تعدل، ما عدلت! فقال نبي الله ﷺ: ويلك! فمن ذا يعدل عليك بعدي! ثم قال نبي الله ﷺ: احذروا هذا وأشباهه فإن في أمتي أشباه هذا، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم. وذكر لنا أن نبي الله ﷺ كان يقول: "والذي نفسي بيده ما أعطيكم شيئا ولا أمنعكموه، إنما أنا خازن. ١٦٨١٦- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿ومنهم من يلمزك في الصدقات﴾ ، قال: يطعن. ١٦٨١٧-...... قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد قال: بينما رسول الله ﷺ يقسم قَسْمًا، إذ جاءه ابن ذي الخُوَيْصِرَة التميمي، [[في مسلم والبخاري "ذو الخويصرة"، ليس فيها (ابن) ، وهذا هو المعروف المشهور.]] فقال: اعدل، يا رسول الله! فقال: ويلك، ومن يعدل إن لم أعدل! فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه! قال: دَعْه، فإن له أصحابًا يحتقر أحدكم صلاته مع صَلاتهم، [[في المطبوعة: " يحقر "، وهي كذلك في رواية الخبر في الصحيحين، ولكن هكذا جاءت في المخطوطة.]] وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة، [["مرق السهم من الرمية"، خرج من الجانب الآخر خروجًا سريعًا. و "الرمية"، المرمية، يعني الصيد المرمي بالسهم ونحوه.]] فينظر في قُذَذَه فلا ينظر شيئًا، [["القذذ" جمع "قذة" (بضم القاف) ، وهي ريش السهم.]] ثم ينظر في نَصْله، فلا يجد شيئًا، ثم ينظر في رِصَافه فلا يجد شيئًا، [["الرصاف" جمع "رصفة" (بفتحات) ، وهي العقبة التي تلوى على موضع الفوق من السهم.]] قد سبق الفَرْثَ والدم، [["الفرث"، سرجين الدابة، ما دام في كرشها.]] آيتهم رجل، أسود، [["الآية"، العلامة.]] إحدى يده = أو قال: يديه = مثل ثدي المرأة، أو مثل البَضْعَة تَدَرْدَرُ، [["البضعة" القطعة من اللحم. "تدردر"، "تتدردر"، أي: تضطرب.]] يخرجون على حين فترة من الناس. قال: فنزلت: ﴿ومنهم من يلمزك في الصدقات﴾ = قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت هذا من رسول الله ﷺ، وأشهد أن عليًّا رحمة الله عليه حين، قتلهم جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله ﷺ. [[الأثر: ١٦٨١٧ - هذا حديث صحيح الإسناد، رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٦: ٤٥٥) ومسلم في صحيحه ٧: ١٦٥، من طريق الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن. وجاء الخبر من طرق صحاح كثيرة، انظر شرح البخاري، وصحيح مسلم.]] ١٦٨١٧م- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون﴾ ، قال: هؤلاء المنافقون، قالوا: والله ما يعطيها محمد إلا من أحبَّ، ولا يؤثر بها إلا هواه! فأخبر الله نبيه، وأخبرهم أنه إنما جاءت من الله، وإن هذا أمر من الله ليس من محمد: ﴿إنما الصدقات للفقراء﴾ ، الآية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب