الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنزتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنزونَ (٣٥) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فبشر هؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة، ولا يخرجون حقوق الله منها، يا محمد، بعذاب أليم = ﴿يوم يحمى عليها في نار جهنم﴾ ، فـ "اليوم" من صلة "العذاب الأليم"، كأنه قيل: يبشرهم بعذاب أليم، يعذبهم الله به في يوم يحمى عليها. ويعني بقوله: ﴿يحمي عليها﴾ ، تدخل النار فيوقد عليها، أي: على الذهب والفضة التي كنزوها = ﴿في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم﴾ . * * * وكل شيء أدخل النار فقد أحمي إحماءً، يقال منه: "أحمَيت الحديدة في النار أحميها إحماءً". * * * وقوله: ﴿فتكوى بها جباههم﴾ ، يعني بالذهب والفضة المكنوزة، يحمى عليها في نار جهنم، يكوي الله بها. يقول: يحرق الله جباهَ كانزيها وجنوبَهم وظهورهم = ﴿هذا ما كنزتم﴾ ، ومعناه: ويقال لهم: هذا ما كنزتم في الدنيا، أيها الكافرون الذين منعوا كنوزهم من فرائض الله الواجبة فيها لأنفسكم = ﴿فذوقوا ما كنتم تكنزون﴾ ، يقول: فيقال لهم: فاطعَمُوا عذاب الله بما كنتم تمنعون من أموالكم حقوقَ الله وتكنزونها مكاثرةً ومباهاةً. [[انظر تفسير " ذاق " فيما سلف ص: ١٥، تعليق: ٤، والمراجع هناك.]] وحذف من قوله: ﴿هذا ما كنزتم﴾ و "يقال لهم"، لدلالة الكلام عليه. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٦٦٧٥- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن حميد بن هلال قال: كان أبو ذر يقول: بشّر الكنّازين بكيّ في الجباه، وكيّ في الجنوب، وكيٍّ في الظهور، حتى يلتقي الحرُّ في أجوافهم. [[الأثر: ١٦٦٧٥ - " حميد بن هلال العدوي "، ثقة، متكلم فيه، لأنه دخل في عمل السلطان. وقال البزار في مسنده: لم يسمع من أبي ذر. ومات حميد في ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق. مضى برقم: ١٣٧٦٨.]] ١٦٦٧٦-...... قال: حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير، عن الأحنف بن قيس قال: قدمت المدينة، فبينا أنا في حَلْقَة فيها ملأ من قريش، إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، [[في المطبوعة " خشن " في المواضع الثلاث. وأثبت ما في المخطوطة. وهو المطابق لرواية مسلم. " الخشن " و " الأخشن "، والأنثى " خشنة " و " خشناء ". من الخشونة. وهو الأحرش من كل شيء. ويقال. " رجل أخشن، خشن ".]] فقام عليهم فقال: بشِّر الكنازين برضْفٍ يحمى عليه في نار جهنم، [[" الرضف " (بفتح فسكون) : الحجارة المحماة على النار، والعرب يوغرون بها اللبن، ويشوون عليها اللحم.]] فيوضع على حَلَمة ثدْي أحدهم حتى يخرج من نُغْضِ كتفه، ويوضع على نُغْضِ كتفه، [[" نغض الكتف " (بضم فسكون، أو فتح فسكون) و " ناغض الكتف "، هو عند أعلى الكتف، عظم رقيق على طرفه، ينغض إذا مشى الماشي، أي يتحرك.]] حتى يخرج من حَلَمة ثدييه، يتزلزل، [[" يتزلزل "، أي يتحرك ويضطرب، كأنه يزل مرة بعد أخرى، يقول: يضطرب الرضف المحمي نازلا من نغض الكتف حتى يخرج من حلمة الثدي.]] قال: فوضع القوم رءوسهم، فما رأيت أحدًا منهم رجع إليه شيئًا. قال: وأدبر، فاتبعته، حتى جلس إلى ساريةٍ، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قُلْت! فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئًا. [[الأثر ١٦٦٧٦ - " الجريري "، هو " سعيد بن إياس الجريري " الحافظ المشهور، روى له الجماعة، مضى برقم: ١٩٦، ١٢٢٧٤. و" أبو العلاء بن الشخير "، هو " يزيد بن عبد الله بن الشخير " ثقة وروى له الجماعة. مضى برقم ١٥٥١٤، ١٥٥١٥. وهذا الخبر رواه البخاري بنحوه مطولا في صحيحه (الفتح ٣: ١٢٨) - ورواه مسلم في صحيحه ٧ / ٧٧ بلفظه من هذا الطريق مطولا أيضا.]] ١٦٦٧٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم قال، حدثني عمرو بن قيس، عن عمرو بن مرة الجملي، عن أبي نصر، عن الأحنف بن قيس، قال: رأيت في مسجد المدينة رجلا غليظ الثياب، رثَّ الهيئة، يطوف في الحِلَق وهو يقول: بشر أصحاب الكنوز بكيٍّ في جنوبهم، وكي في جباههم، وكيٍّ في ظهورهم! ثم انطلق وهو يتذمَّر يقول [[" يتذمر "، أي: يصخب من الغضب، كأنه يعاتب نفسه.]] ما عسى تصنعُ بي قريش!! [[الأثر: ١٦٦٧٧ - " عمرو بن قيس الملائي، ثقة، مضى مرارا. و" عمرو بن مرة الجملي "، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارا. و" أبو نصر "، لم أعرف من هو؟]] ١٦٦٧٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال أبو ذر: بشر أصحاب الكنوز بكيٍّ في الجباه، وكيٍّ في الجنوب، وكيٍّ في الظهور. ١٦٦٧٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: ﴿يوم يحمى عليها في نار جهنم﴾ ، قال: حية تنطوي على جبينه وجبهته تقول: أنا مالُك الذي بخلت به! [[الأثر: ١٦٦٧٩ - " قابوس بن أبي ظبيان الجنبي "، ضعيف، لا يحتج به، مضى برقم: ٩٧٤٥، ١٠٦٨٣. وأبوه: " أبو ظبيان الجنبي "، هو " حصين بن جندب "، ثقة، روى له الجماعة، مضى أيضا برقم: ٩٧٤٥، ١٠٦٨٣. وانظر ما سلف في حديث ابن مسعود رقم: ٨٢٨٥ - ٨٢٨٩.]] ١٦٦٨٠- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان: أن نبيّ الله ﷺ كان يقول: من ترك بعدَه كنزا مثَلَ له يوم القيامة شُجَاعًا أقرعَ له زبيبتان، [[" الشجاع "، ضرب من الحيات مارد خبيث. " والأقرع "، هو الذي لا شعر له على رأسه، قد تمعط عليه رأسه لكثرة سمه، وطول عمره. و " الزبيبتان ": نكتتان سوداوان تكونان فوق عينيه، وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه.]] يتبعه يقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك! فلا يزال يتبعه حتى يُلْقِمه يده فيقضمها، ثم يتبعه سائر جسده. [[الأثر: ١٦٦٨٠ - " سالم بن أبي الجعد الأشجعي "، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٤٢٤٤، ١١٥٤٦، ١٦٦٦١ - ١٦٦٦٦. و" معدان بن أبي طلحة الكناني "، تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ٢ / ٣٨، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٤٠٤. وهذا الخبر، ذكره ابن كثير في تفسيره ٤: ١٥٧، وقال: " رواه ابن حبان في صحيحه من حديث يزيد بن سعيد، به. وأصل هذا الحديث في الصحيحين، من رواية أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه = وفي صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة "، وذكر الخبر.]] ١٦٦٨١- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: بلغني أن الكنوز تتحوَّل يوم القيامة شجاعًا يتبع صاحبه وهو يفرُّ منه، ويقول: أنا كنزك! لا يدرك منه شيئًا إلا أخذه. ١٦٦٨٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: والذي لا إله غيره، لا يكوى عبد بكنز فيمسُّ دينارٌ دينارًا ولا درهم درهمًا، ولكن يوسع جلده، فيوضع كل دينار ودرهم على حِدَته. [[الأثر: ١٦٦٨٢ - هذا الخبر، ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد ٧: ٢٩، ٣٠، وقال: " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ". وذكره ابن كثير في تفسيره ٤: ١٥٦، وقال: " وقد رواه ابن مردويه، عن أبي هريرة مرفوعا، ولا يصح رفعه، والله أعلم ". وذكره السيوطي في الدر المنثور ٣: ٢٣٣، ونسبه إلى ابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي الشيخ، لم يذكر ابن جرير.]] ١٦٦٨٣-...... قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: ما من رجل يكوَى بكنز فيوضع دينار على دينارٍ ولا درهم على درهم، ولكن يوسَّع جلده. [[الأثر: ١٦٦٨٣ - هو مكرر الأثر السالف، بإسناد آخر، مختصرا.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب