الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المتخلفين عنكم حين شخصتم لعدوّكم، أيها المؤمنون، آخرون. * * * ورفع قوله: "آخرون"، عطفًا على قوله: ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا﴾ . * * * = ﴿وآخرون مرجون﴾ ، يعني: مُرْجئون لأمر الله وَقضائه. * * * يقال منه: "أرجأته أرجئه إرجاء وهو مرجَأ"، بالهمز وترك الهمز، وهما لغتان معناهما واحد. وقد قرأت القرأة بهما جميعا. [[انظر تفسير " الإرجاء " فيما سلف ١٣: ٢٠، ٢١.]] * * * وقيل: عُني بهؤلاء الآخرين، نفرٌ ممن كان تخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، فندموا على ما فعلوا، ولم يعتذروا إلى رسول الله ﷺ عند مقدمه، ولم يوثقوا أنفسهم بالسواري، فأرجأ الله أمرهم إلى أن صحَّت توبتهم، فتاب عليهم وعفا عنهم. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٧١٧٤- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: وكان ثلاثة منهم = يعني: من المتخلفين عن غزوه تبوك = لم يوثقوا أنفسهم بالسواري، أرجئوا سَبْتَةً، [[قوله: " سبتة "، أي برهة من الدهر.]] لا يدرون أيعذبون أو يتاب عليهم، فأنزل الله: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ﴾ ، إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ ، [سورة التوبة: ١١٧، ١١٨] . ١٧١٧٥- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية = يعني قوله: ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها﴾ = أخذ رسول الله ﷺ من أموالهم = يعني من أموال أبي لبابة وصاحبيه = فتصدَّق بها عنهم، وبقي الثلاثة الذين خالفوا أبا لبابة، ولم يوثقوا، ولم يذكروا بشيء، ولم ينزل عذرهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحُبت. وهم الذين قال الله: ﴿وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم﴾ . فجعل الناس يقولون: هلكوا! إذ لم ينزل لهم عذر، وجعل آخرون يقولون: عسى الله أن يغفرَ لهم! فصاروا مرجئين لأمر الله، حتى نزلت: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ ، الذين خرجوا معه إلى الشام = ﴿مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ، ثم قال: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ ، يعني المرجئين لأمر الله، نزلت عليهم التوبة، فعُمُّوا بها، فقال: ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ ، إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ . ١٧١٧٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة: ﴿وآخرون مرجون لأمر الله﴾ ، قال: هم الثلاثة الذين خُلِّفُوا. ١٧١٧٧- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وآخرون مرجون لأمر الله﴾ ، قال: هلال بن أمية، ومرارة بن ربعيّ، وكعب بن مالك، من الأوس والخزرج. ١٧١٧٨- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وآخرون مرجون لأمر الله﴾ ، هلال بن أمية، ومرارة بن ربعيّ، وكعب بن مالك، من الأوس والخزرج. [[الأثر: ١٧١٧٧ - " مرارة بن ربعي "، هكذا جاء في المخطوطة في هذا الخبر، وفي الذي يليه. وصححه في المطبوعة: " مرارة بن الربيع " ثم جاء في رقم: ١٧١٨٣ في المخطوطة: " مرارة بن ربيعة "، وكلاهما غير المشهور المعروف في كتب تراجم الصحابة، والكتب الصحاح، فهو فيها جميعا " مرارة بن الربيع الأنصاري "، من بني عمرو بن عوف. وأما " مرارة بن ربعي بن عدي بن يزيد بن جشم "، فلم يذكره غير ابن الكلبي، وقال: " كان أحد البكائين ". فأثبت ما في مخطوطة الطبري، لاتفاق الاسم بذلك في مواضع، وأخشى أن يكون في اسمه خلاف لم يقع إلي خبره. وانظر ما سيأتي برقم: ١٧٤٣٦. ثم انظر رقم: ١٧٤٣٣، وما بعده، وفيها " ابن ربيعة " و " ابن الربيع ".]] ١٧١٧٩-...... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ١٧١٨٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. ١٧١٨١-...... قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثله. ١٧١٨٢- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿وآخرون مرجون لأمر الله﴾ ، هم الثلاثة الذين خلفوا عن التوبة = يريد: غير أبي لبابة وأصحابه = ولم ينزل الله عذرهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت. وكان أصحاب رسول الله ﷺ فيهم فرقتين: فرقة تقول: "هلكوا"، حين لم ينزل الله فيهم ما أنزل في أبي لبابة وأصحابه. وتقول فرقة أخرى: "عسى الله أن يعفو عنهم! "، وكانوا مرجئين لأمر الله. ثم أنزل الله رحمته ومغفرته فقال: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ﴾ الآية، وأنزل: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ ، الآية. ١٧١٨٣- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿وآخرون مرجون لأمر الله﴾ ، قال: كنا نُحدَّث أنهم الثلاثة الذين خُلّفوا: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة، رهط من الأنصار. [[الأثر: ١٧١٨٣ - " مرارة بن ربيعة "، المعروف " مرارة بن الربيع "، ولكن هكذا جاء في المخطوطة، وصححه الناشر في المطبوعة. وانظر رقم: ١٧١٧٧.]] ١٧١٨٤- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿وآخرون مرجون لأمر الله﴾ ، قال: هم الثلاثة الذين خُلّفوا. ١٧١٨٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ﴿وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم﴾ ، وهم الثلاثة الذين خلفوا، وأرجأ رسول الله ﷺ أمرهم، حتى أتتهم توبتهم من الله. [[الأثر: ١٧١٨٥ - سيرة ابن هشام ٤: ١٩٨، ١٩٩، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٧١٣٥.]] * * * وأما قوله: ﴿إما يعذبهم﴾ ، فإنه يعني: إما أن يحجزهم الله عن التوبة بخذلانه، فيعذبهم بذنوبهم التي ماتوا عليها في الآخرة = ﴿وإما يتوب عليهم﴾ ، يقول: وإما يوفقهم للتوبة فيتوبوا من ذنوبهم، فيغفر لهم = ﴿والله عليم حكيم﴾ ، يقول: والله ذو علم بأمرهم وما هم صائرون إليه من التوبة والمقام على الذنب = ﴿حكيم﴾ ، في تدبيرهم وتدبير من سواهم من خلقه، لا يدخل حكمه خَلَلٌ. [[انظر تفسير " عليم " و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة (علم) و (حكم) .]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب