الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (١٠١) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن القوم الذين حول مدينتكم من الأعراب منافقون، ومن أهل مدينتكم أيضًا أمثالهم أقوامٌ منافقون. * * * وقوله: ﴿مردوا على النفاق﴾ ، يقول: مرَنُوا عليه ودَرِبوا به. * * * ومنه: "شيطانٌ مارد، ومَرِيد"، وهو الخبيث العاتي. ومنه قيل: "تمرَّد فلان على ربه"، أي: عتَا، ومرنَ على معصيته واعتادها. [[انظر تفسير " مريد " فيما سلف ٩: ٢١١، ٢١٢، وفي المطبوعة: " أي: عتا ومرد على معصيته. . . "، والصواب ما في المخطوطة.]] * * * وقال ابن زيد في ذلك ما: - ١٧١١٩- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿ومن أهل المدينة مردوا على النفاق﴾ ، قال: أقاموا عليه، لم يتوبوا كما تابَ الآخرون. ١٧١٢٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ﴿ومن أهل المدينة مردوا على النفاق﴾ ، أي لجُّوا فيه، وأبوْا غيرَه. [[الأثر: ١٧١٢٠ - سيرة ابن هشام ٤: ١٩٨، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٧٠٨٩.]] * * * = ﴿لا تعلمهم﴾ ، يقول لنبيه محمد ﷺ: لا تعلم، يا محمد، أنت هؤلاء المنافقين الذين وصفتُ لك صفتهم ممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة، ولكنا نحن نعلمهم، كما: - ١٧١٢١- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ﴿وممن حولكم من الأعراب منافقون﴾ ، إلى قوله: ﴿نحن نعلمهم﴾ ، قال: فما بال أقوام يتكلَّفون علم الناس؟ فلانٌ في الجنة وفلان في النار! فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال: لا أدري! لعمري أنتَ بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفته الأنبياء قبلك! قال نبي الله نوح عليه السلام: ﴿وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ،، [سورة الشعراء: ١١٢] ، وقال نبي الله شعيب عليه السلام: ﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ [سورة هود: ٨٦] ، وقال الله لنبيه عليه السلام: ﴿لا تعلمهم نحن نعلمهم﴾ . * * * وقوله: ﴿سنعذبهم مرتين﴾ ، يقول: سنعذب هؤلاء المنافقين مرتين، إحداهما في الدنيا، والأخرى في القبر. * * * ثم اختلف أهل التأويل في التي في الدنيا، ما هي؟ فقال بعضهم: هي فضيحتهم، فضحهم الله بكشف أمورهم، وتبيين سرائرهم للناس على لسان رسول الله ﷺ. * * * * ذكر من قال ذلك: ١٧١٢٢- حدثنا الحسين بن عمرو العنقزي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أسباط، عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس في قول الله: ﴿وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق﴾ ، إلى قوله: ﴿عذاب عظيم﴾ ، قال: قام رسول الله ﷺ خطيبًا يوم الجمعة، فقال: اخرج يا فلان، فإنك منافق. اخرج، يا فلان، فإنك منافق. فأخرج من المسجد ناسًا منهم، فضحهم. فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد، فاختبأ منهم حياءً أنه لم يشهد الجمعة، وظنّ أن الناس قد انصرفوا، واختبأوا هم من عمر، ظنّوا أنه قد علم بأمرهم. فجاء عمر فدخل المسجد، فإذا الناس لم يصلُّوا، فقال له رجل من المسلمين: أبشر، يا عمر، فقد فضح الله المنافقين اليوم! فهذا العذاب الأول، حين أخرجهم من المسجد. والعذاب الثاني، عذاب القبر. [[الأثر: ١٧١٢٢ - رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٧: ٣٣، وقال: " رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، وهو ضعيف ".]] ١٧١٢٣- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك: ﴿سنعذبهم مرتين﴾ ، قال: كان رسول الله ﷺ يخطب فيذكر المنافقين، فيعذبهم بلسانه، قال: وعذاب القبر. * * * [وقال آخرون: ما يصيبهم من السبي والقتل والجوع والخوف في الدنيا.] [[هذه الترجمة التي بين القوسين، ليست في المخطوطة ولا المطبوعة، استظهرتها من سياق الأخبار التالية.]] * * * * ذكر من قال ذلك: ١٧١٢٤- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿سنعذبهم مرتين﴾ ، قال: القتل والسِّبَاء. ١٧١٢٥- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿سنعذبهم مرتين﴾ ، بالجوع، وعذاب القبر. قال: ﴿ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾ ، يوم القيامة. ١٧١٢٦- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا جعفر بن عون، والقاسم، ويحيى بن آدم، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ﴿سنعذبهم مرتين﴾ ، قال: بالجوع والقتل = وقال يحيى: الخوف والقتل. [[في المطبوعة: " بالجوع. . . "، بالباء في أوله، وأثبت ما في المخطوطة.]] ١٧١٢٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: بالجوع والقتل. ١٧١٢٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن أبي مالك: ﴿سنعذبهم مرتين﴾ ، قال: بالجوع، وعذاب القبر. ١٧١٢٩- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿سنعذبهم مرتين﴾ ، قال: الجوع والقتل. [[في المطبوعة: " بالجوع "، وأثبت ما في المخطوطة.]] * * * وقال آخرون: معنى ذلك: سنعذبهم عذابًا في الدنيا، وعذابًا في الآخرة. * ذكر من قال ذلك: ١٧١٣٠- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿سنعذبهم مرتين﴾ ، عذاب الدنيا، وعذاب القبر، ﴿ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾ ، ذكر لنا أن نبيّ الله ﷺ أسرَّ إلى حذيفة باثني عشر رجلا من المنافقين، فقال: "ستة منهم تكفيكَهم الدُّبيلة، [[" الدبيلة " في اللغة، خراج ودمل كبير، تظهر في الجوف، فتقتل صاحبها غالبا، وهي تصغير " دبلة " (بضم الدال وسكون الباء) ، بمثل معناها.]] سِراج من نار جهنم، يأخذ في كتف أحدهم حتى تُفضي إلى صدره، وستة يموتون موتًا. ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رحمه الله، كان إذا مات رجل يرى أنه منهم، نظر إلى حذيفة، فإن صلى عليه، وإلا تركه. وذكر لنا أن عمر قال لحذيفة: أنشُدُك الله، أمنهم أنا؟ قال: لا والله، ولا أومِن منها أحدًا بعدك! ١٧١٣١- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: ﴿سنعذبهم مرتين﴾ ، قال: عذاب الدنيا وعذاب القبر. ١٧١٣٢- حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن العلاء قالا حدثنا بدل بن المحبر قال، حدثنا شعبة، عن قتادة: ﴿سنعذبهم مرتين﴾ ، قال: عذابًا في الدنيا، وعذابًا في القبر. ١٧١٣٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: عذاب الدنيا، وعذاب القبر، = ثم يردّون إلى عذاب النار. * * * وقال آخرون: كان عذابهم إحدى المرتين، مصائبَهم في أموالهم وأولادهم، والمرة الأخرى في جهنم. * ذكر من قال ذلك: ١٧١٣٤- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ﴿سنعذبهم مرتين﴾ ، قال: أما عذابٌ في الدنيا، فالأموال والأولاد، وقرأ قول الله: ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ، [سورة التوبة: ٥٥] ، بالمصائب فيهم، هي لهم عذاب، وهي للمؤمنين أجر. قال: وعذاب في الآخرة، في النار = ﴿ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾ ، قال: النار. * * * وقال آخرون: بل إحدى المرتين، الحدود، والأخرى: عذابُ القبر. ذكر ذلك عن ابن عباس من وجه غير مرتضًى. [[في المطبوعة: " غير مرضي ". وأثبت ما في المخطوطة.]] * * * وقال آخرون: بل إحدى المرتين، أخذ الزكاة من أموالهم، والأخرى عذابُ القبر. ذكر ذلك عن سليمان بن أرقم، عن الحسن. * * * وقال آخرون: بل إحدى المرتين، عذابُهم بما يدخل عليهم من الغَيْظِ في أمر الإسلام. * ذكر من قال ذلك: ١٧١٣٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ﴿سنعذبهم مرتين﴾ ، قال: العذاب الذي وعدَهم مرتين، فيما بلغني، غَمُّهم بما هم فيه من أمر الإسلام، [[في المطبوعة والمخطوطة: " فيما بلغني عنهم ما هم فيه أمر الإسلام "، والصواب من سيرة ابن هشام.]] وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حِسْبة، ثم عذابهم في القبر إذا صاروا إليه، ثم العذاب العظيم الذي يردُّون إليه، عذابُ الآخرة، [[في المطبوعة: " ويخلدون فيه "، وفي المخطوطة: " ويخلد فيه "، وصواب قراءتها من سيرة ابن هشام.]] والخُلْد فيه. [[الأثر: ١٧١٣٥ - سيرة ابن هشام ٤: ١٩٨، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٧١٢٠.]] * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: إن الله أخبر أنه يعذِّب هؤلاء الذين مرَدوا على النفاق مرتين، ولم يضع لنا دليلا يوصِّل به إلى علم صفة ذينك العذابين [[في المطبوعة: " نتوصل به "، وأثبت ما في المخطوطة.]] = وجائز أن يكون بعض ما ذكرنا عن القائلين ما أنبئنا عنهم. وليس عندنا علم بأيِّ ذلك من أيٍّ. [[في المطبوعة: " بأي ذلك من بأي، على أن في قوله. . . "، فحرف وبدل وأفسد الكلام إفسادًا. وانظر القول في " أي ذلك كان من أي " فيما سلف ص: ٣٦٥، تعليق: ١، والمراجع هناك، فقد مضت أخواتها كثيرًا، وحرفها الناسخ.]] غير أن في قوله جل ثناؤه: ﴿ثم يردّون إلى عذاب عظيم﴾ ، دلالة على أن العذاب في المرَّتين كلتيهما قبل دخولهم النار. والأغلب من إحدى المرتين أنها في القبر. * * * وقوله: ﴿ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾ ، يقول: ثم يردُّ هؤلاء المنافقون، بعد تعذيب الله إياهم مرتين، إلى عذاب عظيم، وذلك عذاب جهنم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب