الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين سبقوا الناس أولا إلى الإيمان بالله ورسوله = ﴿من المهاجرين﴾ ، الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم، وفارقوا منازلهم وأوطانهم [[انظر تفسير " الهجرة " فيما سلف ص: ١٧٣، تعليق: ٤، والمراجع هناك.]] = ﴿والأنصار﴾ ، الذين نصروا رسول الله ﷺ على أعدائه من أهل الكفر بالله ورسوله [[انظر تفسير " الأنصار " فيما سلف ١٠: ٤٨١، تعليق: ٥، والمراجع هناك.]] = ﴿والذين اتبعوهم بإحسان﴾ ، يقول: والذين سَلَكوا سبيلهم في الإيمان بالله ورسوله، والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، طلبَ رضا الله [[انظر تفسير " الإحسان " فيما سلف من فهارس اللغة (حسن) .]] = ﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾ . واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: ﴿والسابقون الأوّلون﴾ . فقال بعضهم: هم الذين بايعوا رسول الله ﷺ بيعة الرضوان، أو أدْركوا. * ذكر من قال ذلك: ١٧٠٩٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، عن إسماعيل، عن عامر: ﴿والسابقون الأوّلون﴾ ، قال: من أدرك بيعة الرضوان. ١٧١٠٠-...... قال، حدثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن عامر قال: ﴿المهاجرون الأوّلون﴾ ، من أدرك البيعة تحت الشجرة. ١٧١٠١- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: ﴿المهاجرون الأولون﴾ ، الذين شهدوا بيعة الرضوان. ١٧١٠٢- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان عن مطرف، عن الشعبي قال: "المهاجرون الأولون"، من كان قبل البيعة إلى البيعة، فهم المهاجرون الأوّلون، ومن كان بعد البيعة، فليس من المهاجرين الأولين. ١٧١٠٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا إسماعيل ومطرف، عن الشعبي قال: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ ، هم الذين بايعوا بيعة الرضوان. ١٧١٠٤- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن داود، عن عامر قال: فَصْل ما بين الهجرتين بيعة الرضوان، وهي بيعة الحديبية. ١٧١٠٥- حدثني المثني قال، أخبرنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم قال، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ومطرف، عن الشعبي قال: هم الذين بايعوا بيعة الرضوان. ١٧١٠٦- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبثر أبو زبيد، عن مطرف، عن الشعبي قال: المهاجرون الأولون، من أدرك بيعة الرضوان. [[الأثر: ١٧١٠٦ - " عبثر، أبو زبيد "، هو " عبثر بن القاسم الزبيدي، أبو زبيد "، مضى برقم: ١٢٤٠٢، وغيرها.]] * * * وقال آخرون: بل هم الذين صلوا القبلتين مع رسول الله ﷺ. * ذكر من قال ذلك: ١٧١٠٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن عثمان الثقفي، عن مولى لأبي موسى، عن أبي موسى قال: المهاجرون الأولون، من صلى القبلتين مع النبيّ ﷺ. ١٧١٠٨- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا قيس بن الربيع، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن مولى لأبي موسى قال: سألت أبا موسى الأشعري عن قوله: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ ، قال: هم الذين صلوا القبلتين جميعًا. ١٧١٠٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي هلال، عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: لم سُمُّوا "المهاجرين الأولين"؟ قال: من صلى مع النبي ﷺ القبلتين جميعًا، فهو من المهاجرين الأولين. ١٧١١٠- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: المهاجرون الأولون، الذين صلوا القبلتين. ١٧١١١- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قوله: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ ، قال: هم الذين صلوا القبلتين جميعًا. ١٧١١٢- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عباس بن الوليد قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، مثله. ١٧١١٣- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب = وعن أشعث، عن ابن سيرين = في قوله: ﴿والسابقون الأولون﴾ ، قال: هم الذين صلوا القبلتين. ١٧١١٤- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن معاذ قال، حدثنا ابن عون، عن محمد، قال: المهاجرون الأولون: الذين صلوا القبلتين. ١٧١١٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ ، قال: هم الذين صلوا القبلتين جميعًا. * * * وأما الذين اتبعوا المهاجرون الأولين والأنصار بإحسان، فهم الذين أسلموا لله إسلامَهم، وسلكوا منهاجهم في الهجرة والنصرة وأعمال الخير. كما: - ١٧١١٦- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب قال: مرّ عمر برجل وهو يقرأ هذه الآية: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان﴾ ، قال: من أقرأك هذه الآية؟ [[استفهام عمر، كما سيظهر في رقم: ١٧١١٨، عن قراءة الآية بخفض " الأنصار " بالواو في " والذين "، وقراءته هو، رفع " الأنصار " وبغير واو في قوله " الذين اتبعوهم ".]] قال: أقرأنيها أبيّ بن كعب. قال: لا تفارقْني حتى أذهب بك إليه! فأتاه فقال: أنت أقرأت هذا هذه الآية؟ قال: نعم! قال: وسمعتها من رسول الله ﷺ؟! قال: [نعم!] . [[الزيادة بين القوسين لا بد منها، وليست في المخطوطة ولا المطبوعة، ونقلتها من تفسير ابن كثير ٤: ٢٢٩.]] لقد كنتُ أرانا رُفِعنا رَفْعَةً لا يبلُغها أحدٌ بعدنا! فقال أبيّ: تصديق ذلك في أول الآية التي في أول الجمعة، [[في المطبوعة والمخطوطة: " قال: وتصديق ذلك في أول الآية ". وهو غير مستقيم صوابه من تفسير ابن كثير ٤: ٢٢٩، وانظر الأثر التالي.]] وأوسط الحشر، وآخر الأنفال. أما أول الجمعة: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ ،، [سورة الجمعة: ٣] ، وأوسط الحشر: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ﴾ ، [سورة الحشر: ١٠] ، وأما آخر الأنفال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ﴾ ، [سورة الأنفال: ٧٥] . ١٧١١٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا الحسن بن عطية قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي قال: مرّ عمر بن الخطاب برجل يقرأ: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ ، حتى بلغ: ﴿ورضوا عنه﴾ ، قال: وأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ قال: أبي بن كعب! فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه! فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم! قال: أنت سمعتها من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم! قال: لقد كنت أظن أنّا رُفِعنا رَفْعة لا يبلغها أحدٌ بعدنا! فقال أبيّ: بلى، تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ ، إلى: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ، وفي سورة الحشر: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ﴾ ، وفي الأنفال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ﴾ ، إلى آخر الآية. * * * وروي عن عمر في ذلك ما: ١٧١١٨- حدثني به أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج، عن هارون، عن حبيب بن الشهيد، وعن ابن عامر الأنصاري: أن عمر بن الخطاب قرأ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ ، فرفع "الأنصار" ولم يلحق الواو في "الذين"، فقال له زيد بن ثابت "والذين اتبعوهم بإحسان"، فقال عمر: "الذين اتبعوهم بإحسان"، فقال زيد: أمير المؤمنين أعلم! فقال عمر: ائتوني بأبيّ بن كعب. فأتاه، فسأله عن ذلك، فقال أبي: ﴿والذين اتبعوهم بإحسان﴾ ، فقال عمر: إذًا نتابع أبَيًّا. * * * قال أبو جعفر: والقراءة على خفض "الأنصار"، عطفًا بهم على "المهاجرين". * * * وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ: ﴿الأنْصَارُ﴾ ، بالرفع، عطفًا بهم على "السابقين". * * * قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز غيرها، الخفضُ في ﴿الأنْصَارِ﴾ ، لإجماع الحجة من القرأة عليه، وأن السابق كان من الفريقين جميعًا، من المهاجرين والأنصار، وإنما قصد الخبر عن السابق من الفريقين، دون الخبر عن الجميع = وإلحاق "الواو" في "الذين اتبعوهم بإحسان"، [[قوله: " وإلحاق الواو " معطوف على قوله: " والقراءة التي لا أستجيز غيرها، الخفض. . . ".]] لأن ذلك كذلك في مصاحف المسلمين جميعًا، على أن "التابعين بإحسان"، غير "المهاجرين والأنصار"، وأما "السابقون"، فإنهم مرفوعون بالعائد من ذكرهم في قوله: ﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾ . * * * ومعنى الكلام: رضي الله عن جميعهم لما أطاعوه، وأجابوا نبيّه إلى ما دعاهم إليه من أمره ونهيه = ورضي عنه السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم إياه، وإيمانهم به وبنبيه عليه السلام = ﴿وأعد لهم جناتٍ تجري تحتها الأنهار﴾ ، يدخلونها = ﴿خالدين فيها﴾ ، لابثين فيها [[انظر تفسير " الخلد " فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) .]] = ﴿أبدًا﴾ ، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها [[انظر تفسير " أبدًا " فيما سلف ص: ١٧٥، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] = ﴿ذلك الفوز العظيم﴾ . [[انظر تفسير " الفوز " فيما سلف ص: ٤١٥، تعليق: ٨، والمراجع هناك.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب